قالها السيد المسيح (ع): «ما الفائدة ان تكسب العالم وتخسر نفسك» وما الفائدة ان نكسب الآخرين - هذا إذا كسبناهم - ونخسر الوطن. التجنيس العشوائي ظاهرة انتقلت بسرعة ضوئية قياسية من الرقم المتواضع - وفي فترة زمنية وجيزة - إلى الرقم المخيف والمقلق والمربك سياسياً، واقتصادياً وثقافياً لجميع البحرينيين على شتى مشاربهم.
يجب ان يدرك بعض المتنفذين خطورة احتضان الثعبان السام الذي نربيه في أحضاننا وانه سيأتي يوم - لا سمح الله - ويسمم الجميع بعد ان تربى على يد البعض منا!!. فالتجنيس العشوائي ثعبان سام سيلدغ الجميع، وهذا ما سيثبته المستقبل. يقول نائب رئيس لجنة الرقابة الإدارية والمالية نبيل إبراهيم في ندوته التي كانت تنذر بخطر العمالة في الخليج التي منها البحرين، وفي ندوته التي ألقاها في الملتقى الثقافي الأهلي «تواجه دول الخليج تهديدات متعددة المصادر: من الهند التي تملك 4 حاملات للطائرات، ولها طابور خامس - أي جواسيس - في دول الخليج، ونحن لا نعرف - والكلام مازال للنائب - الرتبة العسكرية للشخص الذي «يصب الشاي» عندنا ونتوقع ان تؤثر الهند على أمن الخليج خلال 14 عاماً». وقس على ذلك بقية الدول الآسيوية وغيرها.
ويكتسب حديث كمال أهميته من كون قائله أحد رجالات وزارة الدفاع المعروفين، إذ خدم فيها ولايزال نحو 32 عاماً، وهو حاصل على ثمانية أوسمة، وكان قد أشرف على تدريب صاحب العظمة على الطيران.
سؤالي هنا: إذا كنا لا نعرف الرتبة العسكرية للشخص هذا، للموظف، للإداري، للعامل الذي «يصب الشاي» عندنا فربما يكون جاسوساً كيف إذن نأتمنه لنعطيه جنسية بحرينية؟ خصوصاً ان الجنسية أصبحت أرخص من الماء.
إذا كان هذا هو صريحاً وواضحاً وموثقاً لمسئولٍ ومتنفذ من الدرجة الأولى، فكيف سيكون قلقنا نحن المواطنين ونحن نرى التجنيس العشوائي يزحف على مناطقنا وقرانا ويتقاسمنا ويبتلغ حتى استحقاقاتنا الوطنية ويشاطرنا في الصغيرة والكبيرة، بل يفوق علينا على قاعدة «نحن الضيوف وانت رب المنزل».
إذا كان هؤلاء يمثلون خطراً أمنياً علينا - كما يقول النائب - فلماذا كل هذا الاحتضان؟ فالعمالة الأجنبية في كل دول العالم ترحل - بعد انتهاء عقودها - لا ان تجنس بطريقة عشوائية هم وأبناؤهم وأصدقاؤهم؟
فإذا كان هناك فائض من المال عند وزارة المالية والاقتصاد الوطني فلينفق على المواطنين أصحاب الدخل المحدود وأصحاب البيوت الآيلة للسقوط ومن هم مثقلون بالقروض وفواتير وضرائب الوزارات المتزايدة ولتنفق لاستعيات ملف البطالة هذ الملف الملغوم تحت جلد الوطن.
فالعمالة تُرحل ولا تستوطن وهناك قوانين ومعايير للتجنيس لا ان تكون العملية سائبة هكذا وبطريقة هستيرية افقدتنا حتى الشعور بالأمن لما بعد 100 عام. إلى أين نحن ذاهبون؟ وهل نشعر بخطورة ذلك والضغينة تزداد في قلب المواطن وهو يرى فقره، وغنى المجنس سنة أولى!! فضلاً عن سنة عاشرة!!
لقد أصبحنا الدولة الوحيدة التي تقوم بتجنيس العمالة الوافدة من دون ضوابط وان ما يدفعني للحديث في ذلك حجم المكالمات التي لم تهدأ ساعة نشري لمقال «المفارقة الكبرى بين تجنيس البطون وتجنيس العقول» والملفت للأمر ان 80 في المئة من الاتصالات جاءتني من الرفاعين (الشرقي والغربي) ومنطقة البسيتين، ومدينة حمد... والكل له قصة وشكاية ووجع، سنة وشيعة، والكل متفق ان التجنيس العشوائي خطر يتهدد حقوق المواطن البحريني والكل يشكو من ذلك الحنان الوظيفي والدلال الاسكاني، والرفقة الرسمية التي تقدم لهؤلاء المتجنسين.
ففي الوقت الذي يبقى فيه المواطن الأصلي صاحب الجذور الضاربة في تراب هذا الوطن من سنة وشيعة، في الوقت الذي يبقى فيه عشرة إلى ثلاثة عشر عاماً في انتظار بيت أو قرض من وزارة الإسكان سابقاً ووزارة الأشغال والاسكان حالياً.
نرى ان المجنس يأتي من الدول الأخرى وهو لم يشاهد البحرين، ولم تطأ أرضه ترابها وإذا به من المطار إلى المنزل المؤثث (المنحة) إلى العمل المهيأ في قطاعات مختلفة في الدولة هذا وعين المواطن تشهد كل هذا المنظر ابتداءً من مضيف الطائرة إلى الجار التعيس الذي سيرى قانون عين عذاري وهو يحتضن هؤلاء. في حين نبقى نحن المواطنين طوابير ننتظر عطف وزارة الاسكان.
إن هذه المفارقات تضغط على ضمائرنا وقلوبنا وأعصابنا، فهل من حل؟
قبل 6 أشهر وأثناء رجوعي من سورية إلى البحرين قادتني المصادفة المبكية للتعرف على عائلة مكونة من زوج وزوجتين وعشرة أبناء سوريين... سألته عن مدة إقامته في البحرين، فقال: أنا بحريني وكل هذه العائلة مع العشرة أبناء بحرينيون. قلت له: ومنذ متى وانت في البحرين؟ قال: سنة واحدة وحصلت على الجنسية مع الأبناء... سألته عدة أسئلة فكانت إجابته:
- نعم، أنا أعمل. وعندي منزل. وحصلت على قرض مستعجل.
- وزوجتي تعمل عاملة في مدرسة.
- وأبنائي في المدرسة.
- قلت له: ألن ترشح نفسك للمجلس الوطني؟. فقال: الله كريم...أنا لست مؤهلاً ولكن البركة في الأبناء.
- هل تشعر بالغربة؟
- أبداً، كل شيء مهيأ وأنا لا أشعر بالغربة وأنا قدمت طلبات للجنسية إلى اخواني وبقية العائلة ووعدت خيراً وأتمنى ان أوفق لذلك وقال في غبطة: «أنا لم أر في حياتي أكرم من هذا البلد».
- لا أنا لم أدخل المدرسة «أمي» ولكن أطمح الالتحاق بمدارس محو الأمية.
- أتمنى أن يكون راتبك في العمل مستوعباً للحاجات الاقتصادية خصوصاً وانت صاحب أسرتين.
- الحمد لله، راتبي 450 ديناراً إضافة إلى راتب زوجتي «يفرجها الله يا زلمة».
هذه صورة أنا عايشتها بنفسي وهي صورة من صور المستقبل المنتظر... ولا أعلم طبيعة المستقبل المجهول الذي ينتظر مستقبلنا ومستقبل أبنائنا. سؤالي هنا: لماذا يُقَدّمون على المواطنين؟ ألن يثير ذلك أحقاداً؟ ألا يستبطن ذلك الغاماً مستقبلية؟ هل سنعامل هكذا لو ذهبنا إلى بلدانهم، وهل هم سيقبلون ان نعامل أفضل منهم وفي وطنهم؟ ماذا عن مستقبلنا ومستقبل أبنائنا في الدراسة، في الصحة، في البعثات، في الإسكان...؟
نحن المتضررون لاختلال أمننا الاجتماعي والسياسي والثقافي لأننا - نحن المواطنين - الأكثر احتكاكاً بهؤلاء في العمل، في المستشفى، في السوق، في المدرسة... أما الوزير الفلاني أو العلاني فهم في عالم آخر لا تغير المعادلة شيئاً بالنسبة لهم، فالسائق الخاص يشتري حاجات المنزل، والسائق الآخر ينزه الأبناء في الحدائق الخاصة، والڤلة الوسيعة تغني عن التفكير في مواطن يفكر 13 عاماً في بيته الاسكاني. نحن وأبناؤنا من سيكونون الضحية أما من أبناؤه في المدارس الخاصة وعلاجهم في المستشفى الخاص وراتبه الشهري هو راتب المواطن السنوي فلا يمكن لمثل هذا الوزير ان يشعر بنا أو بأبنائنا وبأمننا الاجتماعي، جُعنا، مُتنا، انتهت هويتنا، تقاليدنا... كل ذلك ليس ضمن الأجندة وهذه هي مشكلتنا في العالم العربي ان المواطن الغلبان هو آخر ما يفكر فيه عند التزام بعض الاجراءات وسن القوانين. فالتجنيس العشوائي سيكون مردوده السلبي على الفقراء وعلى عامة الناس.
فنحن لم نلحظ هذا الكرم الأصيل إلا في وزاراتنا فكل دولنا الخليجية بالغة الحساسية تجاه التجنيس بل حتى مع القانوني منها والموضوعي كما هو حادث في الكويت وأزمة البدون، إلا في البحرين فأصبح كل شخص بامكانه ان يتحول إلى «بهريني»، هندي خياط، باكستاني صباغ، هندي بائع سمبوسة، وانظر إلى الطاقات المجنسة، أصبحوا جميعاً «بهرينيين».
وان لم يشرب من عين عذاري وان لم يحتضن ذات مرة نخلة بحرينية والامثلة كثيرة وخطيرة وتراهم اصبحوا في كانتونات معزولة عن المجتمع في سافرة وغيرها. وهذه هي بداية تخلخل النسيج المجتمعي واليك التالي:
- مدرس عربي فاشل يتحول إلى مدير مدرسة... حصل على الجواز فأوصله إلى ادارة المدرسة في حين يوجد مدرسون وحاصلون على الماجستير وبحرينيون من اب وام قضوا 20 عاماً في التدريس مازالوا مدرسين عاديين وهذا نوع من انواع الكرم العربي الذي تقدمه وزارة التربية والتعليم (المكتب السياحي لجلب العرب) للمعلمين المواطنين وهي سوءة من سوءات الماضي نتمنى من الوزير الحالي ان يزيلها. لان الترقيات في السابق تحرك ضمن المحسوبية والقرابة وللمجنسين ايضاً. فمجنس يصبح مدير مدرسة في حين يوجد المئات من المدرسين البحرينيين ضائعين بلا اي ترقية الا اذا كان قريبا من متنفذ الامن رحم ربك. بائع سمبوسة حميد (اسيوي) حصل على الجواز والجنسية وحصل معهما بيتاً في مدينة حمد في حين يوجد مواطنون مازالوا متكدسين في غرفة واحدة بلا مأوى، بلا عمل، بلا سكن وقد ذكرت ذلك سابقاً عن وجود 195 عائلة بابنائها من العائدين مازالوا في العراء ومجردين من كل شيء فضلا عن مئات العوائل الفقيرة المحشورة بين ابنية متصدعة تجاوز بناؤها الخمسين او الستين عاماً ومارأيناه في المقشع صورة من صور متناثرة على خريطة الارض.
- على رغم كل ذلك تبقى هناك بادرة خير لاستيعاب بعض الاخطاء نتمنى تصحيحها وتحسب كنقطة ايجابية لمعالي الوزير وهو النظر في مشكلة الدكتور عبدالهادي عيسى العالي (دكتوراه في الادارة) يعمل كأخصائي مناهج في قسم التوجيه التربوي. فالدكتور على رغم التقارير الايجابية والموثقة التي قيم فيها لثماني سنوات الا انه فرض عليه تقاعد قسري واجباري الزمه بالجلوس في المنزل محبطاً بعد سنين من العمل إذ تفاجأ بهذا الموقف من دون ادنى اشعار على رغم انه كان في انتظار الترقية التي جاءت معاكسة.
إلا ان الوزارة اتصلت به هذه الايام فهناك امل لاستيعاب هذه الطاقة الادارية وهناك ارتياح عم المتتبعين لهذا الملف.
ختاماً نقول: ان التجنيس العشوائي بدأ في الزحف على كل مكان، على مدننا وقرانا، قطاعنا الخاص والعام، خلايا نحل موزعة في كل مكان، يفرخون كالبيض في كل زاوية، اسيويون، عرب، مرشحون، منتخبون، عمال، موظفون، مدرسون، وانظر إلى المفارقة نحن العاطلون والفقراء وسؤالي إلى مجتمعنا:
هل رأيتم مجنساً - في ظل هذا التجنيس العشوائي- عاطلاً؟
هل رأيتهم مجنساً ينتظر بيت اسكان؟ وفوق كل ذلك: تذاكر مجانية له وللأولاد، سكن مجاني، حصول على شرف الجنسية حتى ولو لم يضع طوباً في بناء هذا البلد، تسهيلات له وللاولاد ومقدم على المواطن وفوق كل ذلك له بيت في البحرين وبيت في بلده الاصلي واستثمار هنا واستثمار هناك اضافة إلى منح وبعثات لابنائه واذا سافر اجر منزله لآخرين للحصول على الربح وفوق كل ذلك يطالب البعض منهم بتقاعد بأثر رجعي فهو يقبض كل امتيازات قبل الجنسية وبعد الحصول عليها يريد امتيازاتها لفترته السابقة تهانينا.
العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ