أمران هما الأهم في جائزة صنّاع الأمل في دورتها الأولى التي انطلقت ضمن مبادرات نائب رئيس دولة الإمارات، حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وأُعلنت نتائجها قبل أيام في دبي.
الأول من هذين الأمرين، هو أنها سلّطت الضوء على حجم الفرص الضائعة التي يتكبّدها وطننا العربي؛ بسبب سوء الأنظمة الحاكمة في كثير من الدول العربية وفساد إدارات شعوبها واقتصاداتها ومواردها، فأربعة من أصل الخمسة الفائزين نالوا تلك الجائزة الرفيعة (بقيمتها الإنسانية التي تتجاوز القيمة المالية العالية بدرجات)، كان فوزهم لأنهم قاموا بأعمال تطوعية في مناطق حروب ونزاعات، لإنقاذ الآلاف من الموت المحقق والأمراض المميتة والجوع، بالإضافة إلى انقاذهم من مخاطر التهجير والتشرد هرباً من أوضاع بلدانهم الموغلة في الدمار والموت.
كل هذه الأوضاع لم تؤُل لها أحوال الملايين من المتضررين بفعل كوارث طبيعية لا يد للإنسان في الحيلولة دون حدوثها، وإنما هي من صنع الإنسان وبكامل إرادته ووعيه يسير بشعبه وبلده في عكس اتجاه السير، ولا يتردد في قيادته إلى الهاوية ليحافظ على عرشه، وأن يتبرّع ببلاده ويؤجرها لتكون ساحة لصراعات كبرى فضّلت أطرافها إدارة حروبها عن بعد. وفي صفقة تأجير الأرض هذه، يزدهر الموت العبثي فيُستخدم سكًانها وقوداً لهذه الحروب، وتستباح الأرواح وتتوقف التنمية وتنهار الشعوب وتُتوسل الإعانات من المحسنين. وبينما تتقدم الشعوب تقدمها الطبيعي إلى الأمام، تدير هذه الدول رأسها عن المستقبل وتعود قافلة به إلى الوراء بكل ما يعنيه هذا الوراء من انهيار لاستثمارات السنين على جميع الأصعدة الإنسانية والاقتصادية والحضارية وغيرها.
عدا الفائزة عن أعمالها التطوعية في «حي الزبّالين» وإنقاذ سكّانه من الجوع والأوبئة، فإن الفائزين الأربعة الآخرين أنقذ أحدهم الآلاف من تحت ركام الدمار في سورية، آخر من الجوع وتفشي المرض وتحليق شبح الموت في اليمن، وثالث من أمواج البحر المترصدة لقوارب الموت التي وجدها الفارّون عليها، من العراق وسورية وشمال إفريقيا، أكثر أماناً من جحيم الحروب في أوطانهم، بينما أنقذ الفائز من العراق 150 طفلاً مشرداً من الضياع في شوارع بلدٍ كان عنواناً الحضارة يوماً ما.
الأمر الآخر، هو اسم الجائزة بمفردتي الصناعة والأمل في هذا الوقت الذي نحن فيه الأكثر حاجة للأمل، لنتقوّى به بعد أن بلغت الأمة العربية درجات مخيفة من اليأس والإحباط، وربط هذا الأمل بثقافة التطوّع الغائبة عن مجتمعاتنا بسبب سيطرة الجشع وتفشي الفساد والعبث بالموارد العامة، ما ولّد حالة من عدم الأمان سرت في طبقات المجتمع وأدت إلى تآكل قيمها وتفشي الأنانية فيها. وبدلاً من صناعة الأمل فهي تفسح المجال لصناعة الكراهية أن تنمو وتكبر لتفاقم الخسارة.
إن وجود 65 ألف شخص تقدموا للجائزة، فهذا يعني أنهم وجدوا في أنفسهم وفيما يفعلون ما يرقى لصناعة الأمل، ما يؤشر إلى أن هناك من فلَت من التيار المادي الجارف. هؤلاء المتطوعون في الأساس لا ينتظرون عائداً مادياً من وراء عملهم؛ لأن الرضا المعنوي يملأهم بطاقة المضي في عملهم الشاق دون كلل؛ بل إنه يعود عليهم بمقدار من السعادة لا يقدر ولا يقايض بمال، ودليل ذلك هو إعلانهم لتخصيص مبالغ الجائزة لمشاريعهم التطوعية وإعادة تدويرها لتخفيف المعاناة عن المزيد من البشر. لكن التقدير الذي جلبه فوزهم سيكون محفزاً لآخرين لاستكشاف الفرص والانخراط في العمل التطوعي. فأهم ما تفعله الجوائز بطقوسها البرّاقة، أنها تشحذ الطاقات من أجل الابتكار والابداع في مجالها، وتحفّز متنافسين جدد لنيل هذا التقدير.
مؤسسة مبادرات آل مكتوم أنفقت مبلغاً رمزياً وقدره 5 ملايين درهم لإنعاش صناعة الأمل، وتضاعفت قيمته بذهابه للمشاريع التطوعية التي يديرها الفائزون.
والأمل أن تثير القصص، التي حُكيت وسلطت عليها الأضواء من خلال هذه المبادرة، بعض الخجل في الأنظمة التي تتسبب في معاناة شعوبها وتحملهم دفع أثمان باهظة من الخراب الذي يحلّ في بلدانهم، وتنافس ما تخلّفه أضرار الكوارث الطبيعية، وبذلك تضيّع الطاقات والجهود والأموال في العمل على رفع المعاناة التي تتسبب فيها بدلا من أن تستخدم للاستثمار في الإرث البشري والحضاري العظيم الذي بناه السابقون، ووضعوه أمانة في أيدينا لنراكم عليه ما يليق بتاريخه ولنسلّمه أكثر قيمة إلى الأجيال القادمة.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5373 - الثلثاء 23 مايو 2017م الموافق 27 شعبان 1438هـ
مقال له بنيان ذو شقين. شق اقتصادي وشق مفعم بالمشاعر. مقالك سرد لنا ما حكته القصص ذاك اليوم كان دموعاً وتصفيقاً وأملا. التطوع شيء جميل ومقالك شمعة أضاءت كواليس الأحداث. شكراً لك صديقتي.
الأمل قتل في النفوس والميت لا يمكن احياؤه