بعد عملية تفجير الفندق الاسرائيلي في ممباسا بـكينيا، ومحاولة اسقاط طائرة اسرائيلية هناك، اتجهت الانظار إلى منطقة افريقيا باعتبارها مأوى آخر لتنظيم «القاعدة» منذ ان وجهت اسرائيل اصابع الاتهام المباشر اليه بهدف التوضيح للعالم عموما وللاميركيين خصوصا بانها ضحية التنظيم «الارهابي» نفسه الذي يستهدف الاميركيين والغرب. وتشارك الولايات المتحدة «اسرائيل» في اعتبارها المنطقة الافريقية قاعدة جديدة لمجموعات «اصولية» مرتبطة بتنظيم «القاعدة» وهي تشن اصلا ومنذ ما بعد 11 سبتمبر/أيلول عمليات مطاردة مستمرة لافراد محتملين لهذا التنظيم او مرتبطين به في مختلف انحاء افريقيا الصحراوية وشبه الصحراوية المسماة باسم الساحل الافريقي.
هذا ما جاء في مقال لمجلة «لوبوان» الفرنسية في عددها الاخير لشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نقلت فيه عن مسئول في وزارة الدفاع الاميركية قوله لاذاعة «صوت اميركا» ان دولا اربع من المنطقة الافريقية هي تشاد، نيجيريا، مالي، وموريتانيا تعتبر بشكل خاص دولا الوضع فيها خطير وهي معرضة لتغلغل الارهابيين فيها بسبب حدودها المشتركة مع الجزائر وليبيا أو السودان. كما نقلت المجلة عن «صوت اميركا» ايضا كشف مصدر موثوق وجود مجموعة غامضة مسلحة تعرف فقط بالاحرف الاولى لها وهي: م ب م، نسبة إلى رئيسها «مختار بل مختار» وهو جزائري يرتبط مباشرة، كما قال المصدر، بشبكة اسامة بن لادن وينتشر انصاره وتمتد عملياته من الصحراء بين الجنوب الجزائري إلى شمال مالي وجزء من موريتانيا. وان بل المختار المعروف بلقب «الاعور» بسبب ندبة في عينه سبق وقاتل في افغانستان وهو متهم بتهريب الاسلحة لصالح مجموعات من الاسلاميين وهو مستهدف منذ أكثر من سنة من الجيش الجزائري بسبب علاقاته مع مجموعة حسن حطاب السلفية الذي يعتبر من المقربين لابن لادن.
اما في مالي، احدى الدول الخمس الاكثر فقرا في العالم والتي يشكل المسلمون فيها نسبة 90 في المئة، فإن خطر العدوى الاصولية لا تشكل همّا أساسيا للسلطات فيها، كما تقول «لوبوان». إلا ان هذه السلطات لم تتردد، بعد شهرين من هجمات 11 سبتمبر، في القاء القبض على عشرات الخطباء الباكستانيين كان بعضهم يحمل اوراقا مزورة. لكن على رغم الحملة العسكرية التي شنها الجيش المالي ضد الاعضاء الارهابيين المفترضين لمجموعة بل مختار، فإن هذه الحملة لم تشمل أي اعتقالات ولم تؤد إلى تفكيك المجموعة بل كانت مجرد رسالة واضحة جدا لبل مختار تنذره بأن مطاردته ستستمر من الجانب الآخر من الحدود... أي الجزائر. لكن السلطات الجزائرية تخشى من ان المنطقة المغزولة على الحدود بين البلدين، المسماة منطقة الخليل، اصبحت، وفقا لقول مسئول جزائري «منطقة حرة» مفتوحة على مختلف اشكال واساليب تهريب السلاح والسيارات المسروقة والمهاجرين غير الشرعيين إلى اوروبا. وهذه المنطقة، كما يؤكد هذا المصدر لمجلة «لوبوان»، كانت الصحن لزعماء حركات التمرد في مالي وهي بالتالي تشكل ملجأ نموذجيا للارهابيين، بحيث ان مدينة كيدال اضحت عاصمة «جماعة الضوى» الاسلامية المتطرفة جدا. وان المنظمات غير الحكومية العاملة في حقل التنمية هجرتها بسبب الشعور بعد الامن.
كما الوضع بالنسبة إلى مالي، تقول «لوبوان»، فإن نيجيريا ايضا تحاول محاربة عدم الاستقرار الذي يسود على الحدود المشتركة بينهما الذي ادى إلى سقوط 13 قتيلا خلال الاشهر الاولى من العام الماضي اثر عمليات خطف لاشخاص من قبل زمر مسلحة تتنقل على الجمال. وتتهم نيجيريا «عناصر غريبة» بافتعال هذه الحوادث ومحاولة زعزعة الاستقرار في البلاد. كما تخشى السلطات النيجيرية ان تصبح المنطقة ملاذا وقاعدة خلفية لعناصر تنظيم «القاعدة» الفارين. وقررت وزارة الدفاع الاميركية مساعدة حكومات الدول المعنية لتعزيز اعمال المراقبة والتفتيش على حدودها والتعاون فيما بينها. وتؤكد مصادر مطلعة لمجلة «لوبوان» ان هناك محادثات مستمرة تجري في هذا الخصوص ولمعرفة امكان انشاء جهاز بشري ومادي مجهز مشابه للجهاز المنتشر في القرن الافريقي لينتشر في غرب افريقيا. لا سيما ان الجزائر، التي تشكل هدفا مستمرا لأعمال العنف والهجمات من قبل مجموعات اسلامية متطرفة ومنها مجموعة حسن حطاب، يجب ان تكون «العصب الرئيسي» في عملية المراقبة الاقليمية هذه خصوصا انه عثر بين امتعة محمد عطا، قائد الطائرة المخطوفة التي تحطمت فوق مبنى مركز التجارة العالمي، على وثيقة تؤكد نظرية وجود تواطؤ بين مجموعة حطاب وتنظيم «القاعدة».
وتختم «لوبوان» مؤكدة ضرورة وجود عملية مراقبة مستمرة طويلة الامد على حدود الدول الاربع المذكورة في الصحراء الافريقية التي يزداد الوضع فيها خطورة بسبب الظروف الطبيعية الصعبة التي تجتاحها من حالات جفاف وشح مياه وانعدام الرعاية الصحية وانتشار الامية وانعدام وجود المراكز الصحية والمدارس وآبار المياه. وتقول انه وعلى رغم تنبه الولايات المتحدة إلى هذا الوضع وارسالها بعض المساعدات وتوقيع الوكالة الاميركية للتنمية والمساعدة اربعة اتفاقات بهذا الشأن من مالي بمبلغ 380 ألف يورو... فإن «الفقر هو الذي يشكل المهد للارهاب»، كما يقول رئيس البنك الدولي. وهذا القول ينطبق اليوم تماما على افريقيا
العدد 92 - الجمعة 06 ديسمبر 2002م الموافق 01 شوال 1423هـ