العدد 91 - الخميس 05 ديسمبر 2002م الموافق 30 رمضان 1423هـ

إيران والحرب على العراق: «كل يوم هي في شأن»

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ليس دفاعا عن موقف ايران الخاص في شكل التعامل مع الملف العراقي، ولا عن سياستها الخارجية التي فيها ومن حولها الكثير مما يستأهل النقد والتعديل والتجريح، ولكن من باب شرح خصوصية الموقف الإيراني فيما يخص العدوان المتوقع على العراق اقول: الحاكمون الفعليون لإيران ومنذ أن قامت وانتصرت ثورتهم في العام 1979 الزموا انفسهم بثلاث مقولات اساسية كانت السبب في قيامهم ضد العهد البائد وهي: مقاومة الاستعمار المتمثل بالشيطان الاكبر الاميركي، ومقاومة الاستبداد المتمثل في حكم طاغية العهد الشاهنشاهي، ومقاومة فكرة التبعية لغير المصالح الوطنية العليا للشعب الايراني.

وجاء عنوان النظام السياسي الذي تبلور عقب انتصار الثورة ليمثل خلاصة مكثفة لتلك المقولات الثلاث وذلك في اسم البلاد الجديد اي: «الجمهورية الاسلامية الايرانية».

الآن وفي ظل ما يجري حول العراق وما بعد لهذه المنطقة من العالم من مخططات هيمنة استعمارية وكوارث وحروب فإن ايران التي نحن بصدد تقييم في موقفها تجاه الخطوة الأولى لما يجري الاعداد له تجد نفسها في الواقع امام مثلث اختبار جديد يتعلق بأحد جيرانها المقربين الذي تربطها به علاقات تاريخية متشابكة مثيرة لكل انواع الجدل كما لكل انواع التحفظات، وهو العراق، واضلاع هذا المثلث هي: مستقبل «النفوذ الاميركي» في المنطقة ومدى نفوذها ومستقبل «الديكتاتور والطاغية» الذي اسمه صدام حسين والذي تقول واشنطن انه الخطر الاكثر الحاحا ويجب ازالته اولا، والضلع الثالث وهو الاهم مستقبل الشعب العراقي كيانا ووطنا ومقدرات.

ولما كانت طهران شاهدة على جرحين لاتزال آثارهما لم تندمل بعد، الاول بسبب التدخل الاميركي المفتوح على ايران منذ اسقاط حكومة محمد مصدق الوطنية العام 1953 والذي لم تتم تسوية تداعياته حتى اللحظة التاريخية الراهنة، والثاني وهو بسبب الحرب المجنونة والعبثية التي فتحها النظام العراقي ضدها ودامت نحو ثماني سنوات ولم تتم تسوية تداعياتها حتى اليوم ايضا.

وجرح ثالث لا يقل أهمية وخطورة لمست طهران بعض تمظهراته على حدودها وفي داخل احشائها من خلال معاناة الملايين من الشعب العراقي من الحرب وما قبلها وما بعدها والمرشح ان تشهده ايران ومعها العالم كله مع اندلاع الحرب المرتقبة على العراق، فإن طهران والنظام الاسلامي بحكامه الراهنين تجد نفسها في احرج اوقاتها واشدها حيرة وتلكؤا، وذلك للاسباب الآتية:

أولا: انها لا تريد وان ارادت لا تستطيع ان تبرر اي مواكبة للهجوم الاميركي على العراق ذلك لأن الاميركي مخادع ومحتال فهو يريد العراق كله ولايريد رأس صدام حسين فقط ناهيك عن انه يريد مقدرات المنطقة كلها.

ثانيا: انها لا تريد وان ارادت فإنها لا تستطيع ان تبرر خوض أية مغامرة غير محسوبة لنظام أوغل عميقا في جروح الايرانيين ولم يبق صديقا واحدا في العالم قادرا على الدفاع عنه، ولا أحد يعرف في العالم كله متى يتراجع ومتى يتقدم ومتى يساوم ومتى يبيع أو يشتري ولحساب من؟

ثالثا: انها لا تريد وان ارادت فانها لا تستطيع ان تبرر لا لشعبها ولا لشعب العراق ولا للتاريخ وقوفها مكتوفة الايدي امام ما يقال بأن لحظة خلاص الشعب العراقي قد حانت أو تكاد سواء على يد معارضته أو الاجنبي أو الحاكم الفعلي. فهي تشعر أولا بالواجب الذي عليها تجاه هذا الشعب الشقيق مدنيا وبالدين الذي عليها تجاه هذا الشعب اخلاقيا وبالتكليف والمسئولية التي عليها تجاه هذا الشعب عرفيا.

وهنا بالذات يظهر اضطراب الموقف الايراني وتمايزه عن غيره من المواقف الاقليمية والدولية واختلافه تماما. فطهران لا تستطيع مثل سائر عواصم العالم ان تتحرر بسهولة مما الزمت به نفسها أولا وما جرى عليها أولها من جانب اضلاع مثلث الازمة العراقية اي اميركا وصدام والشعب العراقي.

لذلك كله تراها تقول مرة إنها ضد العدوان على العراق وهي تقصد بانها لا تريد الاذى لكيان العراق كيانا ووطنا وشعبا. وتقول مرة إنها تقف على الحياد وتقصد أنها على الحياد بين جورج بوش وصدام حسين. ومرة ثالثة تقول إنها تتخذ موقف الحياد الايجابي تجاه ملف العراق وتقصد به إنه اذا ما جُرح «الشيطان الاكبر» وبدأ ينزف فانها لا شك لن تألوا جهدا في رؤيته ينزف اكثر حتى يعجل في رحيله من المنطقة حتى لو جاء ذلك على يد خصومها. اما اذا ماجُرح وبدأ يتهاوى نظام صدام حسين فإنها لن تذوق الدموع عليه لكنها ستعمل كل جهدها لئلا ينعكس ذلك بالسوء على شعب العراق. واذا ما طال أمد المعارك وانتقلت تداعياتها الى خارج حدود العراق فانها سوف لن تقف مكتوفة الايدي تتفرج بل ستدخل على الخط مدافعة عن مصالحها العليا أولا ومصالح جيرانها شعوبا في المرحلة الأولى وانظمة في المرحلة الثانية وعن هذا أو ذاك من حلفائها أو أطراف المعادلة الاقليمية أو الدولية المتداخلين في الشأن العراقي ايجابا في المرحلة الثالثة. اي باختصار شديد: ستكون في حال اندلاع المعارك اشبه بموقف «كل يوم هي في شأن»!

هذا الافق غير المنظور لميدان النزاع على مستقبل العراق الذي ساهمت حكومة النظام العراقي في تدويله اولا وكرسته المعارضة العراقية العاجزة والمريضة بالاجمال ثانيا وتلقفته الادارة الاميركية بعد حوادث 11 سبتمبر/ ايلول ثالثا هو الذي جعل من طهران غير قادرة على اتخاذ موقف واضح وعلني ونهائي لصالح احد طرفي الاستقطاب الظاهري المبرز على شاشة المشهد الدولي اليوم خصوصا وانها تعتبر هذا الاستقطاب نوعا من الحيلة والخداع الذي يحاول الطرفان اي الادارة الاميركية ونظام بغداد فرضه على العالم من جهة كما ان المعارضة العراقية لم تتمكن من طرح نفسها طرفا ثالثا مستقبلا يمكن ان يحسب له العالم المحيط بالعراق حسابا يذكر. اذا اميركا غير راضية ونظام بغداد كذلك وايضا المعارضة العراقية التي تعيش مرحلة انعدام الوزن في الفعل ورد الفعل المؤثر، يبقي الشعب العراقي وهو الطرف الاكثر تضررا من كل ما يجري حول بلاده فإنه لا أحد يعرف موقفه الواضح تجاه الاطراف الاقليمية والدولية، إلا اللهم ان يظهر ما يثبت عكس ذلك في ساحة الوغى وعندها سيكون أيضا وايضا لكل حادث حديث والله اعلم بما تخفيه الايام

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 91 - الخميس 05 ديسمبر 2002م الموافق 30 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً