العدد 92 - الجمعة 06 ديسمبر 2002م الموافق 01 شوال 1423هـ

ماذا يأمل المواطنون من برنامج الحكومة؟

توافر الإمكانات وتنفيذ المادة 88 من الدستور من شروط النجاح

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

طالعتنا الصحف يوم الأربعاء الماضي بخبر تشكيل لجنة تتولى إعداد مشروع برنامج الحكومة تم اقراره من مجلس الوزراء تمهيدا لعرضه على مجلسي الشورى والنواب في اجتماعهما المشترك الذي سينعقد لهذا الغرض.

ومع احترامنا وتقديرنا الكامل لهذه اللجنة ولأعضائها باعتبار انهم يمثلون مجموعة من الخبرات المتميزة المشهود لها بالكفاءة والاقتدار إلا ان تشكيل اللجنة ومهماتها يطرح سؤالين رئيسيين يتعلق أولهما بمدى توافر امكانات نجاحها في وضع مشروع برنامج الحكومة في السنوات الأربع المقبلة، ويتعلق ثانيهما بمدى توافر الامكانات اللازمة لتنفيذ المادة (88) من الدستور التي تنص على ان «تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى المجلس الوطني، وللمجلس ان يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج».

السؤال الأول

يبدو ان اللجنة المشكلة لوضع مشروع برنامج الحكومة للسنوات الأربع المقبلة لن تتمكن من تنفيذ هذا التكليف في الإطار العلمي المأمول، ذلك اننا لم نطالع في الصحف ان مجلس الوزراء أقر مجموعة الأفكار والمبادئ اللازمة لتحديد المسار الأمثل للتطوير الشامل الحضاري للمجتمع البحريني في المرحلة المقبلة، ومن ثم تتمكن اللجنة في ضوء ما ورد في هذا المسار من إعداد برنامج عمل يترجم الأهداف العامة المحددة في هذا المسار إلى أهداف جزئية مع تحديد المهمات الأساسية اللازمة لتحقيق كل هدف وترتيب أولوياتها، وتحديد الامكانات المادية والبشرية المطلوبة لها وأساليب تنفيذها والمراحل الزمنية اللازمة لتطبيقها. وليس هناك من شك ان قيام اللجنة المشار إليها بوضع مشروع برنامج الحكومة من دون توافر الإطار الاستراتيجي، أي اختيار المسار الذي يمثل أفضل الطرق وأكثرها ملاءمة لتحقيق التطوير الحضاري الشامل للمجتمع البحريني، سيجعل من مشروع البرنامج المكلفة بوضعه مجرد مجموعة من الاجتهادات التي تفتقد إلى الرؤية العلمية المتكاملة للواقع واتجاهات تطويره.

ولقد عبر صاحب العظمة الملك المفدى عن هذه المعاني (ص 171) في كتابه «الضوء الأول» الصادر في العام 1986 حين قال: «إن التطوير الحضاري الشامل للمجتمع يعتمد على التحريك الفعال لطاقاته بما يحقق أقصى وأمثل تفاعل بين الطاقات البشرية والمادية والموارد الطبيعية والقيم الدينية والروحية والثقافية. وأخيرا الطاقة التوجيهية للمجتمع المتمثلة في القيادات الواعية القادرة على شحذ جميع الطاقات وحشدها وتنظيم التفاعل فيما بينها».

ويضيف صاحب العظمة: «ان عملية تحريك وتفاعل وتكامل طاقات المجتمع تتم من خلال مجموعة الأطر الموجهة لمختلف الجهود والأنشطة، فالإطار القيمي والثقافي المتمثل في مقومات تماسك المجتمع وهويته وتقاليده وذاتيته وترابط ماضيه بحاضره يمثل نقطة الانطلاق نحو المستقبل، ويعبر الإطار السياسي المتمثل في المستوى الأعلى لاتخاذ القرارات وتحديد الأهداف والأولويات وتوزيع الموارد عن السياسة العامة للمجتمع، ويتم في الإطار الاستراتيجي اختيار المسار وتحديد النهج الذي يمثل أفضل الطرق وأكثرها ملائمة لتنفيذ القرارات السياسية انطلاقا من الواقع واتجاها إلى الغايات والأهداف، ويقوم الإطار التخطيطي المتمثل في الجهاز المنوط به هذه المسئولية بتحويل الغايات والأولويات التي حددها الإطار السياسي من خلال المسار الذي حدده الإطار الاستراتيجي إلى أهداف ومقاصد تخطيطية عامة وتتحول هذه بدورها إلى برامج ومشروعات قطاعية يرتبط انجازها بتوقيت زمني ويخصص لها ما تستلزمه من الموارد المالية والبشرية والتنظيمية، ويأتي بعد ذلك الإطار التنفيذي المسئول عن وضع الخطط التنفيذية بتفاصيلها الفنية في كل قطاع وتحديد ما يتطلبه التنفيذ من تنسيق وتتابع وتوفير الوسائل والمستلزمات، ويعتمد هذا الإطار على الأجهزة الإدارية والفنية والحكومية كما يعتمد على أجهزة القطاع الأهلي ومؤسساته وأخيرا يتولى إطار المتابعة والتقويم قياس وتقدير درجة الانجاز التي تقوم بها الأجهزة التنفيذية ومقابلتها بالأهداف والمقاصد التخطيطية المحددة لها كما وكيفا حتى يمكن تعديل طرق التنفيذ وأساليبه أثناء التنفيذ وحتى يمكن الاستفادة من النتائج النهائية والإجمالية في وضع الخطة العامة والقطاعية من المستقبل».

وبتطبيق هذه المبادئ على وضع مشروع برنامج الحكومة في السنوات الأربع المقبلة يتبين لنا - كما أوضح عظمة الملك - انه يتعين البدء أولا باختيار المسار وتحديد النهج الذي يمثل أفضل الطرق وأكثرها ملاءمة لتنفيذ الأهداف العامة للدولة في المرحلة المقبلة قبل البدء في وضع مشروع برنامج الحكومة المقرر عرضه على مجلس الوزراء ثم المجلس الوطني لإبداء ملاحظاته عليه، وبتعبير آخر إن علينا ان نضع موضع التنفيذ الإطار الاستراتيجي قبل إعداد الإطار التخطيطي المتمثل في البرامج والمشروعات القطاعية وبرامجها الزمنية ومتطلباتها المالية والبشرية والتنظيمية.

السؤال الثاني

يرتبط السؤال الثاني الذي نطرحه في هذا المقال بمدى توافر الإمكانات اللازمة لنجاح المجلس الوطني في مناقشة برنامج الحكومة وإبداء ملاحظاته عليه.

وفي تقديري ان وضع برنامج الحكومة في السنوات الأربع المقبلة من دون توافر الإطار الاستراتيجي لتحقيق التطوير الحضاري للمجتمع سيجعل مناقشات أعضاء المجلس الوطني بعيدة عن التصور المأمول على رغم ما يتمتع به جميع أعضاء المجلس من خبرات وقدرات متميزة.

وحتى لا يكون حديثنا نظريا فإن مناقشة مشكلة البطالة وهي من المشكلات التي أعطاها أعضاء مجلس النواب أولوية مهمة في اجتماعاتهم الحالية تتطلب ان يتوافر لدى أعضاء المجلس الوطني فكرة واضحة ومفصلة عن المسار الاستراتيجي المقرر اتباعه لتفعيل الاقتصاد الوطني ليكون قادرا على تحقيق معدلات متصاعدة من التنمية تضمن نموا في الطلب على القوى العاملة الوطنية يعادل كميا على الأقل نمو العرض السنوي من القوى العاملة، وما هي البدائل المختلفة لهذا المسار؟ ولماذا تم تفضيله على غيره من المسارات؟ ومن ناحية أخرى فإن فاعلية وحيوية ومناقشات أعضاء المجلس الوطني لمشكلة البطالة تتطلب ان تتوافر لديهم رؤية واضحة عن المسار الاستراتيجي المقرر اتباعه لتطوير نظم التعليم والتدريب لتكون قادرة على خلق المهارات الذهنية واليدوية بالحجم اللازم لمواجهة مجمل الطلب على القوى العاملة، ولتتمكن هذه النظم من مواكبة التغيرات التكنولوجية ومتطلباتها من المهارات، وما هي المسارات البديلة للمسار المختار وإيجابياته التي يتميز بها عن المسارات الأخرى التي قررت الحكومة عدم الأخذ بها؟.

وليس هناك من شك انه إذا اقتصر برنامج عمل الحكومة على القول إنها ستسعى إلى تشجيع الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية لإيجاد مزيد من فرص العمل بالإضافة إلى العمل على تطوير نظم التعليم والتدريب لتكون مخرجاتها متوافقة مع احتياجات سوق العمل فسيقودنا ذلك إلى مناقشات سطحية وملاحظات أو توصيات مكررة ومعادة منذ أيام مجلس الشورى الأول العام 1993 مع استمرار مشكلة البطالة في تصاعدها سنة بعد أخرى من دون التوصل إلى حلول جذرية لها.

ما العمل؟

في ضوء ما تقدم فإننا نقترح ان تقوم اللجنة المشكلة لوضع مشروع برنامج الحكومة بتحديد المسار الاستراتيجي لعملية التطوير الحضاري الشامل للمجتمع، ويلي ذلك تحديد برنامج عمل الحكومة المنبثق عن هذا التصور الاستراتيجي على ان يبتعد هذا البرنامج عن الصياغات الانشائية وان يتكون من مشروعات محددة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المجالات، وان يتضمن كل مشروع العناصر الآتية:

1- الأهداف التي يسعى هذا المشروع لتحقيقها والنابعة من السلبيات التي يعاني منها الواقع ومتطلبات تطويره واحتياجات المتغيرات الداخلية والخارجية المتوقعة.

2- المهمات الأساسية اللازمة لتحقيق كل هدف وترتيب أولوياتها وتحديد الاعتمادات المالية والطاقات البشرية والتنظيمية المطلوبة لكل مهمة.

3- وضع هذه المهمات في إطار جدول زمني يستمر لأربع سنوات أو أقل.

4- تحديد أساليب متابعة تنفيذ المشروع وتقييم نتائجه.

5- تحديد المهمات البديلة التي يمكن القيام بها إذا تغيرت الظروف أو لم تتوافر إمكانات التنفيذ وذلك لتحقيق المرونة اللازمة للمشروع.

وفي تقديري ان تنفيذ هذا الاقتراح سيوفر عوامل النجاح لبرنامج الحكومة وسيمكن أعضاء المجلس الوطني من مناقشته مناقشة إيجابية وبناءة تسهم في تطويره إلى الأفضل، وأخيرا وليس آخرا فسيحقق تنفيذ هذا الاقتراح الإمكانات اللازمة لقيام مجلس النواب بدوره الرقابي المتمثل في توجيه الاستجوابات إلى الوزراء وطرح الثقة بهم وإبداء الرغبات المكتوبة للحكومة وتشكيل لجان التحقيق في الأمور الداخلة في اختصاصات المجلس

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 92 - الجمعة 06 ديسمبر 2002م الموافق 01 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً