العدد 91 - الخميس 05 ديسمبر 2002م الموافق 30 رمضان 1423هـ

الاقتصاد الإسرائيلي: فعاليات الانتفاضة وازدياد الهجرة المعاكسة

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

مع اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر/أيلول 2000، وثمة تحولات جذرية ضربت ركائز الاقتصاد الإسرائيلي على رغم مزراب الدولارات الذي يتواتر اندفاعه بقوة من جانب الولايات المتحدة، والمساعدات لم تتوقف من قبل اللوبي الصهيوني الموزع في غالبية الدول الغربية.

والاعتراف الإسرائيلي بالأزمة الاقتصادية ان كان يدل على شيء فهو أول ما يدل على أن المعوقات والمساعدات كانت هي الأساس في قيام الكيان الصهيوني في 19 مايو/آيار 1948، وانه في حال توقف هذه المساعدات فان كل شيء في البنى التحتية تعود إلى نقطة الصفر.

وربما هذا الامر بالذات هو ما دفع اخيرا بغالبية الرموز والقادة الصهاينة إلى التأكيد أن الاقتصاد الاسرئيلي يمر باسوأ انتكاسة في تاريخه.

وتداعيات انهيار الاقتصاد الإسرائيلي إذا كانت عبرت عن صورها المتعدد من خلال أجواء التوتر والقلق الواضحة لدى الإسرائيليين ورجال الأعمال والمستثمرين الذين بدأوا يبحثون عن مناطق أخرى في العالم لاستثمار أموالهم، فأن الأمر الأكثر خطورة والذي بات يهدد أركان غالبية ومعظم الأحزاب الإسرائيلية يتمثل في تصاعد وتائر الهجرة المعاكسة من نجانب قطعان المستوطنين الذين بدأوا ومنذ أكثر من عامين في هجر المستوطنات والعودة إلى البلدان التي وفدوا منها، مكتشفين في مثل هذا السلوك زيف وبطلان السياسة الإسرائيلية التي وعدتهم بالأمان في بلاد ليست لهم.

فبحسب التقارير الأخيرة الصادرة عن مركز الإحصاء الإسرائيلي، هناك ما يزيد على مليون إسرائيلي تركوا المدن الإسرائيلية وغادروها باتجاه بعض البلدان الغربية والولايات المتحدة، ولعل ما يفسر ازدياد الوحشية وعمليات القتل والتدمير في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية هو أن حكومة الجنرال ارييل شارون اكتشفت ان الكيان الصهيوني بات مهددا بوجوده من خلال هذه الهجرة المعاكسة التي ضربت أرقاما قياسية دفعت بالسفاح شارون وأركان حكومته إلى مطالبة الجاليات اليهودية في الخارج بتقديم المساعدات الاقتصادية والإعلامية والمعنوية.

ورئيس الحكومة الإسرائيلية لا يفعل ذلك إلا بهدف تقديم المزيد من الإغراءات التي من شأنها ترغيب هذه الأعداد الكبيرة من قطعان المستوطنين بالعودة مرة أخرى الى المدن والمستوطنات التي غادرتها.

والواضح ان الجنرال السفاح بات يكثف من مثل هذه الدعوات والإجراءات على أمل كسب الانتخابات البرلمانية للكنيست في يناير/كانون الثاني 2003.

وإذا كان المأزق الأمني الذي يحيط بغالبية الإسرائيليين أسهم الى حد كبير في دفعهم الى الهجرة إلى خارج فلسطين العربية المحتلة، فإن الأمر الذي يكاد يغيب بعض الشيء عن ساحة الفعل الإعلامي هو أن العامل الاقتصادي لا يقل شأنا عن العامل الأمني.

فمعدلات النمو التي دفعت بالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في العقدين الأخيرين الى التباهي والتذكير بتنامي المعدلات التنموية، فإن هذه الأخيرة باتت ربما الأقل في العالم، فبحسب تقرير اقتصادي صادر عن البنك المركزي الإسرائيلي، فإن انتفاضة الأقصى جعلت نسب النمو تصل في أواسط العام الجاري 2002 الى حدود 2، ثم واصلت تراجعها فوصلت إلى حدود نصف في المئة لغاية سبتمبر الماضي، ويتوقع ان يبلغ هذا المعدل صفر في المئة مع نهاية العالم الجاري.

وأما في حال العودة إلى إجمالي الخسائر فهي تتراوح ما بين 31 و41 مليار دولار خلال العام 2002، فيما ذكرت صحيفة «مصاريف» الإسرائيلية ان الأضرار التي ألحقتها الانتفاضة بالاقتصاد الاسرائيلي خلال عامين وصلت الى 85 مليارا بسبب تدهور مختلف القطاعات، وفي مقدمتها قطاع التكنولوجيا والسياحة والبناء والصناعة، وما أحدثه ذلك على أوضاع الموازنة والميزان التجاري، فضلا عن تدهور مستويات المعيشة التي وصلت الى أقل من نصف مثيلاتها التي كانت قائمة قبل اندلاع انتفاضة الأقصى.

وتراجع هذه المستويات هو بلاشك صورة عن تراجع الأداء في غالبية القطاعات، فقطاع النقل وحدة لحقت به خسائر تقدر بحدود نصف مليار دولار ونسبة النمو في قطاع التكنولوجيا الذي يعتبر من أهم القطاعات الدافعة للنمو انخفضت بنسبة من 12 % في العام 2000 الى 4 % في العام 2001، ويتوقع وصولها إلى 1 % خلال العام الجاري 2002. وهذا القطاع تشكل مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 83 % في العام 1996 وانخفضت الصادرات الاسرائيلية من الاكترونيات إلى 15 مليار دولار في العام 2000 مقابل 58 مليارا 1997، ووصل عدد الشركات المغلقة إلى 300 شركة، كما يتوقع انهيار حوالي 100 مصنع وإقالة 15 ألف عامل، ولم ينج قطاع البناء والعقارات من الخسائر التي لحقت به وبلغت 600 مليون دولار، فيما وصلت إلى أكثر من 120 مليون دولار في قطاع الزراعة.

وفيما يخص الاستثمارات الأجنبية شهدت تراجعا حادا بنسبة 60 % ، وعلى جانب آخر ساهمت انتفاضة الأقصى في هروب الأموال المحلية التي تم تحويلها من «إسرائيل» الى الخارج بقيمة 28 مليار دولار في العام 2001.

وفي تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، تضاعف عجز الموازنة العامة في «إسرائيل» من 18 مليار دولار في العام 2000 الى 38 مليار دولار في العام 2001، أي ما يعادل 33 % من إجمالي الناتج المحلي، وذلك بسبب النفقات الأمنية والعسكرية الضخمة التي تدفعها الحكومة الإسرائيلية من أصل الموازنة.

فضلا عن ذلك، شهد سعر صرف «الشيكل الإسرائيلي» تراجعا كبيرا مقابل العملات الأجنبية الأخرى، إذ بلغ حجم التراجع منذ بدء الانتفاضة في 28 سبتمبر 2000 وحتى أغسطس/ آب 2002 ما نسبته 39%.

إن ما أتينا على ذكره من أرقام فيما يخص الفواتير الاقتصادية الإسرائيلية التي تسببت بها انتفاضة الأقصى هو غيض من فيض، وكل التقديرات تشير إلى أنه مع تنامي الوحشية الإسرائيلية في ضوء انفراط عقد (العمل) و(الليكود) وتسلم شاؤول موفاز حقيبة الدفاع.

فإن الإرادة الفلسطينية ستواصل نضالها في مواجهة العدو الصهيوني. وهذا يعني أن الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية ستزداد تفاقما، وستدفع بالحكومة الإسرائيلية الى الاستمرار في الخطة التقشفية التي بدأت منذ مايو/آيار الماضي، واستمرارها يعني إثارة أزمة سياسية داخلية نظرا إلى ما تتضمنه من ضعف في الإنفاق العام الموجه الى المصروفات الخدمية والاجتماعية، بما فيها أنشطة الصحة والإسكان بواقع 13 مليارا وزيادة الضرائب لجمع (3) مليارات شيكل إضافية بهدف السيطرة على عجز الموازنة الذي تنامى معدله الى حدود فاقت تصورات القائمين على السياسة الاقتصادية وبرامجها داخل الكيان الصهيوني.

ولعل من أخطر دلالات الأزمة الاقتصادية الراهنة أنها أوضحت، وللمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، مدى الانكشاف الاستراتيجي للوضع الداخلي على ساحة العالم الخارجي، الى جانب تزايد أعداد قطعان المهاجرين الى خارج «إسرائيل» وانخفاض معدلات القادمين بنسبة وصلت الى 35 في العام 2001 ونسبة 45  % في العام 2002، وجميع المؤشرات تقول بكل وضوح ان الآتي أعظم.

العدد 91 - الخميس 05 ديسمبر 2002م الموافق 30 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً