في محاولة لإعادة شيء من الوهج للمدرسة الواقعية، يجتمع سبعة فنانين في «مساحة مشق للفنون» ليعزفوا «نوتات مقدّسة» التي يُعيدون من خلالها تسليط الضوء على جماليات بيئاتهم المحلية، وذلك عبر أعمال واقعية وأساليب فنية متنوعة. عازفو النوتات هم أولاً: الفنانة الأميركية آن ووتشر التي كانت هي من اختار اسم المعرض، المقام على شرف زيارتها للبحرين بدعوة من السفارة الأميركية في المملكة.
يشاركها في المعرض، الذي يمثّل أول تعاون بين الملحقية الثقافية في السفارة ومساحة مشق للفنون، كل من الفنانين: عباس الموسوي، حسن الساري، محمد المهدي، فيصل حسن، زينب درويش، والفنانة ميريل كوبر وهي من جنوب إفريقيا ومقيمة في البحرين منذ سنوات طويلة.
المعرض الذي يستمر حتى 16 مايو/ أيار 2017، يضم 28 عملاً تتنوع بين الزيتية والمائية والأكريليك، احتفت جميعها بالمدرسة الواقعية وتغنت جميعها بطبيعة بيئات الفنانين المشاركين.
مالك مساحة مشق للفنون الفنان علي البزَّاز، تحدّث إلى «الوسط» عن المعرض المقام، مشيراً أولاً إلى أن ما يجمع النوتات المعروضة هو أنها أعمال تقدم واقعاً من الماضي، لكنه أضاف «لكل فنان من الفنانين المشاركين أسلوبه وخاماته المختلفة، وكل خامة لها ميزاتها التي تعطيها للوحة، هذا بالإضافة إلى أن لكل فنان موضوعاته التي تناولها بأسلوبه المختلف. الأمر الآخر، البيئة المختلفة، فالفنانة آن ووتشر أيضاً تنقل بيئتها في لوحاتها، وهي غالباً بيئة الجنوب الأميركي، التي تنقل من خلالها الفنانة اللون الضوء والبيئة والاحساس الخاص بها، أما ميريل كوبر، وعلى رغم أنها تعيش في البح ين منذ سنوات إلا أن رؤيتها للأشياء لم تتغير، فكأنها تنقل عالمها معها من حيث تقديم البيئة والألوان وحتى نوعية الورود. حسن الساري يأخذنا إلى عالم آخر، فهو لا ينقل الطبيعة فقط بل ينقل مشاهد من الحياة لا نلتفت إليها عادة ولكن جزءاً من وظيفة الفن تسليط الضوء على الأشياء المهمشة. محمد المهدي له أسلوبه وفنه المختلف، فيصل حسن عرض مجموعة من اللوحات القريبة من البيئة الصحراوية من الريف، أما عباس الموسوي فتناول تجربة مختلفة قدم من خلالها رحلته إلى أميركا، اشتغل بنفس التكنيك والضربات لكن الألوان اختلفت عن ألوان البيئة البحرينية.
وحول الواقعية في الأعمال قال البزَّاز: «الشغل الواقعي خفت كثيراً وليس هناك معارض تتناول الأسلوب الواقعي. هناك بعض الفنانين الذين يشتغلون بالأسلوب الواقعي ولكنهم لا يعرضون. ربما لأن هناك اتجاهاً نحو الفن الحديث والتجارب الجديدة؛ ما جعل الأعمال الواقعية ليس لها سوق».
وأضاف «الفنان عباس الموسوي لا يزال يصر على الاشتغال بالواقعي، على رغم أن لديه أسلوباً آخر وموضوعات أخرى. ميريل أكثر أعمالها واقعية، أما المهدي فيقدم ثلاث لوحات وهي الوحيدة التي اشتغلها بالأسلوب الواقعي».
وعلّق بالقول: «جيد أن نجمع هؤلاء الفنانين في معرض واحد، لكن الأمر الآخر هو اننا نريد أن نعيد شيئاً من الوهج إلى المدرسة الواقعية».
وعن أسباب عزوف الفنانين عن المدرسة الواقعية، قال: «لأنها بشكل ما تعرّي الفنان. فالأعمال الواقعية تكشف قوة الفنان وفهمه لعناصر اللوحة. كثير من الفنانين اليوم أصبح يتفادى عدم معرفته بالضوء والظل واللون وتكوين اللوحة والتشريح، باللجوء الى الفن الحديث والتجريد واللعب على المساحة اللونية؛ أو حتى بتقديم الأشكال التي لا يطلب فيها تفاصيل وتشريح معينين. ميزة الواقعي أنه يوضح قوة الفنان وأساسه الفني وتدرجه في المجال الفني»، والبزّاز يرى أن الأسلوب الواقعي هو الأفضل لإبراز جماليات البيئة والطبيعة المحلية، مؤكداً عدم ارتباط الأعمال الحديثة بالبيئة والطبيعة بشكل كبير».
وعن رؤية بعض الفنانين بعدم منح الأعمال الواقعية فرصاً للابتكار وللغوص في المعنى، قال: «بشكل ما هذا الكلام صحيح لأننا في الغالب ننقل ما تراه أعيننا واحاسيسنا وانطباعاتنا عن البيئة الواقعية، مع أن هناك مجالاً للإبداع أمام فنان الواقعية، فالفنان محمد المهدي اشتغل في فترة على تصوير البيئة المظلمة وتغير الألوان فيها. ما أريد قوله، إن هناك إمكانية لاشتغال الفنانين في اللوحة الواقعية وأعمال الفنان ريمبرانت أكبر مثال لذلك، فلوحاته تقول الكثير».
وماذا عن عدم رواج الأعمال الواقعية، ألا يعد هذا عائقاً يمنع توجه الفنانين نحو الأعمال الواقعية؟
- أفهم بأن هدف الفنان أن تُقتنى اعماله، وفي الحقيقة هناك إقبال على الفن الواقعي لكن الأمر يعتمد على تسويق الفنان لأعماله، وعلى الزوايا التي يختارها أو أسلوبه الفني، كما أن بعض مقتني اللوحات مازالوا يفضلون الواقعية.
سألته عمّا يمكن لمساحة مشق وغيرها من الجاليريهات أن تقدم لهذا الوعي بأهمية الأسلوب الواقعي، عدا تنظيمها لمثل هذا المعرض، فقال: «نقوم بتنظيم ورش في البورتريه والطبيعة الصامتة. نوجه هذه الورش بشكل كبير للأطفال لنؤسسهم فنياً»، مؤكداً «أحد المناهج المتبعة لتأسيس الفنانين هو عبر الواقعي، وهو منهج متبع أكاديمياً، إذ يجب أن يفهم الفنان اللون والعناصر الرئيسية في اللوحة، التي يخلق عدم فهمه لها مواقع ضعف، على رغم أن الفن الحديث اليوم يذهب في فضاء آخر، وهو ما يخلق جدلاً حول ما إذا كان الفن الحديث فناً حقيقياً أم لا. هناك خطاب أكاديمي لا يتوافق كثيراً مع بعض المدارس والاتجاهات الحديثة، وهو خطاب له مبرراته ولغته التي تملك ما تقوم عليه».
وعن ترويج «مشق» للأعمال الواقعية قال: «أنا لا أروّج لفن معين كصاحب جاليري بل أحتضن الفنون جميعها لكني أرى أن الواقعي حقه مهضوم، وهناك صالات لم تعد تفتح أبوابها له. في الواقع لدينا فنانون ممتازون وأعمال جميلة وهناك من يقتني الواقعي فلماذا لا نفتح المجال للفنانين الذي يعملون على الواقعي، وهو ما يشكل جزءاً من أهدافنا كجاليري».
وحول أهمية إقامة هذا المعرض المشترك بين فنانين بحرينيين وأجانب قال: «من المهم للفنان أن يطلع على تجارب الآخرين، وعلى رغم أن أدوات التواصل الاجتماعي منحتنا هذا، لكن هناك حاجة لتواصل أكبر مع تجارب الفنانين في الخارج. عدا ذلك، هناك فنانون لا يتواصلون مع فنانين من الخارج وهذه المعارض تتيح لهم الفرصة لأن يشاهدوا أعمال الآخرين بشكل قريب، ولأن يثروا تجربتهم بالنقاشات مع الفنانين من الخارج، وهو أمر يغني الطرفين حين يتم تبادل الخبرة على جميع المستويات، وهو ما يثري تجربة الفنان وخبرته، وهو بعد كل ذلك من مهمات الجاليري إبراز هذا التنوع الذي يمكن أن يشكّل أساساً لمشاريع مستقبلية».
المدرسة الواقعية هي المدرسة الفنية الأصيلة و التي تفرز الفنان الحقيقي من عدمه و تبرز قدرة الفنان التشكيلي على ممارسة إبداعاته ، أما المدارس التشكيلية الأخرى كالسريالية و التجريدية فهو هروب من الفن الحقيقي نحو متاهات أخرى لا يمكن أن تسمى فناً .