العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ

أوروبا... ودور تركيا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

النقاش الذي اثاره فوز حزب «العدالة والتنمية» الاسلامي في الانتخابات التركية الاخيرة في بعض الصحف الاوروبية كان اقوى وابلغ من ذلك الذي تناوله الاعلام العربي. فالنقاش الاوروبي تناول المسألة من مختلف المستويات والجوانب فتطرق الى السياسة والثقافة والحضارة والهوية ومعنى الديمقراطية وخصوصية الاتحاد الاوروبي... وصولا إلى تحديد خطوط الاختلاف والفواصل وبعض المخاطر والتهديدات التي يحملها مثل هذا الفوز على التوازن في القارة الاوروبية.

النقاش في الصحف العربية اقتصر على الهامش السياسي ولم يتطور إلى النص ومعنى ذلك الفوز وانعكاساته وضروراته ووظائفه الآنية في وقت تستعد فيه الولايات المتحدة لخوض مواجهة اقليمية كبرى ضد العراق ستكون تركيا واحدة من الدول التي يفترض فيها ان تلعب دورا مميزا في موضوع حسم المعركة وتقرير مصير بلاد الرافدين ومستقبلها.

ببساطة انقلبت المعادلة. سابقا كان النقاش في الاعلام الاوروبي يختزل تركيا في الشأن السياسي بينما الاعلام العربي كان يركز على الشئون المختلفة الوجوه للمسألة ومنها تلك الجوانب المتعلقة بالهوية التركية مستقبلها ومعنى العثمانية وتسلط العلمانية على المجتمع واستخدام الدولة من قبل «المجلس العسكري» لتطويع الناس وسوقهم عن طريق القوة إلى اتباع نظام حياة ومعاش لا ينسجم مع تاريخهم. وبسهولة سار النقاش في اتجاهات متعاكسة. سابقا كان الخوف على تركيا من اوروبا واحتمال تحولها الثقافي وتغيير هويتها باكراه الناس على ترك عاداتهم ومغادرة تقاليدهم ونسيان ماضيهم من أجل كسب مستقبل غامض وغير واضح في هويته. الآن انتقل الخوف (أو المخاوف) من تركيا إلى اوروبا. فالنقاش لم يعد يتركز على المخاطر الخارجية على تراث تركيا وهويتها المسلمة (العثمانية) بل بدأ يتناول المخاطر التي تمثلها تركيا مستقبلا على هوية اوروبا وتجانسها الثقافي - النفسي في حال اتيحت لها فرصة الدخول إلى عضوية الاتحاد.

انقلب النقاش وانتقلت المخاوف، من الخوف على تركيا إلى الخوف من تركيا. فتركيا - كما يقال - لم تعد خائفة على نفسها وهويتها بينما اوروبا - كما تشيع بعض الجهات السياسية والاعلامية - اصبحت خائفة على نفسها وهويتها من تركيا.

هل هذا معقول؟ وهل يمكن تصديق مثل هذه الاوهام التي تتكرر عند كل ازمة سياسية أو اقتصادية تصاب بها تركيا؟

ليس المهم ان نصدق او لا نصدق. المهم ان مثل هذا الكلام يزداد وتكثر هواجسه حين يفوز في الانتخابات اتجاه اسلامي ينتمي إلى تيارات أو اصول عقائدية تستقي فلسفتها من تاريخ لا صلة له بالتاريخ العام للقارة الاوروبية. والمخاوف التي اثارها الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان وبعض الهيئات والمنظمات المتطرفة قوميا ودينيا تعليقا على تشكيل أول حكومة مدنية اسلامية منذ فترة طويلة في تركيا ليست جديدة. الجديد هو أن أوروبا (أو بعض دولها واتجاهاتها) باتت في وضع سياسي يقبل اختيارات الشعب التركي كما هي ومن دون تدخل لاسقاطه أو تغييره.

هذا التعديل الجزئي له أسبابه ومنها ثلاثة عوامل رئيسية: الأول: تركي، والثاني: اوروبي، والثالث: دولي (أميركي).

العامل التركي يتركز على أن حزب «العدالة والتنمية» برئاسة طيب رجب اردوغان وعبدالله غول يختلف في توجهاته الاسلامية عن تلك التـشكيلة من الأحزاب الاسلامية التي اسسها نجم الدين اربكان من النظام الوطني، والسلامة الوطني، والرفاه، والفضيلة، والسعادة. فحزب العدالة أقل اسلامية وأكثر أوروبية.

العامل الأوروبي يتركز على أن صيغة الاتحاد الأوروبي تطورت خلال العقدين الأخيرين حين اتسعت وضمت مجموعات اوروبية غير متجانسة ثقافيا ونفسيا وجغرافيا وسياسيا. فالصيغة بدأت تتجه أو تقترب من هيئة عامة أقرب الى مفهوم الجامعة (جامعة الدول العربية) أو الرابطة الائتلافية مثل أنظمة التحالف العسكرية أو الاقتصادية. فالمفهوم الاتحادي تراجع اوروبيا لمصلحة المفاهيم الائتلافية أو التحالفية.

العامل الأميركي يتركز على الجغرافيا - السياسية وتبدل وظائف تركيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فواشنطن بحاجة الى تجديد دور تركيا واعادة بلورة وظائف اقليمية مختلفة تخدم الاستراتيجية العامة في دائرة «الشرق الأوسط». فالدور التركي مستقبلا سيتجه جنوبا بعد أن كان سابقا يتجه شمالا، وحتى تلعب تركيا مثل هذا «الدور الجنوبي» لا بد لها من لون لا يستفز منطقة «الشرق الاوسط» ولا يستنفر غضب أوروبا وروسيا... فكان «حزب العدالة» الاسلامي من جانب والمعتدل من جانب آخر.

اختلف النقاش هذه المرة عن المرات السابقة. سابقا كان السجال على هوية تركيا والآن يتركز النقاش على دورها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً