قاد الرئيس الإيراني حسن روحاني حملته الانتخابية الأخيرة بشعار اللون الإرجواني «البنفسج» وتحت يافطة «وصلنا لمنتصف الطريق ولا عودة ممكنة للوراء»، كما حمل أعضاء حملته لافتات تطالب بمزيد من الحريات والحقوق.
معروف أن اللون الإرجواني مرتبط بدلالات الحكمة والتوازن، والأمل والثقة العالية والرومانسية، وتحفيز الخيال والروحانيات الموصلة للأفكار الداخلية العميقة، فهو لون الغموض المشجع على التأمل والتفكير لمن يتوسمون الهدوء والإنجاز، وهو يساعد على الإبداع والإلهام والشعور بالفرادة «من التفرد» والاستقلالية، كما إنه لون العظمة الملوكي. ترى هل قصد روحاني بشعار حملته توصيل رسائل توحي بمضامين اللون، وبما يتبناه تيار الإصلاحيين من أمل وإصرار على الإصلاح والتغيير والانفتاح؟ ربما، بيد أن واقع المشهد السياسي ومعطياته يشيان بتحديات هي أبعد من رومانسية الرسائل الإرجوانية.
ديمقراطية انتقائية
جرت الانتخابات بدعوة «56.4 مليون ناخب» للإدلاء بأصواتهم، شارك منهم «41.2 مليون ناخب»، وقد شهدت إقبالا كثيفا غير متوقع، حقق عبره الإصلاحي روحاني ومن الجولة الأولى فوزاً كبيراً على خصمه، بحصد «23.5» مليون صوت بنسبة «57 في المئة»، مقابل «15.7» مليون صوت لمنافسه إبراهيم رئيسي الذي حقق «38.5 في المئة»، وهو المدعوم من المحافظين و»المرشد»؛ ما جعل لفوزه أهميةً واعتباراً داخلياً وخارجياً لجهة الملف النووي؛ ولكون إيران لاعبا أساسيا في تجاذبات المنطقة.
فكك المحللون العملية الانتخابية كل من موقعه ومصالحه، في ظل أوضاع سياسية داخلية وإقليمية مضطربة، ولخصتها أغلب الآراء بأنها صراع بين تيار المتشددين والإصلاحيين، كما ذكر آخرون بأن الاتجاهين وجهان لعملة واحدة، ونتائجها نوع من التكتيك السياسي والانحناء أمام العاصفة، فيما وجدها منتقدون للنظام الإيراني ومن يرون في تدخلاته السافرة تهديداً وجودياً لكياناتهم، بأنها ديمقراطية إشكالية متناقضة مع ذاتها، وانتقائية هشة على رغم ما توحي به صناديق الاقتراع ونسبة المشاركة البالغة «73 في المئة»، ومع ان بلدانهم بالمقابل تعاني من فقر دم شديد لوجود المؤسسات التشريعية وللممارسة الديمقراطية ولحرية الرأي والتعبير، التي تآكلت فامتلأت إثرها سجونهم بآلاف المعارضين السياسيين.
الرئيس لا يحكم
يضيف المنتقدون بأنها ديمقراطية عرجاء تُمارس في ظل نظام شمولي متشدد، الرئيس فيه لا يحكم والكلمة العليا للمرشد القائد والولي الفقيه، لاسيما ومجلس صيانة الدستور قد استبعد منذ البداية الغالبية الساحقة من المرشحين الذين بينهم «137 امرأة»، فهو ومنذ 4 عقود في تاريخ الجمهورية الإسلامية لم يسمح لأي امرأة بالترشح لمنصب الرئيس، فيما أجاز الترشح هذه المرة لستة ذكور فقط وفقاً للصلاحيات الممنوحة إليه بموجب الدستور، والمجلس غالباً لا يعلن عن المسببات والاعتبارات المانعة من قبول هذا المرشح أو رفض ذاك، إضافة لما يجدونه من مخاطر لتدخل إيران في شئون الدول المجاورة الذي صار مكلفاً حتى على النظام والشعب الإيراني من الناحية الإنسانية أو المالية.
وثمة ما يستحضره الخصوم المنتقدون من خلال التقارير، وما رشح من مناظرات مرشحي الرئاسة ومناقشاتهم القوية والعلنية التي كانت تبث على الهواء مباشرة، بما شهدته من انفلات وتبادل للاتهامات بالفساد والانتقادات الحادة التي قيل بأن الجماهير لم تشهد مثلها منذ ثورة 1979، وهذه المنابر بالمناسبة تفتقدها دولهم أيضاً، استحضروا تفاصيل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وحالة الركود التي كشفت عن حدة التباين في المستوى المعيشي بين شرائح المجتمع إلى جانب زيادة معدلات البطالة في ظل حصار اقتصادي وصل معه العاطلون إلى 5 ملايين وبنسبة «12.7 في المئة» الثلث منهم «27 في المئة» من الشباب، وترتفع إلى النصف بالنسبة للنساء، وأشاروا إلى نحو 11 مليون إيراني يعيشون في العشوائيات، فضلاً عن استشراء الفساد، كما تناولوا أبرز الاتهامات التي وجهها «إبراهيم رئيسي» المنافس المتشدد لحكومة روحاني السابقة، وتسببها في زيادة الفقر والغلاء حتى ارتفعت نسبته من «23 في المئة إلى 33 في المئة»، وتدني الإنتاج بإغلاق عشرات المصانع أبوابها، وبأن حكومته تعمل لمصلحة «الأوليغارشية الأكثر ثراء» والتي لا تمثل سوى 4 في المئة من السكان. وماذا أيضا؟
الرئاسة ولجنة الموت
أيضاً أشاروا إلى إعدام أكثر من 3 آلاف شخص، وتدهور الحريات التعبيرية التي أوصلت إيران إلى ترتيب 165 من بين 180 دولة، فضلاً عن تطرقهم لحقوق الأقليات العرقية والمذهبية التي وعلى رغم تحذير المرجعية المتكرر من تجنب مناقشتها إلا إنها برزت على السطح وكانت موضع نقاش ومساءلة، ومع كل ذلك اصطف ملايين الإيرانيين والإيرانيات في طوابير طويلة للإدلاء بأصواتهم، وللدرجة التي مددت فيها فترة الاقتراع 3 مرات ولمدة 5 ساعات في مؤشر على الإقبال الكبير، فيما اعتبرها بعض الخبراء مؤشرا على «تصويت اعتراضي» ضد سلطة «المرشد» و»الحرس الثوري» و»الدولة العميقة»، لكن والحق يقال قلما نشاهد هكذا طوابير في أغلب بلدان المنتقدين، ومنه لا مبالغة في قول رئيس مجلس الشورى الإسلامي بأن الشعب الإيراني يتمتع «بيقظة سياسية جيدة». والدلالة تميزه بين المرشحين ووقوفه حائلا دون وصول شخصية «رئيسي» المحافظة والمتشددة التي ارتبطت سيرتها بانتهاكات حقوق الإنسان، فقد كان واحدا من القضاة الأربعة في «لجنة الموت» التي قررت مصير الآلاف من المعتقلين المعارضين ممن أعدموا في 1988 عند انتهاء فترات محكومياتهم، فتلك الإعدامات وتبعاً للمؤرخين، من الحوادث الأكثر سرية في تاريخ ما بعد الثورة، كما دعّم حملات القمع ضد المتظاهرين المعترضين على نتائج انتخابات 2009 وكان أبرز أعضاء لجنة التحقيق، الأمر الذي يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، وعليه فذاكرة التاريخ لا ترحم، والموبقات لا تنسى بالتقادم، ولهذا فضل الإيرانيين اختيار من يمثلهم للحوار لا الحرب، وللانفتاح لا للتطرف والتشدد.
في المحصلة الآراء الناقدة لن تغير من واقع الديمقراطية الإيرانية وخصوصيتها، بقدر ما تحفز على أهمية التأمل في حقيقة افتقاد دول المنطقة للممارسة الديمقراطية ومؤسساتها والحجر على الحريات، فضلاً عن التأمل في مواقف بعض الأطراف الدولية تجاه نتائج الانتخابات، فها هي فيديريكا موغريني مفوضية الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي أول من يهنئ الرئيس روحاني بالفوز، وبالتفويض الذي حصل عليه من الشعب الإيراني الذي شارك بحماس في حياة بلاده السياسية بحسب تعبيرها، وتأكيدها على ضرورة استمرار التعاون بما يضمن حفظ الاتفاق النووي وتحقيق الاستقرار في المنطقة، أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فأكد استعداده لمواصلة العمل المشترك الفعال وبما يؤدي لصيانة الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط والعالم كله، فيما حث وزير الخارجية البريطاني على مواصلة الحوار والتقدم بشأن مختلف القضايا بما فيها سياسات إيران الإقليمية وحقوق الإنسان.
ومنه تبقى إيران في مواجهة تحديات جوهرية وخطيرة تدور بشأن سياسة ترامب الجديدة في المنطقة، والتي على ما يبدو مفتوحة للأسف على كل احتمالات استمرار حروب التقسيم والتفتيت على أسس طائفية ومذهبية واثنية للمنطقة، وتبديد ثروات المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 5373 - الثلثاء 23 مايو 2017م الموافق 27 شعبان 1438هـ
من نماذج الحكم الديموقراطي الاسلامي ذموذج اليونان او الاغريق. اليوم يوجد ثلاث نماذج افضل من الغرب وهي : الصين وروسيا وايران. فالراسه ليست منصب عام للعموم ولا شرف وانما لخدمة الناس. فالبعض مثل الغرب يعتبر الوصول لكرسي الرياسة مكسب. فهل الريس فوق القانون ولا يحاسب?
سافرة الصيف الماضي هم عايشين والقناعه والاعتماد على مقدرات بلادهم باديه عليهم رغم الغلاء والحصار وعندهم طبيعه التي زودتهم بنعمه في بعض الاشياء احسن منا عاجبني دكتور او مهندس يركب تاكسي اوباص