قال رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر ماورير ، في بيان له بشأن سورية أن عدم انتظام المساعدة المقدمة للسكان في سورية يُعرّضهم إلى مخاطر من بينها سوء التغذية.
وفيما يلي نص البيان:
خامس زيارة لي إلى سورية، وفي كل مرة آتي إليها أرى معاناة أكبر. ما يقرب من نصف سكان البلاد نازحون ومنهكون من جراء النزاع. الاحتياجات الإنسانية هائلة، وهذه الاحتياجات تشهد ارتفاعًا حادًا في الأجزاء المتضررة بسبب النزاع الدائر.
ويتجلى هذا بصورة خاصة في الأماكن التي يصعب الوصول إليها. إذ أن عدم انتظام المساعدة المقدمة يُعرّض هؤلاء السكان إلى مخاطر من بينها سوء التغذية، واستخدام المياه غير النظيفة، وعدم كفاية الرعاية الصحية.
وفوق هذا كله، فالواضح لي أنه حتى وإن انطفأت جذوة النزاع غدًا، فإن الحاجة إلى المساعدات الإنسانية ستكون ضخمة.
في أثناء زيارتي، التقيت مسؤوليين سوريين وتحدثنا عن هذه الاحتياجات الإنسانية. ولقد أكدت رغبتي في توسيع نطاق وصول اللجنة الدولية بشكل منتظم إلى المدنيين والمحتجزين، وأكدتُ الأهمية الكبرى لأن تُيسّر جميع أطراف النزاع عملنا على الأرض بصورة أفضل، بمنحنا إمكانية وصول أسرع ودون معوّقات.
في الميدان، اُعجبت بهذا القدر من التفاني الذي يبديه آلاف المتطوعين من الهلال الأحمر العربي السوري، الذين يعملون معنا، كتفًا بكتف، لمساعدة المحتاجين. ونحن على استعداد – ومعنا الهلال الأحمر العربي السوري – لتعزيز عملياتنا الإنسانية المحايدة، ومستعدون لزيادة المساعدات الحيوية التي نُقدمها. لكنّ الوصول إلى الناس أمر بالغ الأهمية بالتأكيد، فلا يمكننا مدّ يد العون إلى الناس إذا لم نتمكن من الوصول إليهم.
إن التقدم التدريجي الذي أحرزناه في مجال إيصال المساعدات عبر خطوط المواجهة يستحثني لبذل المزيد. ففي عام 2016، نفذنا عمليات عبر خطوط المواجهة فاقت تلك التي نفذناها في عام 2015 بثماني مرات، ومنذ بداية العام الجاري تمكنّا من إيصال مساعدات في 19 عملية من هذا النوع. ويُعزى الفضل في قدرتنا على فعل هذا إلى الحوار الصادق والمباشر الذي نجريه مع جميع أطراف النزاع.
غير أنه من الواضح أن أعمال الإغاثة القصيرة المدى وحدها لا تكفي. فعملية بناء القدرة على الصمود على المدى الطويل – التي يمكننا دعمها إلى جانب تقديم المساعدات – لا تقل أهمية. ونحن نعتزم التوسع في برامج تأمين سبل العيش استجابة لتوقعات أولئك الذين هم بحاجة في الوقت الحالي إلى حلول أكثر استدامة، مثل المنح النقدية أو المشاريع الصغيرة، لإعادة بناء حياتهم.
لقد حالفني الحظ في رحلتي هذه إذ استمعت مباشرة إلى أناس يحاولون التشبث بالحياة في ظل ظروف بالغة الصعوبة. في الطريق إلى "الزبداني"، صور الدمار جليّة ومروّعة. في "عين الفيجة"، قابلتُ بعض المدرسين الذين نزحوا هم أيضًا بسبب النزاع، وأفضوا إلىّ بما يخالج صدورهم من قلق حيال تأثر مستقبل العديد من الأطفال السوريين بتخلفهم عن التعليم لسنوات. ولم أستطع إخفاء تأثّري عندما أهدتني "منار" ذات الثلاثة عشر ربيعًا – وهي إحدى الفتيات السوريات اللاتي التقيتهنّ في مركز الدعم النفس-اجتماعي التابع للهلال الأحمر العربي السوري في مدينة "التل" – هدية صنعتها بيديها.
إن الأزمة السورية هي في المقام الأول أزمة حماية، ويجب أن نرى احترامًا لقواعد الحرب. جميعنا بحاجة إلى مواصلة تقديم يد العون إلى "منار" وغيرها لكي يتمكنوا من التعافي من الندوب النفسية التي يخلّفها هذا النزاع. سنواصل التحاور مع السلطات السورية لكي نلبي احتياجات العائلات التي ذهب أحباؤها في عداد المفقودين، ونساعد في تحسين معاملة المحتجزين وظروف احتجازهم، ونصل إلى المدنيين العالقين وسط القتال.
ومن الواضح أيضًا أن التوصل إلى حل سياسي هو أمر محوري لإنهاء هذه المعاناة. لكنّ وجود هذا الحل لا يعني أن نصرف انتباهنا عن احتياجات الناس الذين التقيتهم اليوم ويوم أمس. إذ يجب تقديم المساعدات بمعزل عن العملية السياسية، ويجب ألا تُعمي هذه العملية أنظار العالم عن إبصار معاناة الشعب السوري.