التطوع قيمة إنسانية عليا، صار لها ترسيخ في تشريعات كثير من الدول، وخصوصا فيما يتعلق بالسماح لإنشاء الجمعيات الأهلية ووضع تشريعات للمسئولية الاجتماعية للشركات، وقد شهدنا قبل أيام قليلة قيام وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بافتتاح مركز تحت اسم مركز تنمية العمل التطوعي، وهي بادرة طيبة في العمل الإنساني كان يمكن أن تكون ذات قيمة مضافة لولا وجود عدد من المؤشرات والتصرفات التي تسير في الاتجاه المضاد لجوهر فكرة المركز من الأساس (خلق فرص التطوع وتنميتها).
فلدينا في مملكة البحرين أكبر نسبة وعدد في الخليج العربي من المنظمات الأهلية (غير الحكومية وغير الربحية) التي حملت على عاتقها العمل التطوعي الإنساني، وهذه المنظمات ناشطة في مختلف المجالات والحقول منها الخيري والتنموي، الشبابي والمرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين والسكلر ومكافحة التدخين وغيرها، وقد تم إنشاء مركز حكومي لدعم المنظمات الأهلية ليقدم لها الدعم الفني وكذلك المنح المالية للمشاريع التنموية السنوية، ولا أعتقد أنه مع هذا العدد الهائل من مراكز التطوع -إذا صح التعبير- بحاجة إلى مركز تديره الجهات الرسمية ليتم من خلاله التحكم والتدخل في أدق تفاصيل العمل التطوعي، وسلب ما تبقى لتلك المنظمات الأهلية من استقلالية في الموارد المالية والبشرية.
لقد أنهكت التشريعات التي سنت في السنوات الأخيرة الجمعيات الأهلية نفسها وخصوصا قانون جمع المال، ومازالت الجمعيات الخيرية وغيرها تئن تحت وطأة هذا القانون الثقيل وتشعر أنه بات يهدد ليس قدرتها على تحقيق أهدافها فحسب؛ بل هو يجعلها تعاني من سكرات الموت البطيء ليقضي على شعلة التطوع في الأفراد والجماعات وذوي الكفاءات والعقول وأصحاب اليد البيضاء، فأي فرص للتطوع يمكن أن تستحدث والفرص المتاحة حاليا يتم خنقها تمهيدا للقضاء عليها.
لقد قضى هذا القانون المقيت على أي أمل للمنظمات الأهلية في الاستمرار للحصول على مصدر الحياة لها وهو المال، الذي يتبرع به الأفراد والشركات لتقوم هذه الجمعيات في الاستفادة منه في تمويل أنشطتها وبرامجها التطوعية، فالمتبرعون والمانحون باتوا يطالبون الجمعيات بترخيص جمع المال الذي أصبح حلما في جمهورية أفلاطون، والبنوك باتت تهدد الجمعيات بغلق حساباتها إن لم تقدم ما يثبت حصولها على ذلك الترخيص الذي باتوا يحلمون به، والقائمة تطول.
إن الوضع الحالي مع هذه المعاناة القاسية يسير في اتجاه تجفيف منابع التطوع، وليس في اتجاه خلق فرص للتطوع على الإطلاق، إن افتتاح مركز لتنمية التطوع في ظل هذا الحال المزري لوضع المنظمات التطوعية، يشبه كمن يريد أن يحاول أن يخفي قبحه بمساحيق التجميل، أو أن يتفاخر بعكس ما عليه حاله، كما البخيل الذي يحاول أن يتستر بالكرم، والعنيف الذي يحاول أن يتستر باللطف والدعابة وهكذا دواليك.
خلاصة الأمر نقول إن تنمية التطوع -ياوزارة العمل والتنمية الاجتماعية- لا يأتي من خلال فتح مراكز (بروباجاندا) ولا تشكيل لجان ولاهم يحزنون لتزيدوا من حجم البطالة المقنعة، فالتطوع شأن القطاع الأهلي وليس القطاع العام، وإن تنمية التطوع فعلا يأتي من خلال الكف عن التضييق على المتطوعين والجمعيات التطوعية الفاعلة، والابتعاد عنهم وتركهم يعملون في أمن وأمان، وباللبناني «حلوا عنا»، بدلا من هذا التنغيص المستمر الذي لم نشهد له مثيلا منذ أكثر من ربع قرن.
إقرأ أيضا لـ "حبيب أحمد الهملي"العدد 5366 - الثلثاء 16 مايو 2017م الموافق 20 شعبان 1438هـ
سلمت اناملك ... وأنا هنا اضيف مثال بسيط وهو انهم عندما طلبنا ترخيص لجمع المال كتبنا ان الغرض هو تحقيق اهداف الجمعية ... ولكن طلب منا"من طرف الوزارة" تبديله ب مساعدة الاسر الفقيرة ... ومع ذالك تم رفضه ... فعن اي تنميو يتحدثون
هناك أمور واضحة الفشر تضر الجمعيات الخيرية ...