في كل يوم من أيام رمضان الماضية، كنا نعايش المتغيرات اليومية في حياتنا السياسية سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي. وكل مؤسسة حكومية وجمعية سياسية وناشط اجتماعي وفعالية اقتصادية وغيرها كانوا جميعا يمرون بمتغيرات كثيرة، بعضها إلى الأفضل، وبعضها جمود على الماضي. كثير منا كان يطرح الأسئلة تلو الأسئلة وينتظر الإجابات من غيره، وقليل منا كان يحاول طرح الإجابات... منا من فضل البقاء خارج اللعبة السياسية مشاهدا أو مشاركا أو مقاطعا، وآخرون انشغلوا بظروف حياتهم اليومية المتزايدة في همومها وصعابها.
في خضم كل ذلك يحلُّ علينا العيد داعيا الجميع إلى التوقف قليلا ومراجعة النفس والاستمتاع بنعمة التوفيق لصيام الشهر وطاعة الخالق على رغم كل الضغوط الحياتية الروتينية. عيدنا هذا العام يدشن مرحلة جديدة لبلادنا، ساهم الأكثرية في تحقيق جوانب مضيئة ولاسيما ما تحقق من حرية التعبير وحرية التجمع والتنظيم السلمي، وإنهاء الاعتقال والملاحقة السياسية.
عيد الفطر السعيد والأعياد الأخرى جميعها محطات شرعها ديننا الحنيف لكي ننظر إلى الجانب الأكثر إيجابية من حياتنا. والعيد عيد عندما ننظر إلى الأمور نظرة متجددة تحاول استشفاف خلفيات الحوادث والبحث عن سبيل أفضل لتحقيق السعادة والعدالة.
الاحتفال بالعيد هو أيضا احتفال بقدرة الإنسان على النظر إلى الأمور مرة أخرى والبحث عن النور في وسط الظلام... ونحن البحرينيين تمكنا من تحقيق أمور كثيرة خلال العامين الماضيين، ومن حقنا جميعا أن نبارك لبعضنا بعضا الإنجازات المشتركة. وهذه ليست دعوة إلى الركون، بل إنها دعوة إلى إعادة النظر في كثير من شئوننا... فمهما كنا الآن؛ فنحن بلا شك أفضل من الماضي، وحتى لو لم نحصل على كل ما نتمنى من حقوق وحريات، فإن ما حصلنا عليه بداية حسنة على طريق الخير.
بعيدا عن بعض التشاؤم وبعض المنغصات التي تلازم الحياة بصورة اعتيادية، فإن البحرين كانت ومازالت تعيش أحلى أيامها لسنوات كثيرة. فهناك المئات وربما الآلاف، وأنا واحد منهم، ممن لم يحضروا عيد الفطر لعشرين سنة أو عشر سنوات مضت في البحرين.
كانت آخر مرة قضيت فيها رمضان في البحرين في العام 1982، أي قبل عشرين عاما، وكان الرعب هو المسيطر على النفوس، والمعتقلات ملأى بالشباب. والناس تخاف الخروج ليلا بعد الساعة التاسعة مساء، لأن الأحكام العرفية غير المعلنة حرمت الناس من طعم الحياة.
سنوات مضت على بحريننا والعيد ليس بعِيد، أما هذا العام (والعام الماضي أيضا) فالناس تتذوق طعم العيد في كل مكان.
يسألني أحدهم: لماذا ستُعيِّد في البحرين، أوليس الأفضل لو أنك كنت في لندن مثل كل عام؟ وجوابي أنني أُعيِّد مع أبناء بلدي وهذا أفضل شيء في حياة الإنسان، كما أنني أُعيِّد لأنني أستطيع مواصلة نشاطي السياسي من داخل البحرين، وأستطيع أن أدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الحريات العامة وحكم القانون والشفافية ومحاربة الفساد بكل أنواعه، وكل ذلك من داخل البحرين. وبالنسبة إليّ فإن كلمة تقال من داخل البلاد خير من ألف كلمة تقال خارجه، لأنها تتفاعل بصورة مباشرة مع الحدث اليومي وترى آثار تلك الكلمة من دون ملابسات، وبالتالي فإن مسئولية الكلمة تزداد، وإحساس المرء بواجباته يزداد، ولكن كل ذلك الازدياد في العبء يقابله ازدياد في السعادة النفسية والاجتماعية، والاحتفال بعيد الفطر السعيد أحد دلائل هذه السعادة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 90 - الأربعاء 04 ديسمبر 2002م الموافق 29 رمضان 1423هـ