تسعى شركات صناعة السيارات الفرنسية ومن بينها بيجو ستروين ورينو إلى تعويض غيابها في الولايات المتحدة بمميزات في إيران من خلال الاستثمار في سوق صاعدة لا تزال بعيدة عن متناول الشركات الأجنبية الأخرى المنافسة الخائفة من عقوبات في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفق تقرير لموقع قناة "CNBC عربية" اليوم الثلثاء (16 مايو/ أيار 2017).
وألقى الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي يسعى لإعادة انتخابه هذا الأسبوع، الضوء على الاستثمارات الفرنسية كدليل على أن سياسته المتعلقة بكبح البرنامج النووي واجتذاب أموال أجنبية ستعود بالفائدة على الاقتصاد.
وكثفت بيجو ستروين ورينو جهودهما في إيران منذ اتفاقها الذي وقعته مع قوى عالمية في 2015 لرفع العقوبات الدولية عن طهران في مقابل كبح أنشطتها النووية.
ووقعت بيجو ستروين اتفاقات إنتاج بقيمة 700 مليون يورو (حوالي 768 مليون دولار)، بينما أعلنت رينو عن استثمار في مصنع جديد لزيادة طاقتها الإنتاجية إلى 350 ألف سيارة سنويا.
وبخلاف شركات صناعة السيارات الألمانية والأمريكية واليابانية، لا توجد لشركات صناعة السيارات الفرنسية عمليات تصنيع أو أنشطة مبيعات في الولايات المتحدة.
وهذا ما يجعلها أقل عرضة لغرامات ناجمة عن أي انتهاك للعقوبات الأمريكية التي لا تزال سارية وتحظر المعاملات المالية مع إيران.
ودفعت التوقعات بموقف أمريكي أكثر تشددا تجاه إيران تحت قيادة ترامب، الذي ينتقد باستمرار الاتفاق النووي، شركات صناعة السيارات إلى توخي المزيد من الحذر حتى لا تتعرض لعقوبات أمريكية.
وقالت مصادر بصناعة السيارات إن فولكسفاغن وبي.إم.دبليو الألمانيتين من بين تلك الشركات التي جمدت خططا طموحة للاستفادة من السوق الإيرانية.
وقال مصدر قريب من فولكسفاغن "ندرك جيدا إمكانات السوق الإيرانية لكننا لا نستطيع تحمل أي مخاطر". وامتنعت الشركة عن التعقيب على مناقشات محددة للاستثمار.
وامتنعت بيجو ستروين ورينو عن الإدلاء بتفاصيل عن عملياتهما في إيران.
وفي وقت سابق من العام، أقر جان كريستوف كيمار رئيس عمليات بيجو ستروين في منطقة الشرق الأوسط بأن تجدد الضغوط الأمريكية في ظل إدارة ترامب يساعد شركته في التفوق على منافسيها الأجانب الذين يحجمون عن التقدم.
وقال كيمار "هذه فرصتنا لتسريع العمل... حققنا تقدما ونسعى للتمسك به".
وقد يحقق من يتحرك أولا لممارسة أنشطة في إيران مكاسب كبيرة في سوق محروم منذ سنوات من السيارات المزودة بأحدث التكنولوجيا التي يمكن تحمل تكلفتها وحيث تعطي سوم مرتفعة على الواردات ميزة كبيرة للسيارات المنتجة محليا.
وقفزت مبيعات السيارات الإيرانية 50% في الربع الأول من 2017 بحسب تقديرات آي.إتش.إس أوتوموتيف لخدمة البيانات حيث حققت طرز من بيجو ورينو وسايبا الإيرانية مكاسب قوية.
وقال مهدي مونفرد، الذي يعمل في مبيعات السيارات وبصفة خاصة سيارات خودرو المنتجة محليا، إنه شهد "انفجارا" في الطلب في الأشهر القليلة الماضية.
وأبلغ رويترز بالهاتف "أصبح الناس أقل حرصا في إنفاق أموالهم وهم ينفقون مدخراتهم على السيارات. والبنوك تقدم قروضا".
بيجو في الانتخابات الرئاسية
دفع الرئيس روحاني الاستثمار الفرنسي إلى المقدمة في موضوعات حملته الانتخابية حينما حضر مناسبة هذا الشهر لتدشين إنتاج السيارة بيجو 2008 في أول صفقة من نوعها مع شركة أجنبية لصناعة السيارات بعد رفع العقوبات.
وقال روحاني، الذي يواجه منافسا رئيسيا في الانتخابات من المتشددين يعارض فتح أسواق إيران، "حينما وقعنا الاتفاق النووي، قال المنتقدون إنه مجرد قصاصة من الورق لن تنفذ أبدا.
"لكننا الآن يمكننا أن نرى رفع العقوبات عن صناعة السيارات، واتفاقات لمشروعات مشتركة وسيارة جديدة يجري تصنيعها".
وتحركت بيجو ستروين ورينو بسرعة لتوقيع اتفاقات إنتاج جديدة لتحديث شراكتهما التي ترجع إلى ما قبل العقوبات مع إيران خودرو وسايبا. وتخطط بيجو لإضافة طرز جديدة من سيارات بيجو وستروين في الأشهر القادمة بينما أدخلت رينو سيارتها سانديرو إلى جانب السيارة توندار.
وعلى النقيض فإن فولكسفاغن، التي كانت تدرس إنتاجا مشتركا مع ماموت خودرو الإيرانية، أوقفت محادثاتها بسبب حالة عدم اليقين حسبما قال مصدر مقرب من المجموعة الألمانية.
وأضاف المصدر قائلا "تحتاج أي شركة تعمل في إيران أو تخطط لدخول السوق لأن تسأل نفسها ما الذي يمكن أن يحدث إذا حدث تغير رئيسي في المسار بفعل الولايات المتحدة".
وقال مصدر آخر مطلع إن بي.إم.دبليو درست أيضا فرصا للإنتاج والاستيراد والتوزيع في إيران لكنها خلصت إلى أن الوقت ليس ملائما.
وتابع قائلا "بمجرد أن نرى جنرال موتورز وفورد تمارسان نشاطا، فإن خططنا قد يجري إحياؤها، لكن ليس قبل أن يحدث ذلك".
وقال متحدث باسم بي.إم.دبليو إن دخول الشركة إلى إيران في المستقبل "سيعتمد على التطورات السياسية والاقتصادية" مضيفا أنه "لا توجد الآن خطط قوية".
وأعلنت دايملر عن تحديث خطط لإنتاج شاحنة ثقيلة إيرانية قبل فوز ترامب في انتخابات نوفمبر تشرين الثاني لكنها تقلل الآن من احتمالات حدوث ذلك. وقالت الشركة "النمو الاقتصادي ضعيف للغاية في إيران ولذا فإن الطلب على المركبات التجارية منخفض بشكل عام".
وانسحبت شركات صناعة السيارات الأمريكية قبل الثورة الإيرانية لعام 1979 مع انهيار العلاقات بين واشنطن وطهران.
ولم تلمح شركات صناعة السيارات اليابانية مثل تويوتا إلى أي خطط للاستثمار في إيران منذ توقيع الاتفاق النووي.
تعافي الإنتاج
تم رفع العقوبات المرتبطة بالأنشطة النووية بعد اتفاقية 2015 لكن واشنطن أبقت على حظر تفرضه من جانبها على إجراء معاملات مالية مع إيران وهو ما جعل من الصعب على الشركات التي تمارس نشاطا كبيرا في الولايات المتحدة إبرام صفقات مع طهران.
وأمرت إدارة ترامب أيضا بمراجعة لتخفيف العقوبات الذي منح لإيران بموجب الاتفاق النووي على الرغم من الإقرار بامتثال طهران.
لكن الضغوط الأمريكية لم تعرقل تعافيا مطردا لإنتاج السيارات في إيران من 796 ألف سيارة في 2013 إلى 1.23 مليون سيارة العام الماضي.
وتتوقع (آي.إتش.إس) أن يستمر الإنتاج في الارتفاع ليصل إلى 1.34 مليون سيارة هذا العام وإلى 1.49 مليون في 2018 ليقترب من ذروته في 2011 حينما سجل 1.65 مليون سيارة.
وقال مايكل جاكينتو المحلل المتخصص في الشؤون الإيرانية لدى آي.إتش.إس "السيارات المنتجة محليا هي الأفضل مبيعا من حيث هوامش الأرباح".
وتنتج هيونداي الكورية الجنوبية سيارتها أكسنت في إيران والتي ستتبعها السيارة آي 20 ميني بينما تنشط العلامات التجارية الصينية ومن بينها شيري للدفاع عن المكاسب التي حققتها في السنوات التي أبعدت فيها العقوبات الشركات الأوروبية المنافسة.
وقد تشكل القدرة على تحمل التكلفة مشكلة لبعض الطرز الجديدة. فمن المتوقع أن يبلغ سعر السيارة بيجو 2008 نحو 24 ألف دولار حينما تصل إلى معارض البيع وهو أعلى من ثلاثة أمثال المتوسط السنوي لدخل الأسرة في المدن الإيرانية.
لكن إلى يتم اختبار الوضع الحقيقي في السوق، فإن السيارات الجديدة تلقى ترحيبا متفائلا.
وقال كيمار من بيجو الأسبوع الماضي "إطلاق السيارة 2008 هو نتيجة لسياسة روحاني منذ توقيع الاتفاق النووي، ولذا فإنها رمزية".
وأضاف أن فترة العامين أو أكثر التي استغرقتها عملية الانتاج تعني أن السيارة 2008 هي أول نتيجة ملموسة للاتفاقية الدولية ولذا فإنها مثال جيد.