مع حلول العام 2018، تكون تجربة المراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مملكة البحرين، قد أتمت عقدها الأول.
عمر زمني، شكل فرصة للوقوف، لإجراء جردة حساب، ومساءلة الحقوقيين: ما الجدوى وما الثمار وما الانعكاسات على ملف حقوق الإنسان؟
سؤال كان الأبرز في الندوة التي احتضنتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان يوم الثلثاء الماضي (16 مايو/ أيار2017)، بمشاركة الحقوقيين: عبدالنبي العكري، وسيدهادي الموسوي.
يقول العكري: «ما اقوله: لولا هذا الاستعراض وهذه المراجعة الدورية لكانت الانتهاكات اخطر، وما جرى من جهود عمل على كبح جماحها».
وأضاف «لن اتكلم عن آليات الامم المتحدة، فهذه الآليات لا تؤخذ لوحدها؛ لانها تخلق معلومات او أجواء معينة في الامم المتحدة، وباستثناء مجلس الامن الدولي بحسب الفصل السابع، ليس هناك آلية ملزمة، انما هناك ضغوط وعملية حث ومغريات وكوابح، وفي النهاية فإن مجلس حقوق الانسان مكون من دول، والدول كثيراً ما تبني سياساتها بناء على ما يجري في المجلس، لذا نرى مثلا ان ما جرى في ازمة 2011 بخصوص المفصولين، تمت حلحلته بعد أن حركت أميركا بندا من بنود اتفاقية التجارة الحرة مع البحرين، وأوكلت المهمة لاتحاد العمل الأميركي ليتباحث مع حكومة البحرين حول هذه القضية، ولولا جهود هذا الاتحاد وبعد ذلك منظمة العمل الدولية لما تمت حلحلة ملف المفصولين».
وعلى صعيد حقوق الانسان، قال العكري: «بالنسبة لدول مجلس التعاون، تجرى مفاوضات منذ 30 سنة وأكثر بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الاوروبي لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة، وأحد موانع ذلك هو ما يسمى وجوب احترام حقوق الانسان، ومن المقرر أن يشهد يونيو/ حزيران المقبل اجتماعا وزاريا بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون، وستثار هذه المسألة»، وعقب «بالتالي نحن نتحدث عن مسألة تؤثر في السياسات، إلى جانب القول إن صدور انتهاكات عن اي دولة من شأنها ان تؤثر على الاستثمار نفسه».
أما الموسوي فيقول، رداً على سؤال بشأن عدم امتلاك مجلس حقوق الإنسان «أنيابا» لتنفيذ توصياته: «الاستعراض الشامل ليس له أنياب، لكنه يفضح، ولو لم تكن المراقبة الدولية لقضايا حقوق الانسان، لرأينا الانتهاكات دون أن يرف لها جفن».
وأضاف «برنامج الاستعراض هذا قائم على مقولة: (NAME AND SHAME) أي بتعبيرنا (سمه وافضحه)، فحين تقول له إن لديك هذا الانتهاك على رؤوس الاشهاد، فإن آلية التعاطي التي تحصل في كل الاتفاقيات من خلال المراجعات مع الدول وأخذ التقارير، تصبح اكثر حرجاً، وهذه من الطرق المشجعة على تقليل أو الوقاية من ارتكاب الانتهاكات وايضا من الآليات المشجعة على احترام وتعزيز حقوق الانسان».
وتعقيباً على سؤال لـ«الوسط»، بشأن الحاجة لمراجعة، قال الموسوي: «10 سنوات في مجلس حقوق الإنسان هي عمر مازالت بعمر الحبو، لأن مجلس حقوق الانسان مؤسسة للعالم كله، وهي تجربة جاءت بعد اول اعلان عالمي حصل بعد مقتل ملايين من الناس في الحرب العالمية الثانية، فمنذ 1948 الى العام 2006 ظهر مجلس حقوق الانسان. المعاناة كبيرة لكن التجربة الانسانية بطيئة شيئاً ما؛ لان هناك صراعا بين الفاعل والمتأثر، بين الانظمة والشعوب».
وخلال الندوة استعرض العكري، بدايات آلية المراجعة الدورية الشاملة، فقال: «جاءت هذه الآلية الجديدة بتوصية من الجمعية العمومية للامم المتحدة، والتي أصدرت قرارها بتطوير ما يسمى بلجنة حقوق الإنسان، وبدءاً من 2008 كان هناك مجلس حقوق الإنسان، ومع بدء هذا المجلس أضيفت له مسألة جديدة وهي المراجعة الدورية الشاملة».
وأضاف «سابقا كانت قضايا حقوق الانسان تعالج منفصلة، وبعد تجربة طويلة ارتأى، دولياً، الابقاء على الآليات القديمة الى جانب وجود الآلية الجديدة، وبدأت في 2008 على ان تخضع جميع الدول لها، وطلب من كل الدول ان تتقدم لتظهر استعدادها، وكانت البحرين من ضمن أول 8 دول تقدمت للمراجعة الدورية الشاملة».
وتابع العكري توثيقه لتفاصيل المشوار «في 2008 كانت الاوضاع مختلفة، في ظل اجواء من الانفتاح وتعاط ايجابي مع حقوق الانسان، وفي ظل وجود الوزير السابق نزار البحارنة كوزير دولة مكلف بملف حقوق الإنسان، الشخصية ذات الخلفية الأكاديمية. كانت البداية معقولة ولا أقول ممتازة، والمهم في ذلك ان البحرين التزمت طوعية بـ 18 توصية، وفي الدورة الاولى التي بدأت في 2008 وجاء موعد المراجعة في 2012، كان على البحرين وخلال 4 سنوات أن تنفذ 18 توصية أو التزاما دوريا، وفي ظل تلك الظروف لم يتم الالتزام بها، من بينها رفع التحفظات عن السيداو، قانون العمالة المهاجرة وعائلاتهم»، واستدرك «ربما من المنجزات إنشاء المجلس الاعلى للمرأة».
وأردف «بخصوص التنفيذ، فإن البحرين طلبت من برنامج الامم المتحدة الانمائي مساعدتها في آلية متابعة تنفيذ الالتزامات الطوعية، بالاضافة الى الملاحظات المقدمة من قبل بعض الدول والمنظمات الحقوقية، وبالفعل رصد برنامج الامم المتحدة الانمائي مبلغ يتجاوز المليون دولار، وشكلت لجنة تسيير للمراجعة الدورية الشاملة، لكنها تحولت للجنة متابعة».
وتطرق العكري الى المزيد عن بدايات المراجعة الدورية الشاملة، فقال: «على امتداد تلك الفترة، كانت هناك 3 اتجاهات، اتجاه الحكومة بأن المسألة بحاجة لوقت ونحن نتقدم، فيما كانت هناك وجهة نظر ناقدة من المنظمات المدنية بأننا لا نتقدم، ومطلوب جملة أمور، وأن تكون مشاركة المجتمع المدني فعالة، وهناك (الكونغوز)».
وصولاً للعام 2011، تحدث العكري «كلنا نعرف ما جرى، والذي اطاح ليس فقط بما تحقق من قليل في فترة الانفراج، وانما كان بداية لانتهاكات صارخة لم تشهد لها البحرين مثيلا في تاريخها، وكلنا عشناها. ونقل التفويض لحقوق الانسان من وزارة الخارجية الى وزارة التنمية الاجتماعية وحقوق الانسان».
وفي نهاية 2011، كان ممثلون من المجتمع المدني يتلقون دعوة من وزارة التنمية الاجتماعية وحقوق الإنسان، لاجتماع بعد توقف سنة ونصف، وهو ما يوضحه العكري بالقول «حضرنا الاجتماع ليقال بأننا سنتقدم بتقرير في 2012 ونريد مساهمة المجتمع المدني، وبالفعل اخترنا مريم الرويعي لتمثيل الجمعيات المستقلة، ولكن فوجئنا بحديث الرويعي عن وجود نسخة جاهزة فتساءلنا عن سبب حضورنا اذاً، ولهذا لم نحضر، في مفارقة ستتكرر، مع الوزير اللاحق، صلاح علي».
وامتدح العكري آلية المراجعة، بقوله «هناك لجنة خاصة بالمفوضية السامية تستلم 3 انواع من التقارير، التقرير الرسمي بالبلد المعني، تقرير خبراء الامم المتحدة حول مدى تنفيذ أو عدم تنفيذ الدولة التزاماتها التعاقدية، أما التقرير الثالث فإن خبراء الامم المتحدة يجمعون جميع المنظمات الحقوقية». وأضاف «في 2012 قدمت تقارير من المنظمات الحقوقية البحرينية والدولية، وشكلت وثيقة مهمة، وهذه الدول كان أمامها 3 تقارير لذا جاءت 176 توصية صادمة، بل إن هناك من الدول ما تبنى توصيات بسيوني وتم التأكيد عليها وعلى ضرورة تنفيذها».
ولم يغفل العكري الإشارة لما واجهه الحقوقيون، مما أسماه «تحرشات وتشهيرا». يقول: «منذ العام 2008 بدأت التحرشات بالحقوقيين والمنظمات الحقوقية والتشهير بهم، وصدور «مانشيت» الخونة، وحين عرضنا ذلك على لورا دوبوي التي كانت ترأس حقوق الانسان، خاطبت الوزير صلاح علي وقالت (اريد منك تأكيداً بضمان سلامتهم حين عودتهم للوطن)».
وأضاف «أمام هذه الكم الكبير من التوصيات، طلبت البحرين وقتا، الى ان جاء وفد برئاسة وزير الخارجية، وقال قبلنا 158 ولدينا تحفظ على 13، وتم رفض بعض التوصيات؛ بسبب الشريعة الاسلامية أو لتعارضها مع السيادة. كانت الجلسة في حينه، علامة مهمة، اذ وجهت انتقادات جوهرية رغم الاشادات».
يصل العكري بتوثيقه الى العام 2012 ليتحدث عن حقبة الوزير السابق صلاح علي. في تلك الحقبة «لم تدع المنظمات الحقوقية لأي اجتماع مع الوزارة، فكانت قطيعة تامة، وصولاً إلى شكوى الوزارة من تهميشها، حتى قال الوزير: (ليس لدي الا كم موظف، ولم نشغل سوى 25 في المئة من مساحة الوزارة)».
وأضاف «بعد 4 سنوات، كان على البحرين أن تقدم التقرير في العام 2016، لكنها اعتذرت، لذا تم السماح لها وتأجل الموعد حتى مارس/ آذار2017، وما يلاحظ أن التوصيات التي قدمت في 2012 ليس فقط لم تنفذ، بل اضيفت لها انتهاكات جديدة، كأحكام الاعدام وتنفيذها، إسقاط الجنسية، عودة مزاعم التعذيب، التضييق على المجتمع المدني، منع الحقوقيين والسياسيين من السفر، والاحكام القاسية ضد الحقوقيين».
وتعليقاً على العرض الحكومي الأخير، قال: «سمي هذه المرة بالعرض التفاعلي، ومن الواضح ان المداخلات مكتوبة مسبقاً، ولا دخل لها بالسؤال الموجه، وللأسف فإن مشاركة مجلس النواب كانت خطأ جسيما، فالتنفيذ هو مسئولية السلطة التنفيذية، ورغم منع الحقوقيين من الحضور فقد طرحت قضايا جوهرية، وكانت ردة الفعل عبر مهاجمة المفوض السامي، أما هنا في البحرين فحدث ولا حرج، هجوم كاسح ضد الدول وضد المفوض السامي، والمطالبة بمعاقبة الحقوقيين».
وخاطب العكري في ختام حديثه مجلس حقوق الانسان، مقترحا على المفوضية السامية تكليف موظف برصد مدى التزام البحرين بتنفيذ التزاماتها لأوضاع حقوق الانسان، ليقدم هذا الرصد لجلسات حقوق الانسان، بما يضمن تحقيق المتابعة.
وفي مداخلته، تحدث الناشط الحقوقي سيدهادي الموسوي، «هناك سؤال جوهري: ماذا نستفيد من برنامج الدورية المراجعة الشاملة؟ هذا السؤال يسأله الضحية ويسأله ذووه ويسأله حتى بعض الحقوقيين، في واقع الامر فإن برنامج المراجعة الدورية الشاملة هو برنامج متكامل وشاركت فيه كل دول العالم في وضع محددات، حتى لا تكون احدى الدول معترضة او تشعر ببخس الحق في المشاركة في برنامج لم تضعه».
وأضاف «حاضنة المراجعة الشاملة هو مجلس حقوق الانسان ويتكون من 194 دولة، ينتخب 47 دولة لتمثل الفريق العامل لادارة المراجعة الدورية الشاملة، وفي كل سنة 48 دولة تُنَاقش موزعة على 3 مرات في العام، لتكتمل بعد 4 سنوات الـ 194 دولة»، وتابع «يبدو أن الدول بحاجة لتمديد فترة العمل فباتت من 4 الى 5 سنوات».
وأردف «هذه الآلية لها منهجية معينة، وتعتمد على أسس راعت العدالة في: اصحاب المصلحة، الحكومات، والمنظمات الحكومية التابعة للامم المتحدة، والمنظمات الدولية غير الحكومية، والمنظمات الاهلية الوطنية في كل بلد، والمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان، والمدافعين عن حقوق الانسان، والهيئات الاكاديمية، وهيئات البحث العلمي، جميعهم بإمكانهم المشاركة في هذا المجلس وهذه الجلسة».
وبين 2012 و2017، تطرق الموسوي لنتائج المراجعة الدورية الشاملة، فقال: «في 2012 كانت 63 دولة وفي 2017 اصبحت 83 دولة، قدمت 176 توصية كانت 14 منها عن تنفيذ توصيات بسيوني، 27 منها كان عن التعذيب، 26 منها كان عن حرية التعبير. في هذه الدورة لاحظت ان التوصيات ذهبت الى جوهر مهم بالنسبة الى المراقب سواء كان عضوا في مجلس حقوق الانسان أو من الدول المراقبة، فهناك من يقول ان التعذيب مستمر وهناك من يرى العكس، وجميعها دول محترمة ممثلة في مجلس حقوق الانسان».
وأضاف «من أكبر التوصيات تلك التي جاءت بإلغاء واقل من الالغاء، أو ايقاف اختياري لعقوبة الاعدام حتى يتحقق إلغاؤها قانوناً، إلى جانب التوصيات التي تدعو للانضمام أو المصادقة على البروتوكول الاول للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول الثاني الذي له علاقة بعقوبة الاعدام، كذلك فقد طلبت بعض الدول المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وهذا الأمر بحاجة لوقفة».
وتابع «لا تكون الدعوة الى هذا البروتوكول، وبصرف النظر عن اشياء اخرى؛ إلا لأن هناك نوعا من (لكي لا أقول يأس)، شعور بعدم الاطمئنان من الدول الداعية للتصديق على هذا البروتوكول، بأن ما يقال من ادعاءات الضحايا أو الناشطين في موضوع التعذيب وما تقوله الدولة بانه لا يوجد، لذا لا يمكن ان نخلص (هكذا يفكرون) الا من خلال المصادقة على البروتوكول الاختياري، ففي واقع الامر فإن البروتوكول الاول يعتبر المعاهدة الدولية الوحيدة من بين كل المعاهدات، ويصنف كمعاهدة تنفيذية؛ بمعنى أن اللجنة الفرعية لاتفاقية مناهضة التعذيب، والحكومة، ولجنة وطنية تعمل بآليات تقوم مقام اللجنة الفرعية في الداخل، ويحق لها ان تدخل كل مراكز الاحتجاز متى ما أرادت، ويسمى هذه البروتوكول بالبروتوكول الوقائي». وأردف «اتفاقية مناهضة التعذيب، اتفاقية فيها مراقبة ومحاسبة ومتابعة، أما البروتوكول فيعتبر وقائيا لكي لا يحصل شيء».
العدد 5372 - الإثنين 22 مايو 2017م الموافق 26 شعبان 1438هـ