فرضت الولايات المتحدة إرادتها على المجتمع الدولي بعد شهرين من المفاوضات المكثّفة والشاقة عبر تبنّي مجلس الأمن بالإجماع القرار الأميركي المعدّل الذي يشدد إجراءات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق ويُهدّد «بأقسى العواقب» في حال عرقلت بغداد هذه الاجراءات التي تطال فيما تطال القصور الرئاسية. وعلى رغم التعديلات التي أجريت على القرار بضغوط فرنسية وروسية وعربية لجهة ضرورة العودة إلى مجلس الأمن مجددا قبل اللجوء إلى القوة، أكّدت إدارة بوش بوضوح انها ستتحرّك منفردة في حال عدم موافقة المجلس على الضربة العسكرية. وأجمعت الصحف العربية على ان الرئيس بوش حقق ثاني انتصار كبير له في أقل من أسبوع، وأضاف إلى إنجازه الداخلي في الانتخابات النصفية للكونغرس إنجازا خارجيا في مجلس الأمن... ولفتت الصحف إلى ان الاتصالات كانت تكثفت في ربع الساعة الأخير لإزالة تحفظات روسية، وشملت أيضارسالة إلى سورية قبل ساعات من التصويت، تتضمن «ضمانات أميركية ودولية» بألاّ يشكل القرار أساسا لأي ضربة تلقائية.
التصويت السوري شغل تعليقات الصحف، فلفتت الحياة إلى ان انتصار بوش... يكتمل بمفاجأة إلى سورية وقالت الشرق الأوسط ان «سورية فاجأت العالم». ووفقا لما نقلته الوطن (السعودية) عن دبلوماسي أميركي بارز، فإن سورية صوتت لصالح هذا القرار على رغم علاقاتها الوثيقة مع العراق لأنها أدركت «ان مصالحها الأساسية تقضي بذلك». ودعت الأهرام (المصرية) بغداد إلى تحكيم العقل معتبرة ان قبول القرار1441 سيجنب العراق ويلات حرب قد تفرض عليه فرضا. ولاحظت الوطن (السعودية) ان عددا من الدول الكبرى والعربية مهد الطريق أمام نزع الفتيل الأول من «حقل الألغام» واعتبرت ان المطلوب من بغداد تسهيل عمل المفتشين.
في السفير رأى مصطفى الحسيني للتصويت السوري إلى جانب القرار أهمية خاصة، إذ يبلّغ الحكم في العراق ان «الحكمة هي مناط الصواب. الحكمة وليس المقابلة بين الحق والباطل». والحكمة هي السبيل لاستخراج أفضل ما يمكن من براثن وضع سيئ، بل بالغ السوء.
في القدس العربي وصف عبد الباري عطوان التصويت السوري بأنه «الفاجعة الكبرى»، وذكّر بأننا كنا نعوّل كثيرا على سورية، ليس فقط في رفض مثل هذا القرار الاستفزازي الظالم، وإنما قيادتها معسكرا عربيا مدافعا عن العراق، والقتال في خندقه في مواجهة مثل هذا الاستكبار الاميركي الفظ.
عموما أجمع المحللون العرب على اعتبار القرار بمثابة إعلان حرب على العراق، وان فقراته صيغت إذ يستحيل على الحكومة العراقية تطبيقه أو التجاوب معه. ورأت السفير، ان الحرب استبعدت مؤقتا، لكن بديلها لا يبدو أقل سوءا: استباحة كاملة للعراق، الذي قررت أميركا إخضاعه لفترة من الاذلال التام، لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقات الدولية.
أما رئيس تحرير السفير طلال سلمان، فرأى انه إذا كان الأميركيون يعتبرون بوش قد حقق انتصارا دبلوماسيا باهرا بانتزاع هذا القرار الدولي المحكم النص، بتفاصيله المملة أو المهينة، فإن من حق العرب أن يقرروا ان سورية قد خاضت باسمهم وبالتعاون مع من تبقى من الدول الصديقة، معركة ناجحة بكل المقاييس. إلاّ ان سلمان استدرك قائلا:«ان هذا لا يعني ان مشروع الحرب الأميركية على العراق قد بات خلفنا».
من جانبه دعا صاحب النهار غسان تويني في رسالة مفتوحة صدام حسين إلى الاستقالة، لأن بقاءه في الحكم لا يجدي. كما انه لن يجدي قبوله بالشروط التي «فرضها» مجلس الأمن،. وأضاف ساخرا انه حسب المثل العامي: «زرزور كفل عصفورا» في إشارة إلى ما قيل عن كفالة سورية ـ عربية. وشدّد تويني على ان الاستقالة لا تعني استسلاما للغطرسة الأميركية، بل العكس هو الصحيح. وأضاف متوجها إلى صدام بالقول، عنادك في البقاء، حتى لو قبلت «الشروط»، هو تسليمنا، نحن وأنت والعراق والأنظمة العربية والشعوب كلها، إلى غطرسةٍ قد لا تكون حربا فورية ولكنها ولا ريب زلازل بالتقسيط.
ورأى منير شفيق في الحياة، ان إدارة بوش تريد اليوم نمطا جديدا من السيطرة على النفط يسمح لها باستخدامه كسلاح في صراعها الدولي مع الصين وروسيا وأوروبا واليابان، الأمر الذي يتطلب سيطرة عسكرية وسياسية من خلال أنظمة عملية على النفط والبداية الآن من العراق لنسف المعادلة النفطية التي استقرت خلال العقدين الماضيين... ما تريده أميركا من العراق أبعد كثيرا من حرب تستهدف إسقاط النظام أو السماح لأحد أن يقيم عراقا خارج المواصفات التي تقتضيها الاستراتيجية الأميركية. مما يجعل المواجهة بين الشعب العراقي والعرب والاكراد وإيران وغالبية دول العالم ضد الاحتلال الأميركي قادمة لا محالة وإن بظروف أسوأ إذا مُكن لأميركا أن تبدأ بتحقيق أهدافها
العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ