العدد 92 - الجمعة 06 ديسمبر 2002م الموافق 01 شوال 1423هـ

التجنيس العشوائي ونبض الشارع

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

مهما كانت تلك الذرائع السياسية التي نسوقها لتبرير التجنيس العشوائي تبقى تحمل ضعفها في احشائها. هذه الذرائعية غير مبررة لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا ، وهي لا تخلو من مغامرة بمستقبلنا السياسي والاقتصادي والثقافي وهي سابقة خطيرة لا ترتكز على أية دعم شعبي، بل هي محل تذمر وتململ وتساؤل وطني شعبوي عن مدى «عقلانية» مثل هذه الخطوة التسهيلية المسطحة في توزيع ومنح الجنسية التي تحمل في داخلها كل مكامن العزة الوطنية، والتراث والهوية البحرينية الأصيلة، والتاريخ النضالي الطويل. في هذه الجنسية ذكرى الإسلام، وذكرى التاريخ وتربع أجداد الغوص، وفلاحي الأرض الطيبة فكيف ينبغي منح هذه الجنسية؟

إن توزيع الجنسية البحرينية بلا قانون يحكم العملية سيكون له مردود سلبي كبير على واقع اليوم ومستقبل الغد، ولا يمكن ان تتحول هذه العملية إلى وجهة نظر بل أنا متيقن بأن هناك إجماعا وطنيا على عدم تقبل بل وتفهم مثل هذه الخطوة الخطيرة، والدليل على ذلك حالات الاستياء العامة في كل مكان وخصوصا المناطق التي هي محل ابتلاء (الرفاع الشرقي، الرفاع الغربي، البسيتين، مدينة حمد) فقد انهالت عليّ المكالمات الهاتفية بعد مقالي الثاني «التجنيس العشوائي يدق ناقوس الخطر» وكان أول اتصال في الساعة السابعة والنصف صباحا ولم يستقر الهاتف إلا الساعة 12,50 ليلا، إضافة إلى «الإيميلات» وغيرها... لهذا أنا أطالب الصحافة والإعلام والباحثين بإعداد استبانة أو استقراء محايد لمعرفة آراء الناس في هذا الموضوع الخطير وخصوصا المناطق الأكثر تضررا لإيصالها إلى المسئولين ومن يهمهم الأمر، لأن في اعتقادي ان (الطبقة العازلة) من بعض الوزراء وغيرهم يحرصون على عدم نقل صورة الواقع وما يعيشه الناس.

ردود الفعل كثيرة، سأطرح بعضها لأن البعض الآخر لا أريد ذكره وذكر القصص الأخلاقية حفاظا على مشاعر الناس، فإني أكتب عن لغمٍ آخذٍ في الكبر والاتساع وأتمنى علاجه بحكمة وتوازن.

1- أ. البوسطة قال: أنا مواطن بقيت سنينا انتقل من إيجار إلى إيجار، قادني الحظ لأن أستأجر شقة لي ولعيالي. بعد الاستئجار علمت ان المؤجر هو ذلك الباكستاني العادي الفقير. كان إنسانا عاديا وإذا به يتحول إلى بحريني ومستملك أيضا. أرأيت المفارقة: باكستانيا يؤجر شققا على بحرينيين؟ أصبح يملك ويؤجر ويبيع لأنه أصبح (بهرينيا) قال ذلك هذا المثقف وهو يبث آهاته.

2- م.ع.م يمتلك (مكتبة قرطاسية)... أخذ يتكلم في الهاتف وهو يبكي، وقال لي: أنا أموت في اليوم عشرين مرة لأني في كل يوم تأتيني هنا أشكال مختلفة من كل بلد فرحين بمنحهم الجواز الجديد، على رغم عدم أهليتهم له، وقلة السنين التي عاشوها في البحرين، فما بين بناء وحارس وبائع (چباتي) وسمبوسة... كلهم يأتوني القرطاسية لأصور لهم الجوازات عبر (فوتوكوبي) وأنا أصور الجوازات وأرى الأسماء (راجيف، اميتا، جوني،...) وكلهم أصبحوا بحرينيين... وهنا يبقى سؤال: هل نحن أمام مستقبل آخر، وأمام هذا الواقع؟ هل سنشهد تجنيسا لـ «الفري فيزا» والخدم وغيرهم؟ فلماذا لا نلحق الكرم بالكرم وخصوصا اننا انتهينا من جميع ملفاتنا الاقتصادية والسياسية (من بطالة وفقر و... فلم يبقَ إلا منح الجنسية البحرينية!).

إن هؤلاء المجنسين عشوائيا يمثلون خطرا علينا وعلى وطننا ومجتمعنا الخليجي ولقد تناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية تصريح رئيس دولة الإمارات العربية الشيخ زايد (حفظه الله) عن مدى خطورة العمالة الوافدة في دولة الإمارات.

فهذه المسألة أصبحت تمثل قلقا للجميع وتهدد هويتنا العربية والإسلامية والخليجية.

إذا كان هناك فائض من المال لماذا لا يصب في مشروعات لخدمة المواطن، إن عندنا أطباء، وحملة شهادات عليا بلا عمل. حسين العلوي (دكتوراه في الفلسفة السياسية) مضى عليه عامان ونصف العام بلا عمل، يسكن هو وزوجته وابنه في غرفة ضيقة. هل من المنطق ان يبقى بلا عمل جليس المنزل؟ أين هي جامعة البحرين وجامعة الخليج وهما تفيضان بالأجانب؟ مللنا ونحن نكتب عنه من دون جدوى، أين هي وزاراتنا (الكريمة)، لم تتجشم عناء حتى الاتصال ولو للاستفسار عن الرجل في حين يأتي الأمي من الخارج ليجد الوظيفة والمنزل وحتى السوق المخفضة في عمله!!!

- أصبحنا نتفرس في وجه كل أجنبي متسائلين: أهذا بحريني؟ هل حصل على الجنسية؟ هذا الهوس قد يتحول إلى ضغط نفسي كبير وقهر يومي قد يترجم إلى أمراض نفسية واحباطات.

- لذلك فنحن نتساءل: أين هم النواب أصحاب أجندة مناقشة (التجنيس العشوائي)؟ لماذا كل هذا الصمت؟ هل ستناقش برلمانيا وخصوصا بعد الاستعراض العضلاتي لها أثناء الحملات الانتخابية، أم سيكون مثلها مثل «لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما؟» للأسف بعض نوابنا الأعزاء مازالوا منشغلين على كرسي الرئاسة ومرت أسابيع ولم تحسم القضية. تهانينا والله يكون في العون!!!

- نحن لا نمانع من تجنيس من عاش أجدادهم في هذا البلد ومن يمثلون مكسبا أكاديميا ووطنيا لهذا الوطن، فهذه إضافات حضارية ومكتسبات علمية وخصوصا إذا روعي القانون فيها، أما أن نجنس أميين وجهلة فذلك لا يعكس صورة المواطن البحريني المتحضر، بعض هؤلاء بعد تسلم الجواز سافر إلى دولنا الخليجية للتسول وجمع المال أمام عتبات المساجد، يتصفح وجوههم الخليجيون مستائلين: هل هؤلاء بحرينيون؟ البحريني عرف على رغم تواضع معيشته بعزة النفس حتى بدأت صورة الخليجيين تتغير في نظرتهم إلى البحريني وخصوصا أن القضية هذه ليست واضحة للجميع. يذهب أمثال هؤلاء مع أبنائهم إلى التسول وجمع الصدقات في صورة مخجلة للجميع فضلا عن الأساليب التي يعتمدونها في هذا البلد من تسول أمام الإشارات الضوئية إلى طرق البيوت لجمع المال. فكل همهم جمع المال وإرساله إلى الوطن الأصلي والشاعر يقول «وحنينه أبدا لأول منزلِ»، وان ادعى الوطنية وحب هذه الأرض فتجربة الكويت وغدر بعض الجاليات والتسيب في فترة غزو العراق أثبتت ان من يحمي الأوطان هم المواطنون الأصليون لا المجنس «سنة أولى إقامة ومن ثم استيطان» فهؤلاء ينظرون إلى الوطن غنيمة رابحة وبقرة حلوبا، بل يرون فيه الدجاجة التي تبيض ذهبا؛ لهذا تجد بعض هذه العوائل منحت بيوتا جلست في واحد وأجّرت البيوت الأخرى. أعرف أربع عوائل عربية منحت بيوتا أربعة، جلست في بيت واحد وقسمته على نفسها وقامت بتأجير البيوت الثلاثة.

وتكمن خطورة هؤلاء انهم غدا سيطالبون باستحقاقات الجنسية، بل هم الآن يطالبون بذلك وسيكون على حسابنا وحساب مستقبل أبنائنا بل سيقفزون علينا. وانظر إليهم:

- فتح كراجات، فتح مقاهٍ شعبية، فتح مقاهي (الشيشة)، برادات... يزحفون ويتسربون كالنمل من عيوننا. وماذا سيبقى للمواطن؟ نحن لم نستطع مجاراتهم وهي بلا جنسية فكيف بعد ان حصلوا عليها وهم يدعمهم نفسيا كل هذا الدلال الرسمي والاحتضان الخدماتي... إنهم مع الأيام بدأوا يقنعون أنفسهم بأنهم هم المواطنون واننا المتطفلون عليهم وتجد ذلك في طريقة تعاملهم وطريقة حديثهم معك، وكأنك انت الأجنبي وهم المواطنون على رغم ان بعضهم لم يمضِ عليه سوى أشهر قليلة من المجيء، وإذا أردت كشف هذا الواقع اذهب إلى المناطق التي يتركزون فيها وستعرف ما يشيب له الرأس.

- تجاوزات أخلاقية.

- رعونة في التعامل.

- قيم غريبة على قيمنا البحرينية. وللأسف غدا ستجد من هؤلاء من سيرشح نفسه للبرلمان وقد يفوز - أيضا - وستجد منهم من سيقول: أنا حبي لهذه الأرض و... من كلمات سمعناها كثيرا من أمثالهم في الكويت عندما ترجموا الحب إلى غدر بالدولة وبالمجتمع الكويتي على رغم كل الحنان الرسمي والشعبي الذي قدم إليهم. أتمنى ان نستفيد من هذا الدرس.

- يقول أحد النواب الفائزين: إن من الشعارات التي دفعت إلى وصوله إلى مقعد البرلمان هو رفعه شعار محاربة التجنيس العشوائي، إذ أبدى المجتمع بشتى مشاربه تعاطفا في ذلك، وهذا مؤشر آخر على عدم تقبل المجتمع لهذا التجنيس العشوائي وانه أصبح هما جماعيا بدأ يقلق الجميع ويخيف الجميع.

أنا أطرح كل ذلك بما يمليه عليّ واجبي الديني والوطني، وخوفي على المستقبل ولأننا في عصر الشفافية أطرح رؤيتي للتاريخ ولست شوفينيا أو متعصبا قوميا وإنما أرى ان سيادة القانون هي فوق كل شيء وأؤمن بتجنيس العقول لا الكروش، تجنيس العلم وليس الجهل على ان تكون الأولوية الكبرى للمواطن في جميع الحالات، لأن «الأقربون أولى بالمعروف»

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 92 - الجمعة 06 ديسمبر 2002م الموافق 01 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً