«لا أخفي إعجابي بتمرُّده (ابن عربي) على الإطار الاجتماعي الذي كان مُهيّئاً له من أجل حلمٍ لم تكتمل ملامحه بعد. ابن عربي فعلاً كان يتبع قلبه؛ ولهذا خطر لي أن أبتكر هذه العبارة التي تكرَّرت في الرواية: طهّرْ قلبك ثم اتبعه».
كان ذلك جزءاً من حوار أجراه موقع جائزة البوكر للرواية العربية، مع الفائز بالجائزة في دورتها العاشرة، الروائي والكاتب السعودي محمد حسن علوان، قبل إعلان النتيجة النهائية بخمسة أيام.
تحاول هذه الإضاءة تتبُّع أصداء الفوز بالجائزة، مع تسليط أكثر من ضوء سريع على عدد من أعمال علوان، نستهل هذه الإضاءة بتقرير الكاتبة شان كين، في صحيفة «الغارديان»، يوم الثلثاء (25 أبريل/ نيسان 2017)، الذي بدأته بالفضاء الذي تشتغل عليه رواية الكاتب السعودي محمد حسن علوان، الذي فاز بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، في دورتها العاشرة عن روايته «موت صغير»، بالإشارة إلى الترميز التاريخي بتوظيف شخصية صوفية فلسفية أندلسية: محيي الدين بن عربي، في سيرة مُتخيَّلة تبدأ منذ ولادته في الأندلس في منتصف القرن السادس الهجري، وحتى وفاته في دمشق.
وقد تم اختيار «موت صغير» من قائمة مختصرة تضم ستاً من أصل 186 رواية تنتمي إلى 19 دولة. ويحصل الكتَّاب الآخرون - نجوى بن شتوان (ليبيا)، إسماعيل فهد إسماعيل (الكويت)، إلياس خوري (لبنان) ومحمد عبدالنبي (مصر) وسعد محمد رحيم (العراق) على 10،000 دولار.
تأخذنا الرواية في رحلات من الأندلس إلى أذربيجان، وتأمُّلاته في العنف الذي تشهده بلدان مثل: المغرب ومصر والحجاز، سورية، العراق، وتركيا. تُتيح مثل تلك التجربة لابن عربي أن يعيش تجربة صوفية ذات عمق متأصِّل، بموازاة روحه القلقة «ليؤدّي رسالته في ظل دول وأحداث متخيّلة، مارًا بمدن عديدة وأشخاص كثر وحروب لا تذر ومشاعر مضطربة».
ابن عربي والجدل المستمر
ابن عربي شخصية مثيرة للجدل في التاريخ، ونصَّبه بعض المؤرخين والباحثين، زعيماً روحياً شرعياً في التصوُّف، إلا أنه تمَّت إدانته من قبل بعض آخر باعتباره مُرتدَّاً.
وحصل علوان، الذي ولد في العاصمة السعودية (الرياض) ولكنه يعيش الآن في تورونتو، بكندا، على الجائزة في حفل أقيم في عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة (أبوظبي) ليلة الثلثاء (25 أبريل الماضي)، وهو مُؤلِّف لخمس روايات: «سقف الكفاية»، وصدرت في العام 2002، وتتناول قصة حب حميمة في الرياض، بين ناصر ومها، وما يترتَّب على تلك العلاقة من آثار مأسوية بعد نهاية هذا الحب، ومن ثم سفر ناصر إلى فانكوفر بكندا، ولقائه بالمهاجر العراقي ديار الذي يحاول تخليصه من التداعيات العاطفية التي نتجت عن تجربة الحب، كما أصدر علوان رواية «صوفيا» العام 2004، وتتناول قصة الأيام الأخيرة لفتاة لبنانية مريضة تعيش قصة حب مع شاب سعودي في بيروت، وتتطرَّق إلى العديد من الفلسفات الوجودية المتعلقة بالموت والحياة والحب، وله رواية «طوق الطهارة»، التي صدرت في العام 2007، وتتناول قصة شاب سعودي يعيش في متناقضات عاطفية، ويعيد اكتشاف رؤيته حول الحب، والجنس الآخر، في إطار صدماته النفسية التي يحملها منذ الطفولة، كما أصدر رواية «القندس» التي صدرت في العام 2011؛ حيث يخوض بطل الرواية غالب الوجزي خلال الرحلة من مدينة الرياض ومدينة بورتلند في الولايات المتحدة رحلة عكسية في تاريخ عائلته يمر خلالها بسيرة ثلاثة أجيال من تاريخ أسرته، والتي نشأ في ظلها نشأة مأزومة بين أبوين منفصلين، وإخوة لا يجمع بينهم شيء. مع الإشارة هنا إلى أن رواية «القندس»، فازت في نسختها الفرنسية العام 2015، بجائزة معهد العالم العربي في باريس كأفضل رواية عربية مترجمة للفرنسية. إضافة إلى رواية «موت صغير»، التي صدرت في العام 2016، إلى جانب كتاب «الرحيل... نظرياته والعوامل المؤثرة فيه»، في العام 2014.
علوان: أتهِم الحنين
وقال علوان في تعليقه على ردود فعل تلقِّي الرواية: «أحياناً يبدو مُستغرباً كتابة رواية عن ابن عربي بتلك الأبعاد الطاعنة في شرقيتها بينما أقيم في هذا الجزء البعيد البارد من العالم، في كندا. ولكن أفكّر أحيانا في ذلك فأتهم الحنين أولاً بشكل مباشر، ثم أجد أن التلامس مع المختلف الغريب هو الذى يدفعني باتجاه ذاتي وتراثي وثقافتي القديمة».
من جانبها، قالت الكاتبة والروائية سحر خليفة، نيابة عن لجنة التحكيم: «تنبش رواية (موت صغير) في حياة ابن عربي، وتستحضر مرحلة تاريخية بصراعاتها وحروبها واضطراباتها؛ وكيف في قلب هذا الخضمِّ تتشكّل وتتطوّر مسيرة حياة ابن عربي الإنسان».
وتُتيح الجائزة الدولية للرواية العربية، التي تدخل عامها العاشر، دفعة من المبيعات والاعتراف بالمؤلفين العرب من خلال توفير تمويل إضافي للترجمة الإنجليزية للفائز كل عام. وقد تمّت ترجمة ثلاث وثلاثين من روايات الجائزة والقائمة القصيرة إلى 24 لغة على مدى العقد الماضي.
يذكر، أن رواية «مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة»، للروائي الفلسطيني ربعي المدهون، فازت في دورة العام 2016، وستنشر باللغة الإنجليزية للمرة الأولى في خريف هذا العام.
وكان موقع جائزة البوكر للرواية العربية، أجرى حواراً مع علوان قبل إعلان النتيجة النهائية؛ حيث كان وقتها ضمن المرشحين في القائمة القصيرة. الحوار نشره الموقع بتاريخ 20 أبريل الماضي، نُبرز هنا أهم ما جاء فيه:
سُئل عما يعنيه له ترشيح روايته «موت صغير» في القائمة القصيرة، بعد ترشيح «القندس» في القائمة القصيرة للجائزة العام 2013، وفوزها بجائزة معهد العالم العربي بباريس لأفضل رواية عربية مترجمة إلى الفرنسية العام 2015؟ أجاب بالقول: «لمست بنفسي الآثار الجيدة للترشّح العام 2013، ولذلك كنت سعيداً بتكرار التجربة. قائمة البوكر القصيرة تمنح الرواية الظهورَ الذي تحتاجه لتلفت انتباه الناشرين والمُترجمين والقرّاء من أطياف متعدّدة وهذا مفيد جداً. بسبب الترشّح للقائمة القصيرة العام 2013 انتبهت دار النشر الفرنسية (سوي) للرواية وقرّرت اختيارها للترجمة ضمن خط نشر لا ينشرون من خلاله إلّا رواية عربية واحدة كل سنة. أتمنى لرواية (موت صغير) حظاً كهذا وأوفر».
الخلْط بين الإعجاب والأثر
وعن الكتب التي يقرأها الآن، والكتَّاب الذين أثّروا فيه كروائي، قال: «أقرأ كتباً عن تاريخ الشرق الأوسط القريب في محاولة لصناعة تصوّرات زمانية ومكانية كافية للشروع في كتابة رواية جديدة. أما أهم الكتّاب الذين أثّروا فيّ فإني غالباً ما أحاول تجنّب ذكر أسماء محدّدة لسبب بسيط: أني لا أعلم على وجه التحديد نوع التأثير وحجمه. كثيرون يخلطون بين الكتّاب الذين يُعجبون بهم والذين أثّروا فيهم فعلياً. رُبَّ إعجاب بلا تأثير وَرُبَّ تأثير بلا إعجاب. كاتبٌ مغمور قرأت له وأنا طفل قد يكون ترك في داخلي أثراً دائماً للكتابة حتى أنا لم أنتبه له».
وعن الدافع الرئيس وراء كتابة «موت صغير»؟ وعمَّا إذا كان يتعلق باهتمامه بالصوفية أم بشيء آخر؟ قال: «لم يكن الفكر الصوفيّ نفسه هو الدافع وراء كتابة الرواية بل شخصية محيي الدين ابن عربي النزَّاعة للرحيل بنوعيه: المعنوي والجغرافي. لقد رحل ابن عربي رحيلاً روحياً ليعيش حياة مختلفة عمّا كان يُراد له وهو حريٌّ بها. وكذلك رحل رحيلاً جغرافياً واسع المدى، على رغم عدم اضطراره لذلك مدفوعاً بقلقٍ وجوديّ عاصف. هذا الجانب من شخصيته أغراني بالكتابة عنه أكثر من تصوُّفه نفسه».
واستدعاء لكلام له في حوار سابق ذكَّر موقع الجائزة علوان، بما نصه: «قلت في حوار سابق: كاد البطل يكون الرحيل نفسه. ويقول ابن عربي في الرواية: لا بدّ من السفر كي نستجلب العِبَر. والمؤمن في سفر دائم. والوجود كله سفر في سفر». ماذا تعني/ يعني؟
موضحاً علوان «الرحيل في الرواية ليس مجرد حدث بل جزء من البنية الرئيسة للرواية. كل شيء يحدث في الرواية له ارتباط بهذه البنية بشكل أو بآخر. هذه نيّتي الفنية ككاتب وأنا أكتب. وهي نيّة تبلورت من استلهامي لشخصية ابن عربي وظروف حياته. فلننظر إليه وهو يقرّ بأن الوجود هو السفر والسكون عدم. ابن عربي كان يتماهى مع الوجود كما يتخيّله. وأنا تماهيت معه كما تخيلته».
ومن بين الأسئلة التي تناولها الحوار: كيف تختلف علاقتك مع بطل هذه الرواية عن علاقتك بأبطال أعمالك السابقة، وكيف شعرت عند الانتهاء من الكتابة؟ ما هي الصفة في ابن عربي التي أعجبتَ بها أكثر؟
أجاب بالقول: «هذه أول مرة يكون بطل روايتي شخصية حقيقية. هذا جعلني أكتب بحذر أكبر محاولاً أن أجعل من خيالي متمماً للمجهول من سيرته لا لاغياً أو مشوِّهاً لها. ولهذا اضطررت أن أقرأ عنه كل ما كَتَب وكُتِب عنه لأرسم في ذهني أدق صورة تاريخية عنه قبل أن أبدأ في تشكيلها سرداً. هذا جهدٌ ذهنيّ كبير جعلني أشعر بالفراغ عندما انتهت الرواية. فيم سأفكر بعد اليوم وقد تحوَّل ابن عربي من هاجس مصاحب إلى كتاب مطبوع؟
بالنسبة إلى الإعجاب يجب أن أوضح أني قرأت عن ابن عربي وكتبت عنه بعين نقدية تحاول أن تكشف عن ضعفه وقوَّته، شكِّه ويقينه، وجميع حالاته الإنسانية. لم أركّز على ما أعجبني فقط، ولم أصنع له هالة أسطورية في ذهني كما يفعل مريدوه لأني أظن أني سأفقد الكثير من صدقية الكتابة لو فعلت. ولكني على كل حال لا أخفي إعجابي بتمرُّده على الإطار الاجتماعي الذي كان مهيّئاً له من أجل حلمٍ لم تكتمل ملامحه بعد. ابن عربي فعلاً كان يتبع قلبه ولهذا خطر لي أن أبتكر هذه العبارة التي تكرَّرت في الرواية: طهّر قلبك ثم اتبعه».
ضوء
ولد محمد حسن علوان في العاصمة السعودية (الرياض) العام 1979 ويقيم في تورنتو بكندا. صدرت له أربع روايات قبل «موت صغير» هي: «سقف الكفاية» في العام 2002 و»صوفيا» في العام 2004 و»طوق الطهارة» في العام 2007 و»القندس» في العام 2011 التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية في العام 2013.
كتب مقالة أسبوعية لمدة ست سنوات في صحيفتيّ «الوطن» و»الشرق» السعوديتين. كما نشرت له صحيفتا «نيويورك تايمز» الأميركية و»الغارديان» البريطانية مقالات وقصصاً قصيرة. تمّ اختياره العام 2010 ضمن أفضل 39 كاتباً عربياً تحت سن الأربعين، وأدرج اسمه في أنطولوجيا «بيروت 39».
حاصل على شهادة الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة كارلتون في كندا. الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بورتلند في الولايات المتحدة الأميركية. بكالوريوس نظم المعلومات من جامعة الملك سعود بالرياض.
إضاءة أخرى
يذكر أن أول ظهور للرواية في المملكة العربية السعودية يعود إلى العام 1930، مع صدور أول عمل روائي لعبدالقدوس الأنصاري، وحمل عنوان «التوأمان» ليتبعه أحمد السباعي بروايته «فكرة»، وصدرت في العام 1947، ومحمد علي مغربي بروايته «البعث» في العام 1948. و»هذه الأعمال جميعها لا تتعدّى كونها قصصاً طويلة، وبعضها حكايات يغلب عليها الأسلوب الإنشائي تعبيراً عن أفكار كاتبيها، ولكنها أثْرت الساحة الأدبية بما لا يقبل الجدل»، بحسب الدراسة التاريخية النقدية للأكاديمي سلطان سعد القحطاني الموسومة بـ «الرواية في المملكة العربية السعودية، نشأتها وتطورها 1930 - 1989... دراسة تاريخية نقدية».
ظلت الأعمال الشعرية، وربما القصصية هي الأكثر حضوراً وتقديماً لوجوهها خارج الجزيرة العربية، ربما حتى مطلع ثمانينات القرن الماضي، ومع مطلع تسعينات القرن الماضي بدأت الرواية في المملكة العربية السعودية تجد لها مكاناً واحتفاء خاصين في عديد الدول العربية، وخصوصاً ما يعرف بالعواصم الثقافية الكبرى فيها.
ومع بروز التيار الشبابي، لم ينتهِ القرن الماضي إلا والرواية تقدِّم نفسها باعتبارها علامة فارقة في المُنتج الثقافي والإبداعي في السعودية، يكاد يتقدَّم على بقية المنتوجات الإبداعية الأخرى.
وفي سياق جائزة «البوكر»، تصدَّر ثلاثة روائيين من السعودية القائمة الأولية للجائزة في دورتها الثالثة، وهم: أميمة الخميس عن روايتها «الوارفة»، عبدالله بخيت عن روايته «شارع العطايف»، وعبده خال عن روايته «ترمي بشرر»، والتي فازت بالجائزة العام 2010 بعد تصفيات من بين 115 عملاً روائياً من 17 دولة عربية.
ويظل الروائي السعودي خال الأكثر إنتاجاً وحضوراً في الوطن العربي من بين جميع الروائيين السعوديين؛ إذ أصدر عدداً من الأعمال تراوحت بين المجموعات القصصية وأدب الرحلات، إضافة على عديد الروايات من بينها: «الموت يمر من هنا»، العام 1995، «مدن تأكل العشب»، العام 1998، «الايام لا تخبِّئ أحداً»، «نباح»، «الطين»، «فسوق»، «ترمي بشرر»، و»لوعة الغاوية»، وغيرها من الأعمال.