صعَّدت الحكومة الأميركية من خططها الهادفة إلى الإطاحة بنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين، فقد عين الرئيس الأميركي جورج بوش مستشاره لشئون الأمن القومي الخاص بالشرق الأوسط زلماي خليل زاده سفيرا فوق العادة لدى من أسماهم «العراقيين الأحرار». وقال بيان صدر عن البيت الأبيض يوم الاثنين الماضي «إن زاده سيكون نقطة الاتصال والتنسيق بين الحكومة الأميركية و«العراقيين الأحرار» وذلك في إطار الإعداد لعراق ما بعد الرئيس صدام حسين».
وأوضح البيان «أن زاده سيستمر في منصبه كموفد خاص للرئيس بوش في أفغانستان». إلا أنه سيتولى منصبه الجديد الذي أطلق عليه «المبعوث الخاص والسفير المتجول إلى العراقيين الأحرار» في ترقية تجعله مديرا بارزا بمجلس الأمن القومي الأميركي لشئون جنوب شرقي آسيا والشرق الأدنى وشمالي افريقيا. وأكد بيان البيت الأبيض أن «خليل زاده سيكون بمثابة الأداة الرئيسية لحكومة الولايات المتحدة للاتصالات والتنسيق بين العراقيين الأحرار والاستعدادات لعراق ما بعد صدام حسين».
وفي الوقت نفسه عين الرئيس بوش أحد كبار المتهمين السابقين في فضيحة الكونترا في الثمانينات، إيليوت أبرامز في منصب مدير الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وقالت مستشارة بوش للأمن القومي كونداليسا رايس ان مهمة أبرامز هي في المتابعة والإشراف على العلاقات العربية - الإسرائيلية والجهود الأميركية في عملية التسوية العربية - الإسرائيلية. ويذكر أن أبرامز من اليمين الصهيوني ومن أشد أنصار الكيان الصهيوني، وعمل مساعدا لوزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان. وقد وجد مذنبا في العام 1991 لتضليله العدالة بإخفائه معلومات عن الكونغرس فيما يخص قضية متمردي الكونترا في نيكاراغوا في العام 1986 وحصل على عفو رئاسي من الرئيس الأسبق جورج بوش الأب في العام 1992.
وكان الرئيس بوش توعد الاثنين الماضي بشن حرب على العراق إذا لم يتقيد صدام بمطالب الأمم المتحدة لنزع السلاح.
وقال بوش انه لم يتفاءل من رد فعل العراق حتى الآن على مطالب نزع التسلح الخاصة بالأمم المتحدة وطالب بغداد بتقديم قائمة «صادقة وكاملة» لأسلحتها بحلول الموعد النهائي المحدد لذلك وفقا لقرار مجلس الأمن 1441 وهو يوم الأحد، مشيرا إلى أن أي شيء أقل من ذلك لن يكون مقبولا.
وحذر نائب وزير الدفاع الأميركي بول ولفويتز، الذي بدأ زيارة لتركيا، العراق من انه سيواجه عملا عسكريا إذا اتبع لعبة «القط والفأر» مع مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة. وقال في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية «هدفنا هو نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية سلميا لو أمكن طواعية، والقوة إذا اقتضت الضرورة ذلك». وأضاف «اعتقد انه حتى نستنفد كل السبل السلمية لا يمكن القول ان استخدام القوة حتمي». وحذر ولفويتز من أنه إذا لم يمتثل الرئيس العراقي، تماما لقرار مجلس الأمن الأخير بالتخلص نهائيا من الأسلحة المحظورة «فإن ذلك يعني نهاية نظامه».
ويرافق ولفويتز في جولته وكيل وزارة الخارجية الأميركية مارك غروسمان . كما تترافق زيارته مع زيارة يقوم بها وزير الخارجية البريطاني جاك سترو، لإجراء محادثات حول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي والأزمة في العراق، وهو ما ستتناوله أيضا محادثات ولفويتز.
وأشار ولفويتز إلى أن الولايات المتحدة ستشاور حلفاءها حول الخطوة المقبلة إذا أخفق العراق في الالتزام بالموعد المحدد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول لتقديمه جردا نهائيا بما يملك من أسلحة محظورة. وقال إنه إذا ثبت بحلول تاريخ الموعد أن الرئيس العراقي «يكذب فإنه يتعين علينا الاتفاق على رد جماعي لأن المشكلة تهم الجميع».
دور تركي
يقول مراقبون ومحللون إن وزارة الدفاع الأميركية قد وضعت حتى الآن خطتين للإجراء العسكري إحداهما بمساهمة تركية مهمة والثانية من دون ذلك. وذكرت تقارير صحافية أن الولايات المتحدة طلبت من تركيا تقديم جنود والسماح بفتح قواعدها الجوية ومرافئها إذا اندلعت الحرب والسماح بنشر حوالي 100 ألف جندي أميركي على الحدود بين العراق وتركيا.
غير أن الحكومة التركية المنتخبة حديثا التي شكلها حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي متشككة شأنها شأن الحكومة السابقة بجدوى الحرب على العراق، وهي تسعى إلى الحصول على ضمانات أميركية لتقديم مساعدات مالية في حال تعرضها لمصاعب اقتصادية. كما ترغب أنقرة في الحصول على تعهد بعدم قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق.
وحث ولفويتز الاثنين الماضي، أثناء زيارة قصيرة للندن، حلفاء واشنطن الأوروبيين على قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وقال إن استثناء تركيا أمر لا يمكن تصوره، مضيفا أن لدى أوروبا الفرصة لمد يد المساعدة لبلد سيصبح نموذجا في العالم الإنساني. وأضاف ولفويتز ان نجاح تركيا في ذلك سيوضح لمليار مسلم أن هناك ما هو أفضل بكثير من سلوك سبيل التدمير واليأس.
وزعمت صحيفة «نيويورك تايمز» أن معظم حكومات الدول المجاورة للعراق تبدو أنها مستعدة لتأييد هجوم عسكري على العراق. وتضيف الصحيفة انه من أجل تجنب أي رد فعل غاضب من الجماهير العربية فإن زعماء الدول العربية يضعون شروطا على طبيعة أي عمل عسكري الذي يقولون إنه يجب أن ينظر له في اعتباره وسيلة لفرض مطالب الأمم المتحدة بتجريد العراق من أسلحته وليس كمحاولة أميركية منفردة لإعادة رسم خريطة المنطقة الجغرافية السياسية. كما انهم يتطلعون إلى أن تعيد الولايات المتحدة تقديم ضمانات بأنها مستعدة لتقديم التزام اقتصادي وعسكري لمنع تفكك العراق عرقيا ونشوب حرب أهلية عقب الإطاحة بالرئيس العراقي. كما يريدون أن تكون «الحملة العسكرية الأميركية» على العراق قصيرة وتقلل من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين.
من جهة أخرى اجتمعت مستشارة بوش للأمن القومي رايس في نيويورك مع رئيس لجنة الأمم المتحدة للتحقق والرصد والتفتيش في العراق هانز بليكس وناقشت معه الخطوات التي ستتخذ بعد أن يقدم العراق إعلانا بشأن أسلحته. وتناول الاجتماع الذي عقد في مقر البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيفية تقييم «البيان العراقي» المرتقب الخاص بأسلحة الدمار الشامل والفترة التي قد يستغرقها خبراء الأمم المتحدة لنزع السلاح في تحليله. وقال مسئول أميركي «انهما ناقشا تفاصيل العملية والخطوات المقبلة». وأعلن العراق أنه سيقدم التقرير المطلوب يوم السبت المقبل.
ومن المتوقع أن تقدم واشنطن إلى لجنة المراقبة والتحقق والتفتيش التي يرأسها بليكس معلومات مخابراتية عندما تفرغ حكومة بوش من تحليل «البيان العراقي». ولم يكشف الناطق باسم البيت الأبيض آري فليشر طبيعة المعلومات التي ستسلمها واشنطن لمفتشي الأسلحة لكنه قال «يكفي القول ان جميع الدول تريد العمل مع المفتشين، والمفتشون يريدون أن يكون بمقدورهم الحصول على أفضل المعلومات بما يساعدهم على القيام بوظائفهم».
وفي تطور آخر ذكر في نيويورك أن أعضاء مجلس الأمن ما زالوا منقسمين بشأن البرنامج الذي يحل موعد تجديده في منتصف ليلة الأربعاء مما يحتمل معه أن يمد العمل بالبرنامج لفترة قصيرة أخرى.
وقال مسئول أميركي «نحن نركز على قائمة بما يمكن إضافته في اقرب وقت ممكن وندرك أن الموعد النهائي هو (الاربعاء)». وذكر دبلوماسيون أن القائمة إذا كانت قصيرة فيمكن لأعضاء المجلس الموافقة عليها بسرعة.
وقال دبلوماسي في مجلس الأمن طلب عدم الإفصاح عن هويته «لو كانت قائمة الأولويات تضم 50 بندا تصر الولايات المتحدة عليها جميعا فلن يكون ممكنا التفاوض بهذا الشأن بحلول يوم الأربعاء ويحتمل أن يعقب ذلك تمديد لفترة قصيرة».
وذكر دبلوماسيون انه على رغم عطلة عيد الشكر الأميركي التي عطلت أي مفاوضات في نيويورك الأسبوع الماضي فإن مسئولين أميركيين واصلوا مساعيهم في عواصم الدول الأعضاء في مجلس الأمن، مؤكدين خلالها ضرورة إعادة النظر في القائمة للتأكد من عدم استيراد العراق أي أصناف من شأنها زيادة قدراته القتالية.
وقال معظم أعضاء المجلس انهم لا يعارضون إعادة النظر في القائمة خلال 90 يوما لكنهم أشاروا إلى احتمال أن تطلب فرنسا وروسيا أيضا إجراء تعديلات ربما تعارضها الولايات المتحدة.
لكن أعضاء المجلس بخلاف الولايات المتحدة لا يريدون تقليص فترة مد العمل بالبرنامج إلى ثلاثة شهور، ويقولون ان ذلك من شأنه زيادة الأمر صعوبة على العراق والولايات المتحدة في التفاوض بشأن مبيعات النفط وشراء الاحتياجات الإنسانية الرئيسية
العدد 90 - الأربعاء 04 ديسمبر 2002م الموافق 29 رمضان 1423هـ