العدد 88 - الإثنين 02 ديسمبر 2002م الموافق 27 رمضان 1423هـ

...الإسلاميون على أبواب أوروبا

كيف قرأت الصحافة الفرنسية الحدث التركي؟

إيمان شقير comments [at] alwasatnews.com

.

شكل النجاح الساحق الذي حققه «الإسلاميون المعتدلون» في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة مصدر قلق لبعض الأوروبيين الذين يربطون بين الإسلام والإرهاب بل وينعتون الاسلام بـ «الفاشية الخضراء». فتركيا في موقع متقدم على أبواب أوروبا: أولا لأن حدودا واحدة فقط تفصلها عن بلغاريا التي حدد لها الاتحاد الأوروبي موعدا لبدء المحادثات لانضمامها إليه. وثانيا لأنها هي أيضا مرشحة بدورها إلى دخول الاتحاد الأوروبي معتبرة نفسها أساسا دولة أوروبية أصيلة بنظام علماني عريق.

لكن فوز حزب العدالة والتنمية بغالبية ثلثي مقاعد البرلمان التركي أدى إلى إعلان قيام أول حكومة إسلامية كاملة في تاريخ تركيا في خطوة أنهت خمسة عشر عاما من سيطرة الحكومات الائتلافية على البلاد. هذه التشكيلة الحكومية الجديدة لتركيا التي تعيش اليوم في أزمة معقدة بين بعديها الإسلامي والغربي(الأوروبي) تشكل، في رأي مجلة «ماريان» الفرنسية، مصدر قلق لدى الغربيين الخائفين منذ اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة وتكرار الهجمات «الإرهابية» من قبل الأصوليين الإسلاميين ضد المصالح الغربية والغربيين في دول عربية وغربية على حد سواء. فهؤلاء الغربيون، كما تقول مجلة «ماريان» الفرنسية اليمينية في عددها من 11 إلى 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، مرتعبون من أن تزحف «الفاشية الخضراء» باتجاه أوروبا منذ أن أصبحت تركيا، الواقفة على أبواب الاتحاد الأوروبي، دولة «إسلامية».

راية الإسلام فوق مقر

الاتحاد الأوروبي في بروكسل

صحيح أن الإسلاميين الذين سيشكلون النظام الجديد في تركيا هم، بحسب ادعائهم، «إسلاميون معتدلون» - تقول مجلة «ماريان» - إلا أن الصحيح أيضا أن منهم من هم ليسوا أبدا بمعتدلين. بل يمكن تسميتهم بالمحافظين الليبراليين المتمسكين بتقاليد اجتماعية أولها ارتداء النساء الحجاب، وهو الأمر الذي كان في جوهر العلمانية الاتاتوركية. بل أن زوجة وابنتي زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب اردوغان، الذي يجول في أوروبا للحث باتجاه انضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي، ترتدين الحجاب. الأمر الذي يشكل، في رأي «ماريان»، مؤشرا الى ان اردوغان لا ينوي فقط ترسيخ حكم الشريعة في أنقرة، بل انه عازم أيضا على القطيعة مع النظام العلماني الذي ميز تركيا منذ ما بعد العهد العثماني.

فهل يكون اردوغان إسلاميا «معتدلا»؟ تسأل مجلة «ماريان» وتقول: في الواقع ليس لهذا المفهوم، أي مفهوم «الإسلاميين المعتدلين» أي معنى لأن الجيش التركي لم يكن ليترك المجال أبدا لفوز «إسلاميين غير معتدلين» بحسب مفهومها. فأردوغان مثله مثل معظم كوادر حزب العدالة والتنمية، من أنصار اربكان الذي حل الجيش حزب الرفاه التابع إليه، بل هو ضابط مطيع له أي انه إسلامي تام وقاس وهو الذي استشهد يوما في أحد لقاءات الحزب العام 1998بأبيات ذات مغزى لأحد الشعراء الأتراك فقال: «المآذن حرابنا، والقبب خوذات لنا، المساجد ثكنات لنا والمؤمنون جنودنا».

وتضيف «ماريان»: المفارقة المهمة أن تركيا، ولأنها دولة نصف ديمقراطية تحت السيطرة العسكرية، لا تخشى مصيرا مشابها لمصير باكستان أو إيران أو الجزائر. لكن هل يمكن القبول بأن تبقى الديمقراطية، في هذه الدول كما في تركيا، تحت المراقبة وشكلية؟ وماذا سيحدث إذن إن انضمت تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وبات يمكن للناخبين التصويت بحرية اكثر، فهل سنجد في برلمان ستراسبورغ أربعين نائبا «إسلاميا» غير معتدلين بالضرورة؟ وماذا لو عزز وجود مثل هذه الكتلة الإسلامية الأوروبية انتخاب نواب إسلاميين في ألمانيا مثلا أو فرنسا أو غيرهما، طالما إن الطوائف الإسلامية في أوروبا الغربية أصبحت تعد بالملايين واصبح لها وجود سياسي وقانوني واسع؟ وكيف العمل مع رد فعل الأصولية الإسلامية في الدول الموطن للمجموعات المسلمة في أوروبا في حال فشل محاولات الاندماج أو في حال تصاعد العداء للأجانب؟ كما في حال تصاعد الهجمات الأصولية الإسلامية ضد الغربيين؟.

الوضع خطير، تقول «ماريان». والمستقبل لا يوحي بالتفاؤل، لاسيما في مرحلة نشهد فيها ارتقاء الإسلاميين في دول عربية واسلامية مختلفة إلى مناصب أساسية في السلطة عبر العملية الديمقراطية، أي الانتخاب. ومثال على ذلك: المغرب، باكستان، الجزائر، مصر، الأردن، البحرين وحتى لبنان.

وتعدد مجلة «ماريان» الدوافع التي تجعل من هذا المد الإسلامي اكثر قوة وشعبية: أولها الشعور بالإحباط والخيبة من تطور النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وانحياز الإدارة الأميركية لطرف دون آخر، تنامي شعور العداء لأميركا نتيجة التعجرف وانعدام الشعور بالمسئولية الذي أبدته الإدارة الأميركية بإصرارها على إعلان الحرب على العراق، انهيار الشيوعية والقومية الناصرية التي كان يدعمها الاتحاد السوفياتي سابقا، وما نتج عن ذلك من انحلال للتوجه العلماني العربي ومن أضرار اجتماعية كثيرة. لكن التحليل نفسه ينطبق على أوروبا في فترة ما بين الحربين، حين اقترع نحو 40 في المئة من الناخبين الألمان لصالح الحزب النازي، وظهرت الفاشية في إيطاليا وحققت الأحزاب اليمينية المتطرفة نجاحات متتالية في أوروبا الوسطى.

وتشير «ماريان» إلى ضرورة التمييز بين اتجاهات مختلفة بين الإسلاميين. وتلفت في هذا السياق إلى دور رئيسي للقوات العسكرية والاستخباراتية في أعمال العنف التي ترتكب باسم الإسلام، كما في الجزائر وموسكو (الشيشان). إلا أنها تسأل عن السبب الذي يمنع الحركات الإسلامية من فضح مثل هذه الممارسات باسم الإسلام. وإذ تعترف بوجود دوافع رئيسية مهمة وراء تنامي الحركات الإسلامية المتطرفة أولها الشعور بالظلم والقمع والحرمان والفساد، تختم بتأكيد أن الرئيس الأميركي في سياسته الحالية تجاه الدول الإسلامية والعربية لا يفعل سوى صب الزيت على النار، وان حربه «الوقائية» ليست سوى ضربة جديدة لأي إمكان للتطور والتقدم باتجاه الديمقراطية. وصحيح أن هناك تطرفا وان العمل الاستخباراتي يغذي أعمال العنف وان بعض أنظمة الحكم العربية والإسلامية الفاسدة والاستبدادية تولد التطرف في كل حركة معارضة. إلا أن كل ذلك لا يشكل، في رأي مجلة «ماريان»، المبرر لأية مواجهة للعنف بالعنف. فالمعركة من اجل الديمقراطية تتطلب أن يشاركنا فيها، إلى جانبنا، وبمساعدة منا، ملايين وملايين المسلمين، ولا يحق لنا أبدا التخلي عنهم والغدر بهم

العدد 88 - الإثنين 02 ديسمبر 2002م الموافق 27 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً