امام حزب «العدالة والتنمية» الاسلامي سلسلة ملفات لها صلة بالامور الثلاثة: العدالة، التنمية، الهوية.
إلا أن تلك الملفات ليست ايديولوجية بقدر ما هي مسائل سياسية تمس شخصية تركيا ودورها الاقليمي في المستقبل. فالملفات ليست جديدة وانما هي موروثة عن عهود سابقة وبعضها يعود إلى اكثر من ثلاثة عقود. الجانب الاول من الملفات له علاقة بمسألة «العدالة»، ومفهوم العدالة ليس موضوع نقاش عن حقوق الانسان بقدر ما يمس بنية المجتمع التركي وحقوق الأقلية الكردية في بلاد الاناضول. إلى ذلك هناك مسألة الدين وحق التدين والالتزام بفروضه.
الجانب الثاني له صلة بالتنمية. وملف «التنمية» فيه الكثير من المطبات والمسالك والمعارج. فهو يخضع لمجموعة شروط دولية (القروض والمساعدات) ويبدأ في مدى التزام انقرة بالاصلاحات الاقتصادية التي اتفق عليها سابقا وينتهي في مدى قدرة الحكومة الجديدة على النجاح في اعادة توزيع الثروة الوطنية وجدولة الديون وحماية العملة الوطنية من انهيار جديد، واخيرا ترتيب الموازنة السنوية في نسب تلبي الحاجات الفعلية للمجتمع (التربية، الصحة، السكن وغيرها من تحديات اقلها هجرة الريف إلى المدينة).
الجانب الثالث له صلة بالهوية. وملف الهوية من أصعب القضايا الساخنة. فالملف اعمق بكثير من موضوع الحجاب والميراث والصلاة والصوم والزكاة والحج. فهذه الفرائض لا تستطيع اوروبا أو الولايات المتحدة كسرها أو فرض ما يعاكسها على حكومة عبدالله غول. مسألة الهوية تتجاوز موضوع الفرائض وتذهب بعيدا لتتناول قضايا موقع تركيا ودورها الاقليمي. فهذه المسائل هي الاهم بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي أو لمصالح الولايات المتحدة في منطقة استراتيجية وحساسة يطلق عليها «الشرق الاوسط».
وهنا تبرز سلسلة ملفات مترابطة لا يمكن فكها أو حلها من دون قراءة مشتركة لكل عناصر الموضوع. فهناك حلقة الحلف الاطلسي ومراهنة الولايات المتحدة على دور خاص لتركيا في احتمال اندلاع حرب اقليمية على العراق. وهناك حلقة قبرص ووجود الجيش التركي في شمال الجزيرة ومدى استعداد الحكومة الجديدة لفتح الملف والتنازل عن ذاك القطاع المسلم (التركي) مقابل قبول عضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي. وهناك حلقة «إسرائيل» والعلاقة المميزة التي تربط المجلس العسكري الحاكم في انقرة بحكومات تل ابيب وسياساتها العدوانية اضافة إلى صفقات التسليح والتجهيز التي وقعتها حكومات تركيا مع «اسرائيل».
لا يمكن فصل الحلقات الثلاث (الاطلسي، قبرص، واسرائيل) عن الملفات الثلاثة (العدالة، التنمية، والهوية). فنجاح حزب عبدالله غول في حل الملفات الثلاثة (القديمة والموروثة عن العهود العلمانية العسكرية) يرتبط إلى حد كبير في مدى نجاحه في الإبقاء على التزامات تركيا في الحلقات الثلاث. فتركيا في النهاية وبالنسبة للمصالح الاستراتيجية الكبرى هي تركيا، وليس مهما من يحكمها. فالشرط الدائم ان يلبي الحاكم مجموعة حاجات تصب في النهاية في مصالح ليست بالضرورة مريحة لدول الجوار العربية والمسلمة. هذا هو الشرط الثابت اما الشروط الاخرى فهي متحركة تتغير صعودا وهبوطا بحسب موازين القوى الداخلية ومدى استعداد النخبة الحاكمة على لعب دور في المحيط الاقليمي من دون اثارة المخاوف أو القلاقل الداخلية. وفي حال لبَّت النخبة تلك الشروط فإنه ليس مهما بالنسبة إلى الولايات المتحدة و«اسرائيل» من يحكم تركيا أو ما هو لونها الخارجي. فهذه من التفاصيل مادامت صفقات التسلح وصلت إلى مئات الملايين... وهي مستمرة.
من يحكم تركيا ليس مهما بالنسبة إلى الاستراتيجيات الكبرى وفي عصر بلغت فيه «العولمة» درجة متقدمة في التحكم بمصير الشعوب عن بعد. المهم هو الملفات الموضوعة على طاولة الحكومة التركية والاتجاه الذي يريد حزب «العدالة والتنمية» الاسلامي السير فيه لحل تلك القضايا الساخنة. وهي قضايا قديمة واقدم بكثير من حزب رجب طيب اردوغان وحكومة غول
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 90 - الأربعاء 04 ديسمبر 2002م الموافق 29 رمضان 1423هـ