يكاد يكون جلّ اشتغال الشاعر والمفكّر العربي السوري أدونيس نحْتاً في الموروث وتعريفاً به، في الوقت الذي يُعيد طرح الأسئلة وإعادة صوغها، تلك المرتبطة بالراهن العربي خصوصاً، والراهن الإنساني عموماً.
ثمة مقاربات، لا مقاربة واحدة، يقدّمها أدونيس في كتابه «الصوفية والسوريالية» تتأتّى من الانفتاح والهضم والإضافة التي يقترحها في نظره إلى عديد الموضوعات، ومن بينها رؤيته للسوريالية، تفكيكاً واستجواباً واستظهاراً لعلامات تقارب بينها وبين الصوفية، يوردها في ثنايا الكتاب، على رغم تباين أيضاً حاصل بالتناول المباشر للمفهومين أو المصطلحين، أو الرؤيتين في المحصلة النهائية. وثمة اعتراض نشأ ليس مع بداية اشتغاله على البحث، بل هو قائم منذ امتداد الرؤيتين وشيوعهما في مساحة ليست بسيطة على خريطة العالم، لمس بعضه بشكل مباشر، فيما بعض كان تتبّعاً للدراسات والقراءات في هذا الشأن، وفوق هذا كله، هو من الأساس اعتراض ناشئ وقائم بالنظر إلى طبيعة تأسيس وقيام ونشوء كل منهما.
« الاعتراض الأساسي الذي يمكن أن ينشأ هو، أن الصوفية تديّن، وأنها تتجه نحو الخلاص الديني، بينما السوريالية حركة إلحادية، ولا تهدف إلى أي خلاص سماوي، فكيف يمكن الجمع بين متديّن وملحد»؟
ولا يحتاج أدونيس إلى أن يعترف بذلك الاعتراض، ظاهرياً على أقل تقدير، لأنه قائم وصحيح، وأورد ذلك في مقدّمة الكتاب: «مثل هذا الاعتراض صحيح، ظاهرياً: غير أنه لا يلغي عميقاً إمكان التقارب أو إمكان التلاقي في نقاط عديدة، على الطريق التي تسلكها، معرفياً، كل من الصوفية والسوريالية».
في هذا الاعتراض يورد ملمحاً من ذلك التقارب أو التلاقي، من حيث إن الإلحاد لا يتضمّن بالضرورة رفض الصوفية، والأمر نفسه ينطبق على الصوفية من حيث عدم ضرورة الإيمان بالدّين التقليدي، كما هو في جموده، ومباشرته وانغلاقه والمجافاة على مستوى التأويل وحبْسه. يحضر أندريه بريتون في هذه الإشكالية من حيث كونه قارئاً ومتناولاً للمسألة الدينية بقوله، إنه ليس لله - بالمعنى الديني التقليدي - أي حضور في التجربة السوريالية، ويورد ذلك في تناوله للمقدّس/ الدّين، فيما يراه، أن المقدّس الذي يؤمن به ليس دينياً، أو هو خارج الدين. إذاً ثمة مقدّس في المسألة، تبقى تسمية أو النظر إلى ذلك المقدّس من حيث هو المحور في التفاصيل، أو في جزئية منها، وأحياناً عدمها.
في تقصٍّ لنشوء الصوفية وأسباب قيامها، بالاتجاه الذي «أملاه عجز العقل»، عن الجواب عن كثير من الأسئلة العميقة عند الإنسان، ذلك من جهة، من جهة ثانية، أملاه أيضاً عجز العلم. مثل تلك المشكلات في السؤال والتساؤل، والنهم إلى الإجابات «تؤرّق الإنسان» وخصوصاً مع تعدّد تلك المشكلات وتعمّقها. في تلازم بين: «هذا الذي لم يُحَل (لا يُحّل)، والذي لم يُعرَف (لا يُعرف)، والذي لم يُقَل (لا يُقال)!
يستعرض أدونيس مقالة ل «غي رينيه دوميرو» يتناول فيها السوريالية، بتقريره أنها «تهتم عميقاً باللامعقول، لكن ليس إلى حد الإيحاء بإيمان ما، بإله أو ألوهة ما»، وصولاً إلى اللامعنى في التمييز بين الخيالي والواقعي.
بين أندريه بريتون، غي رينيه دوميرو، ميشال كاروج، وبيار كلوسوفسكي، يحضر ابن تيمية في فتواه: «لمّا كانت أحوال هؤلاء شيطانية (الصوفيون)، كانوا مناقضين للرسل صلوات الله تعالى عليهم، كما يوجد في كلام صاحب (الفتوحات المكية) و (الفصوص) وأشباه ذلك، يمدح الكفّار مثل قوم نوح وهود وفرعون وغيرهم، وينتقص الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى وهارون، ويذم شيوخ المسلمين المحمودين عند المسلمين، كالجنيد بن محمد وسهل بن عبدالله التستري، ويمدح المذمومين عند المسلمين كالحلّاج ونحوه، كما ذكره في تجلياته الخيالية الشيطانية».
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 5374 - الأربعاء 24 مايو 2017م الموافق 28 شعبان 1438هـ
معينك لا ينضب أبو محمد. بوركت