قال رئيس المنظمة العالمية للتنمية المستدامة علام أحمد، إن أهداف التنمية المستدامة الموضوعة من قبل الأمم المتحدة في الفترة من (2015 - 2030)، بحاجة إلى تجاوز جملة تحديات للانتقال لمرحلة الإنجاز.
وفي حوار مع «الوسط»، لدى تواجده في مملكة البحرين للمشاركة في المؤتمر الخامس عشر للتنمية المستدامة (يختتم اليوم الخميس)، فصّل أحمد تلك التحديات، لتشمل أهمية أن يكون الهدف المحدد نسبيّاً في كل بلد ليراعي خصوصيته، وضرورة إنشاء مكتب تابع لرئيس الوزراء في الدولة ذاتها، ليتابع كل البرامج ويقدم توصيات واستشارات بشأن كيفية تطبيق هذه الأهداف.
وعلى رغم امتداحه لثلاث دول خليجية هي الإمارات وقطر والبحرين، نظير ما قال عنه: «أهليّتها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقدرتها على تجاوز كافة دول العالم»، وعلى رغم قوله أيضاً إن البحرين مؤهلة، لفَتَ أحمد إلى عدم وجود أيّة تجربة خليجية في إنشاء المكتب المقترح، ليعتبر أن هذا الغياب يعني أن مجلس الوزراء سيكون تائهاً في الوصول للأهداف نفسها.
المنامة - منصور الجمري، محمد العلوي
قال رئيس المنظمة العالمية للتنمية المستدامة علام أحمد، إن أهداف التنمية المستدامة الموضوعة من قبل الأمم المتحدة في الفترة من (2015 - 2030)، بحاجة لتجاوز جملة تحديات للانتقال لمرحلة الإنجاز.
وفي حوار مع «الوسط»، لدى تواجده في مملكة البحرين للمشاركة في المؤتمر الخامس عشر للتنمية المستدامة (يختتم اليوم الخميس)، فصَّل أحمد تلك التحديات، لتشمل أهمية أن يكون الهدف المحدد نسبياً في كل بلد ليراعي خصوصيته، وضرورة إنشاء مكتب تابع لرئيس الوزراء في الدولة ذاتها، ليتابع كل البرامج ويقدم توصيات واستشارات بشأن كيفية تطبيق هذه الأهداف.
وعلى رغم امتداحه لثلاث دول خليجية هي الإمارات وقطر والبحرين، نظير ما قال عنه: «أهليتها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقدرتها على تجاوز كافة دول العالم»، وعلى رغم قوله أيضاً إن البحرين مؤهلة لفت أحمد إلى عدم وجود أية تجربة خليجية في إنشاء المكتب المقترح، ليعتبر أن هذا الغياب يعني أن مجلس الوزراء سيكون تائهاً في الوصول للأهداف نفسها.
وفيما يلي نص الحوار:
بداية، لنسأل عن كيفية جعل الآخرين سواءً على مستوى حكومات أو على مستوى ناشطين في مجالات اكاديمية أو اقتصادية، يستشعرون أهداف التنمية المستدامة بحيث تصبح ضمن برامجهم وضمن قياسات عملية يتمكنون من تلمسها؟
- حين أعلنت أهداف الألفية في العام 2000، كتبنا عنها الكثير وقلنا إنها لن تتحقق، وذلك بسبب عدة مشاكل، منها صعوبة المقاييس الموضوعة لجميع الدول ومثال على ذلك الهدف المخصص لمكافحة الفقر، بحيث يتم القضاء على 50 في المئة منه، فيما الواقع يتحدث عن ظروف مختلفة لكل دولة بل إن بعضها يشكو من نسب أقل من ذلك، وعليه ننتهي للقول إن الأهداف لا يجب أن تكون واحدة، وتحديد ذلك مرتبط بمعادلة مكونة من معرفة السرعة والمسافة والزمن الخاصة بكل دولة، وعبرها يمكن قياس ما إذا كانت دولة ما ستصل إلى الهدف المحدد أم لا.
هذه هي المشكلة الأولى، أما المشكلة الثانية فطرحت مع دعوتنا لئلا يقتصر تحديد اهداف التنمية المستدامة على تنظيرات الاكاديميين في البنك الدولي أو في الامم المتحدة، وعدم الاقتصار في التطبيق على نيويورك والمدن الأوروبية، والمطلوب اشراك هذا التحديد مع العالم العربي وبقية المناطق، على اعتبار ان ذلك بحاجة لنقاشات متواصلة مع العالم العربي والمنطقة الإفريقية والشرق الأوسط لمعرفة مشاكلهم، وبالتالي تصميم نموذج يتناسب مع خصوصياتهم وواقعهم، بدل النموذج العام الذي لم ينجح ولن ينجح.
فظروف دولة كالبحرين ليست كظروف السعودية ولا الإمارات، وهنا أستشهد بمثال حين تم اقتراح هدف بأن تكون السعودية ضمن أفضل 5 دول في مجال الحكومة الالكترونية على مستوى العالم، قلت لهم حينها إن هذا ممكن لكنني لن أخدعكم، فالسعودية لديها ملايين الموظفين في الاجهزة الحكومية جاهزيتهم لتقبل مفاهيم الحكومة الالكترونية ليست كما هي في الامارات الذين لديهم مئات الآلاف، وهذه التفاصيل تصنع فارقاً.
المسألة الثالثة، قلنا حين تطرح التوصيات من قبل الأمم المتحدة، يتم تحديد الدولة نفسها ليتم انشاء مكتب متخصص يتبع رئيس الوزراء فيها، ليترجم مؤشرات الأمم المتحدة والتوصيات ويطبقها في البلد نفسه. فمثلاً لو أخذنا البحرين كمثال، فإن الفكرة هي في إنشاء مكتب ليتم اخذ التوصيات وبحث كيفية تطبيقها، ولو تحدثنا عن الهدف الخاص بالبيئة أو المدن الذكية، فسنجد في البحرين انه على علاقة بعمل وزارة التربية والتعليم وقطاع الاتصالات.
ودور المكتب هو العمل ضمن كل هدف من الاهداف الـ 17 للتنمية المستدامة، لتتفرع لعدد من الاهداف التي يتابع تحقيقها المكتب المقترح، فمثلاً لو تحدثنا عن المدن الذكية بحيث ننشئ مدناً خالية من التلوث، علينا أن ننجز 20 عملاً، تتوزع على كل وزارة بحسب اختصاصها، ووفقاً لحسابات البنك الدولي فإن العمل على المناطق الجديدة بالنسبة للتمديدات في مرة واحدة بدل إعادة الحفر في كل مرة، من شأنه ان يوفر 90 في المئة من الكلفة الإجمالية.
لذا نرى أهمية أن يكون هناك مكتب متخصص في الدولة، وليس شرطاً أن يتحول لوزارة، إذ يكفي أن يدار من قبل 3 موظفين متخصصين ليؤدوا المهمة، ودورهم كتابة تقرير لمجلس الوزراء، لقياس مدى ارتباط برامج الحكومة بأهداف التنمية المستدامة المطروحة من قبل الأمم المتحدة.
ودور المكتب هذا، هو أن ينظر لبرامج الحكومة ومدى إمكانية تحقيق الأهداف الـ 17، فمثلاً وزير العمل في أي بلد، قد يتطلب هو معرفة كيفية تحقيق بلده لأهداف معينة، وقد يتطلب ذلك تغييرات تشمل قوانين العمل، وإصدار قرارات بناءً على ذلك.
الأمر ذاته بالنسبة للمدن الذكية الخالية من التلوث، وتشتمل على حدائق، ووفقاً لدراسات فإن المدن كما هو الحال في بريطانيا، تنشئ البنايات الشاهقة لكن بمعادلة مفادها (كلما تنشئ مباني كلما تزيد من المساحات الخضراء)، وذلك لتوفير حق الجمال للجميع، ولتعزيز الصحة حيث تشير الدراسات إلى تأثير ذلك على الجانب النفسي والإنتاج.
ولو تحدثنا عن البحرين مثلاً، فمن المهم الاشارة الى أنها تعتبر من الدول المتطورة جداً في الاتصالات، ولعلي هنا اشير لتجربة مباشرة حين كنا في بريطانيا تمكنا من إتمام جميع اتصالاتنا مع الجامعة الاهلية ومسئوليها بغرض إقامة المؤتمر عن طريق برنامج (واتس أب)، وهو ما لا يتوافر في الإمارات مثلاً، وفوائد ذلك تتجاوز الجانب الاقتصادي.
والبحرين متقدمة جداً في هذا المجال، حتى ان البنك الدولي اعتبرها في تقريره أنموذجاً على مستوى العالم، وهذا يعني ان البحرين حين تأتي لتطبيق التوصيات المرتبطة بجانب الاتصالات فإن ذلك لن يتطلب منها الكثير من الجهد، وبالتالي إتاحة الذهاب لهدف بمستوى أعلى في الهدف ذاته. ولضمان تطبيق الأهداف هذه، مطلوب أيضاً وجود تفهم على مستوى الحكومات لما يفرض ذلك من توفير للموازنات.
هذا المكتب، هل تتوافر تجربة خليجية بشأنه، وماذا يعني غيابه؟
- خليجياً وحتى عربياً لا يوجد حتى الآن، والغياب يعني أولاً أن مجلس الوزراء سيكون تائهاً في الوصول للأهداف نفسها، على رغم أنه كمجلس أو حكومة (وحتى مجلس النواب) سيقولون نعم هذه أهداف جيدة ونريد الوصول لها، لكن السؤال كيف يتم إنجاز ذلك. فالوزراء بالتحديد سيكونون على عدم معرفة بما يتوجب عليهم تغييره في القوانين والأنظمة، أو من إجراءات وأفكار.
هل هنالك اتجاه دولي للإقناع والمساعدة على إنشاء هذا المكتب، وخصوصاً في المنطقة الخليجية؟
- للأسف فإن الامم المتحدة تقدم التوصيات أما الآليات فدائماً هنالك إخفاق فيها. كذلك أشير هنا إلى أن هناك من لا يعي دور الأمم المتحدة.
وإجمالاً بالنسبة للبحرين، أجدد الحديث عن أهليتها لأن تتحول لنموذج في موضوع تحقيق وتطبيق أهداف التنمية المستدامة، والتطبيق فيها كبلد أسهل من غيرها للتطبيق، في ظل المساحة الجغرافية المحدودة وقلة عدد السكان وهذه الأمور مؤثرة.
لذا أنا أقول إن الدول الخليجية وخاصة الامارات وقطر والبحرين، من أكثر الدول التي تمتلك قابلية تحقيق هذه الأهداف، بل يمكن أن تتجاوز في ذلك دول العالم كافة، بما في ذلك مسألة معالجة التلوث التي تحتل أولوية في هذه المناطق.
لكن ما حصل أن دول الخليج باتت مضرب مثل للقول إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة لا يرتبط بالدول الغنية، بل إن الأموال تحولت لعائق أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة في بعض الحالات، على رغم أن تحقيقها لا يتطلب كلفة عالية، وهذا مثبت في تقارير البنك الدولي، وهو ما يعيدنا لموضوع المكتب القادر على رسم خارطة طريق لكل دولة.
وكمثال على الموضوع نشير لفنلندا التي تحتل مرتبة متقدمة عالمياً في الطب، هي ليست من أغنى الدول لكن لأنها تستعمل المعرفة، بات لديها أفضل نظام تعليم في العالم، أما عربياً فإن الجزائر أيضاً تسير بشكل جيد.
في هذه الحالة، هل ترى أهمية أن تكون هذه الأهداف الـ 17 جزءاً من المنهج التعليمي، وتدرس في المدارس؟
- مؤكد، وذلك لكي تتم توعيتهم بها، فمثلاً في بريطانيا هناك حرص على تعليم الطفل ما يختص بجزء من التطور وهذا موجود في مقرر المنهج التطويري للطفل، ليتم شرح كيفية التعامل مع الآخر، وفي عمر مبكر يتم تنظيم زيارات للأطفال هناك لرؤية المؤسسات الدينية لمختلف الاديان والعقائد، واعتبار ذلك جزءاً من تطوير عقل الطفل والقبول بالآخر.
وعليه، نرى بالتالي أهمية أن تقوم المؤسسات التعليمية والجامعات، وخصوصاً المدارس، بادخال أهداف التنمية المستدامة والمفاهيم المنبثقة منها في المناهج.
تطرقت لموضوع يتعلق بخفض التلفيات، والحفاظ على البيئة، لكن ذكرت أيضاً مسألة حق الإنسان في الجمال (المساحات الخضراء)، بمعنى أن الموضوع لم يعد فقط حماية البيئة وإنما حق الإنسان في رؤية الجمال، فهل هذا الحق متضمن في أهداف التنمية المستدامة؟
- بالتأكيد، وهي متضمنة في الأهداف الـ 17، من بينها الحق كإنسان يعيش على هذه الأرض، وأن يتمتع بالصحة، وهي تعني المسئولية الشخصية في عدم الإضرار بالبيئة.
إذاً الحق الصحي واضح، الحق التعليمي واضح، الحق البيئي واضح، لكن ماذا عن حق الجمال، وأنت ذكرت في بريطانيا مثال المعادلة بين البناء والمساحات الخضراء؟
- حق رؤية الجمال متضمن كما أسلفت، وهناك من عمل دراسة تشير إلى ان المباني الشاهقة تؤثر على نفسيات الأطفال، ولك أن تتخيل معنى أن يكون الطفل مكتئباً بدل أن يكون ضاحكاً، ثم تطور ذلك ليؤثر على صحته، وبالتالي فإن غياب هذا الحق أثر على الصحة، لذا هناك حديث في بريطانيا عن هندسة المعمار بمعنى الطريقة التي تبني من خلالها المباني بشرط وجود معادلة تضمن التوازن مع الاعتبارات الصحية.
في باريس مثلاً هناك منع لحجز المبنى الجميل، باعتباره حق الجميع، وهذا ينقلنا للحديث عن ظاهرة المجمعات المسيجة، فلدينا في البحرين وحتى على نطاق أوسع من البحرين، مجمع سكني أجمل من نيويورك ولكن لا يراه أحد، لا يراه حتى سائق السيارة في الخارج، بل إن الجار متوسط الحال لا يدري أن بجواره منطقة جميلة، فماذا عن هذه المجمعات المسيجة وما موقعها من الإعراب في ظل الحديث عن أهداف التنمية المستدامة؟
- من مختلف الدول العربية، ومنهم مسئولون وأثرياء ووزراء، يأتون لحظة زيارتهم للندن، لركوب الباص وهم مستمتعون جداً، وهذا بسبب الطريقة التي تم تصميم الطرق بها، وكذلك الأمر بالنسبة لزيارة الشانزليزيه في فرنسا والذي هو شارع فقط، لكن من أجل سعته والأمان في ظل عدم وجود سيارات تتوافر الجاذبية.
حين نزور القاهرة مثلاً، فليس بمقدورك النظر للمباني، لأن الثياب معلقة، والمكيف بارز بطريقة ما والأسلاك الكهربائية ممددة بشكل عشوائي، والمنظر العام وفقاً لذلك قبيح جداً، ثم تنتقل من مصر مثلاً إلى إسبانيا لتجد أن المبنى في غاية الجمال لدرجة أنك لا تريد إزاحة بصرك عنه، الطابوق نفس الطابوق، لكن الفارق كبير فهل هذه المسألة ثقافة أم قانون؟
- هي مزيج بين هذا وذاك، ففي بريطانيا مثلاً يوجد قانون لمنع نشر الثياب في الشرفة، وحين تملك العقار أو البيت يمنع عليك ذلك، ولو قدم عليك جارك شكوى بسبب ذلك فإن البلدية تملك من الصلاحيات ما يكفي لمعالجة الوضع وإنهاء المخالفة بفضل دعم القانون.
أما الثقافة فهي تأتي في إطار الحديث عن أهداف التنمية المستدامة بما يرتبط بدور وزارة التربية والتعليم التي عليها واجب، وكذلك وضع اشتراطات من قبل وزارة الأشغال مثلاً بشأن تصميم المباني.
كل هذا يعني أن مسألة أهداف التنمية المستدامة ليست مرتبطة بالحق في الجمال، بل تتعدى ذلك لمنع القبح، وبالتالي تعزيز مفهوم جودة الحياة؟
- نعم، وهناك قوانين لمنع التلوث بأشكاله ومنها السمعي، ضمن مفاهيم يجب على المجتمع المدني أن ينتبه لها ويعرفها وتشمل حق الإنسان في الابتعاد عن الضوضاء، وجميعها حقوق وأهداف لا يمكن التنازل عنها وهي جزء من التنمية المستدامة.
العدد 5367 - الأربعاء 17 مايو 2017م الموافق 21 شعبان 1438هـ