بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر تساءل الأميركيون، لماذا يكرهوننا؟ وأجابهم وقتها بعض العرب والمسلمين بالقول إن الكره يعود إلى ما اعتبروه غطرسة واستهتارا أميركيا بالشعوب العربية والاسلامية، وعلى رأس ذلك سياسة الولايات المتحدة المحابية لاسرائيل، على حساب الشعب الفلسطيني.
ومن هؤلاء من ذهب إلى الحديث عن حصار العراق والسودان وليبيا. الخ، ومنهم من تحدث عن اسباب أخرى.
وقتها لم يقتنع الأميركيون بهذا الرد. فقد اعتبروا ألا شيء يمكنه تبرير قتل المدنيين، ولا شيء يسوغ اللجوء إلى وسائل الابادة البشرية للآمنين. وأردفوا بالقول إنهم لا يمكنهم قبول أن تضيع دماء الأميركيين في بحر الجدل والتبريرات والآراء السياسية. وعوضا عن ذلك قرروا مهاجمة تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان، ثم اعتبروا جميع الحركات الاسلامية مسئولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن التحريض ضد الأميركيين ومصالحهم. لقد قرروا أن يبدوي بعض هذه الحركات ويقلموا أظافر بعضها الآخر.
وكما لم يقتنع الاميركيون بالردود العربية والاسلامية، لم يقتنع العرب أو المسلمون بوجهة النظر الاميركية.
لكن المشكلة ان الامر لم يقف عند حدود الاقتناع أو الرفض، المشكلة أن الأوضاع تتطور للأسوأ، فيما قوس الحرب والصدام يتسع باستمرار، آخذا معه في كل مرة المزيد من ارواح البشر وعابثا بحياتهم.
وفي الاسابيع القليلة الماضية كانت هناك عدة حوادث بالغة الخطورة لم يكن الاميركيون طرفا فيها، من بينها تفجير ناقلة نفط فرنسية قبالة شواطئ المكلا باليمن، ما أدى إلى اعطابها وقتل احد بحارتها. أعقب ذلك الانفجار الرهيب في جزيرة بالي الاندونيسية الذي خلف أكثر من 182 قتيلا ومئات الجرحى، معظمهم من السياح الاستراليين. وقد اتهمت فيه الجماعة الاسلامية الاندونيسية القريبة من تنظيم القاعدة.
والحدث الآخر هو قيام حوالي 50 مسلحا شيشانيا باحتجاز أكثر من 800 روسي كانوا يشاهدون عرضا مسرحيا في موسكو، وقد أدى تدخل القوات الروسية إلى قتل المسلحين ومعهم 108 رهائن واصابة المئات غيرهم.
لقد جاءت هذه الحوادث، لترد بشكل غير مباشر على الجدل الأميركي العربي الاسلامي. فبفضلها (وفضل غيرها من الحوادث) لم يعد الاميركيون وحدهم الذين يرددون لماذا يكرهوننا، بل أصبحت هناك شعوب أخرى تسأل السؤال نفسه، وهو ما يصب في صالح وجهة النظر الاميركية، وإن بصورة غير مباشرة.
إن لسان حال الأميركي هنا يقول: حسنا إذا كنا نحن متهمين بالغطرسة والهيمنة والانحياز الفاضح لاسرائيل وحصار العراق، ولذلك ووجهنا بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول فما ذنب الاستراليين الذين قتلوا في جزيرة بالي، وما ذنب الروس الذين احتجزهم الشيشان رهائن، وما ذنب الفرنسيين كي تفجر لهم ناقلة نفط؟
لسان حال الاميركيين يقول ايضا: ألا يدل ذلك على أن تنظيم القاعدة أو الجماعات المنضوية تحت لواءه، تهاجم من تهاجم وتقتل من تقتل لاغراض أخرى كامنة فيها، لا علاقة لها بالظلم الذي يقع على العرب والمسلمين؟
بالطبع يمكن للكثيرين أن يردوا على مثل هذا القول، كما يمكن لهم الحديث مطولا عن المبررات والاسباب والنتائج. لكن المشكلة هي أنه لم يعد الأميركيون وحدهم الذين يتهمون العرب والمسلمين بالارهاب. خطورته أنه يتردد في جميع أنحاء العالم.
يكفي أن نقرأ اخبارا في يوم واحد على احد مواقع الانترنت أو أي صحيفة بأية لغة حية لنطالع الآتي:
«الأمم المتحدة تضع الجماعة الاسلامية الاندونيسية في قائمة المنظمات الارهابية المعرضة للعقوبات الدولية». «الشرطة الاندونيسية تقتاد زعيم الجماعة الاسلامية ابوبكر باعشير بالقوة من مستشفى يعالج به إلى السجن، وسط اشتباكات بين أفراد الشرطة وانصاره».
«الشرطة الاسترالية تقول إن عدد الاعتداءات على المسلمين في سدني التي سجلت فيها شكاوى زاد بشكل ملحوظ منذ تفجير بالي في اندونيسيا».
«صحيفة 'نيويورك تايمز' الأميركية تنقل عن خبراء استخبارات قولهم إن تنظيم القاعدة موجود في جنوب شرق آسيا بقوة، وقد لا تنحصر خطورته على الولايات المتحدة».
«الولايات المتحدة تطلب من ماليزيا استضافة مركز مخصص لمساعدة دول جنوب شرق آسيا لمكافحة الجماعات الارهابية».
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول إنه أمر القوات المسلحة بادخال تغييرات على دليل عملها الخاص بالتعامل مع ما وصفه بالتهديد المتنامي للارهاب العالمي».
«المسلمون في مدينة هامبورغ الالمانية حيث يحاكم من يقال انهم اعضاء في خلية لتنظيم القاعدة يشعرون أنهم مهددون بمشاعر عداء للاسلام».
«محكمة مغربية تؤجل النظر في قضية ثلاثة سعوديين يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة، إلى ديسمبر/كانون الأول المقبل».
هذه بعض العناوين من الممكن مصادفتها كل يوم في وسائل الاعلام، وهي تعكس إلى حد كبير المزاج العالمي الآخذ بالتحول نحو كراهية العرب والمسلمين، فضلا عن استثارة وتقوية أكثر النزعات يمينية ومعاداة للاجانب في الكثير من البلدان ولذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه على الجميع هنا هو: إذا كان هناك من يعاني من الاضطهاد والظلم، ألا يمكنه أن يعبر عن ذلك بعيدا عن أعمال العنف وقتل المدنيين؟ ألا يمكنه أن يعبر عن ذلك من دون تأليب العالم ضده؟ ثم أليس من الخطأ الفادح أن تعاني مجتمعات وشعوب بأكملها بسبب ما يفعله بعض افرادها أو جماعاتها؟
العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ