في الحلقة السابقة تطرقنا لمعاهدة الصلح التي عقدت بين الأمير العيوني فضل بن محمد بن أحمد (1209 - 1219م) ومَلِكِ قيس غياث الدين شاه بن تاج الدين جمشيد والتي ذكر فيها عدد من المناطق في البحرين، من هذه المناطق جزيرة أكل، وجزيرة الجارم وما يتعلّق بها، وملاقي بحر الحورة، وظهر سماهيج، وغيرها من المواقع التي سنتناولها في حلقات مقبلة. ويجب التنويه هنا إلى أن أسماء المناطق التي ذكرت في شرح ديوان ابن مقرب، سواء ضمن معاهدة الصلح أو في مواطن أخرى، هذه الأسماء لم تكن، بالضرورة، تطلق على المناطق ذاتها المعروفة الآن، فمساحة المنطقة أو حدودها قد تختلف.
على سبيل المثال، سبق أن ذكرنا اسم صدد، الذي ذكر في شرح ديوان ابن المقرب، وهو اسم لازال معروفاً حالياً كمسمى لقرية تقع على الساحل الغربي للبحرين، وكذلك اسم مسجد سبسب الذي ورد ذكره أنه يقع في صدد، لازال يوجد مسجد معروف باسم مسجد سبسب، إلا أنه لا يقع في قرية صدد بل في قرية دار كليب، المجاورة لقرية صدد حالياً. إذاً فالحدود المكانية للاسم كانت تختلف. وكذلك اسم سماهيج الذي ورد في المعاهدة السابقة فلا يقصد به قرية سماهيج الحالية بل إن مسمى سماهيج قديم جداً، منذ فترة ما قبل الإسلام، وقد كان يطلق على جزيرة المحرق بأكملها، والتي كانت تسمى أيضاَ، في المصادر السريانية، باسم مشماهيج (Beaucamp et Robin 1983). ويقصد بظهر سماهيج الوارد في المعاهدة السابقة الساحل الشمالي الشرقي لجزيرة المحرق.
الحورة والحورتين
وأما الحورة، المذكورة في المعاهدة، فلازالت هناك منطقة في البحرين تعرف باسم الحورة، وهي إحدى ضواحي المنامة، وقد قال عنها التاجر في كتابه «عقد اللآل في تاريخ أوال»: «وجنوبها (أي جنوب المنامة) شرقاً حالة ابن أنس وهي على الساحل الشرقي أيضاً وبها محطة البرق واللاسلكي المؤسسة سنة 1915م، وأهلها ملاحون ويصطادون اللؤلؤ صيفاً والسمك شتاء، وغربيها قرية الحورة ويطلق عليها مع سابقتها اسم الحورتين» (1994، ص 28).
الملفت في قول التاجر هو نظام التسمية، حيث أضيفت الحورة إلى حالة ابن أنس وأطلق عليها اسم الحورتين، ومثل هذا النظام ورد في تسمية منطقتين أخريين في البحرين، وهما حوار والجيار ويطلق عليهما اسم حوارين، وقد ذكرهما ياقوت الحموي في معجمه، وأضاف «ضمّ الجيار إلى حوار وأسماها حوارين» (طبعة دار صادر، ج2، ص 315). هذا ولم يتم تحديد موقع كل من الجيار وحوار على وجه الدقة، إلا أن المرجّح أنها تقع في شرق المملكة العربية السعودية (الجاسر 1980، ج2، ص 557 – 559).
يُذكر، أن منطقة الحورة كانت ذات شهرة في فترة الدولة العيونية، وربما كانت آهلة بالسكان في تلك الفترة، ولا يعلم بالتحديد حدودها المكانية في تلك الفترة، فربما كان يشمل بحر الحورة كل الساحل الممتد من الحورة إلى أم الحصم. فإذا كانت الحورة آهلة بالسكان في هذه الفترة، فهل كانت منطقة المنامة آهلة بالسكان كذلك؟، وهل كانت بدايات تأسيس المنامة منذ فترة الدولة العيونية؟، العديد من التساؤلات التي لا يمكن أن نجيب عليها، حيث إننا لا نمتلك أي دراسات آثارية أجريت في هذه المناطق، كما ل نمتلك أدلة تاريخية حول هذه المناطق في تلك الفترة.
جزيرة الجارم
في فترة الدولة العيونية كانت هناك حركة نشطة لمهنة الغوص، وكانت توجد العديد من سفن الغوص، سواء للبحرين أو لمناطق أخرى في الخليج العربي، وفي الحلقة السابقة ورد ذكر سفن الغوص الخاصة بالعيونيين والبحرين عند ما ذكرنا توزيع أمراء العيونيين بعض من سفن الغوص على من ساندهم. ومن أهم المناطق التي تحتاجها سفن الغوص هي البنادر البحرية، وهي عبارة عن المكان التي ترسو في السفن في وقت العواصف أو الطوارئ وتنطلق منه لمناطق الغوص (الشملان 1993، هامش ص 36). ومن هذه البنادر المهمة: فشت الجارم.
وفشت الجارم، وهو الاسم المتعارف عليه حالياً، وهو عبارة عن حيْد مرجاني كبير يبعد عن سواحل البحرين الشمالية قرابة 20 كيلومتراً وتبلغ مساحته قرابة 260 كيلومتراً مربعاً (السليطي 2008، ص 96). هذا، ويعتبر فشت الجارم البندر الرئيسي لمناطق الغوص، التي تسمى هيرات، الكائنة في شمال البحرين، كهير أشتية وشقته وبو لثامة وغيرها، حيث تبندر السفن في فشت الجارم من ناحية الشرق في منطقة تسمى الشغب (الشملان 1993، ص 36 – 38).
يُذكر، أنه يوجد بالجارم أجزاء بارزة فوق سطح الماء عبارة عن تراكمات مرجانية، وهذه التراكمات كانت في السابق أكثر بروزاً نتيجة لانخفاض مستوى سطح الماء؛ ما تجعل هذه المناطق تبدو كالجزيرة. هذا، ويرجّح أن مياه الخليج العربي كانت أقل انخفاضاً مما عليه الآن بقرابة متر، وأنها بدأت تعود لوضعها الحالي منذ مطلع القرن الأول للميلاد، ولا يعرف بالتحديد منذ متى ثبت مستوى السطح على المستوى الحالي (Paskoff and Sanlaville 2005). وهكذا، فإن جزءاً من الجارم كان يبدو كجزيرة. هذا ويرجح حمد الجاسر في كتابه «معجم البلاد العربية السعودية، المنطقة الشرقية»، أن البكري (توفي العام 1094م) في كتابه «المسالك والممالك» ذكر اسم الجارم مصحفاً بصورة الحازم (الجاسر 1979، ج1, ص 354 – 355)، ونص البكري في كتابه سالف الذكر هو: «ومما يلي أوال جبل في البحر أسود يسمى الحازم، يقيم به الغواصون الأشهر» (طبعة الدار العربية للكتاب 1992، ج1 ص 371)
وتزعم العامة أن بفشت الجارم كانت توجد منازل ونخيل وقلعة، وهي روايات شفاهية تم تناقلها ولا يعرف مدى صحتها، كما تطرق لها الملازم Whish في العام 1862م وذلك في تقريره حول عملية المسح التي قام بها لسواحل البحرين، وقد ترجم هذا التقرير من قبل ناصر الملا جاسم وأعيد نشره في مجلة «الوثيقه»، وجاء فيه: «رسيت عدة مرات في فشت الجارم لنصب علم بهدف ضبط أعماق القناة وقد وضعته على نتوء صخري يعتقد الضباط الذي سبق لهم الحديث عن هذه القناة بأنه بقايا حصن قديم. لكن لم أتبين منه أية آثار لبناء مع إن السكان المحليين يعتقدون بأنه ليس هناك بقايا حصن فحسب وإنما شجرتا نخيل كذلك، ويعززون ذلك بالقول بوجود نبع مياه عذبة في الجوار، ويسمى هذا الموقع باسم قلعة الجارم» (2005، الوثيقة العدد 47).
بالطبع، إن أهمية فشت الجارم كبندر كانت كبيرة منذ القدم، ولذلك ضمنه ملك قيس في معاهدة الصلح مع الأمير العيوني، وربما أقيم به برج مراقبة أو قلعة أو بيوت في تلك الفترة لخدمة سفن الغوص. هذا، ولازالت تلك المعاهدة تتضمن أسماء لمناطق أخرى نتناولها في الحلقات المقبلة.
بارك الله فيكم استاذ حسين ..
سمعنا من كبار السن ان الجارم كانت جزيرة مسكونة ولها مساكن و زروع ولكن لما إرتفع منسوب الماء على جزيرتهم هجروها فمنهم للبحرين ومنهم لامنطقة الشرقيه..
شيء جميل
نرجو تواصل العطاء
وشكرا