العدد 88 - الإثنين 02 ديسمبر 2002م الموافق 27 رمضان 1423هـ

بين الأخلاق والسياسة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لعل الحديث مكرر بالنسبة إلى كثير من الناس، فالحديث عن ارتباط السياسة بالأخلاق حديث قديم قدم الإنسانية. فأرسطو كان قد طرح قبل 24 قرنا أن الأخلاق فرع من فروع السياسة. واستمر الفهم السياسي للأخلاق قرونا طويلة حتى نهاية ما يسمى بالعصور الوسطى (حوالي العام 1500 ميلادية). فالمسيحية أكدت سمو الأخلاق على السياسة واعتبرت ان الأخلاق جزء من الدين. المشكلة هي انها ربطت الدين والأخلاق برجل الدين، وعندما فسد رجل الدين أصبح لزاما على المضطهدين الثورة عليه.

ولذلك فإن الثورات الأوروبية طلبت فصل الدين والأخلاق عن السياسة. ووصل قمة التفكير الأوروبي عن هذا الموضوع مع ميكيافيللي الذي أعلن قبل خمسة قرون أن السياسة هي أهم شيء وان الأخلاق لا علاقة لها بالسياسة من قريب أو بعيد.

الدين الإسلامي كان واضحا منذ البداية إلى الدرجة التي قال فيها رسول الله (ص): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». والسياسة المنافية للأخلاق لم يعرفها المسلمون إلا بعد عهد الخلفاء الراشدين، حتى ان عليا قال عن أحد خصومه إنه ليس بأدهى منه وإنما ذلك الخصم يغدر ويفجر.

انعدام الأخلاق في السياسة لم ينفع الإنسانية في شيء، فبسبب انعدام الأخلاق انفجرت الحروب وتطورت في القرن العشرين إلى حروب أوروبية - عالمية.

بعد الحرب العالمية الثانية شعرت الإنسانية بالحاجة إلى مبادئ إنسانية تعلو على السياسة الجافة من القيم وتطرح ضوابط في محاولة لأنسنة السياسة، وعلى هذا الأساس نشأت الحاجةإلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وحقوق الإنسان هي البعد الأخلاقي الإنساني التي من المفترض ان تسمو على المصالح الأنانية للحكام أو الدول، ولكنها بقيت مُثلا عليا غير مطبقة في السياسة الدولية. بل إن الأمم المتحدة تخصص واحدا في المئة من موازنتها لنشاطات حقوق الإنسان، وتنتهج عدد من القوى السياسية الكبرى نهجا انتقائيا واضحا تقوم بموجبه بانتقاد الحكومات المعادية ومحاربتها باسم حقوق الإنسان، بينما تساند حكومات دكتاتورية أخرى بحسب ما تقتضيه «المصالح الحيوية» لتلك الدولة.

غير ان حركة حقوق الإنسان نشطت كثيرا خارج إطار الحكومات وسعت إلى فضح الممارسات غير الإنسانية المنتشرة في أنحاء العالم. وعندما وصل بعض أنصار هذه الحركات إلى السلطة وجدوا أنفسهم في عالم غريب لا يعترف بهذه الضوابط. وهذا ما اكتشفه أحد دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، روبين كوك، عندما وصل إلى منصب وزير الخارجية البريطانية في 1997. فهو ذلك الرجل الذي وقف دائما مع حقوق الإنسان ودعا إلى اعتماد مبادئ أخلاقية لضبط العمل السياسي، ولذلك كانت أول وثيقة استراتيجية يصدرها عندما تسلم وزارة الخارجية البريطانية إعلانه إضافة «البعد الأخلاقي» إلى السياسة الخارجية، إلا انه تورط بهذا الإعلان وتورطت حكومة حزب العمال بتلك السياسة. لذلك كان أول الضحايا في التغيير الوزاري الشامل الذي جرى في العام 2001 بعد تسلم حزب العمال الحكم مرة أخرى هو «روبين كوك» نفسه، إذ تم تنزيله إلى وزير بدرجة أقل ومسئول عن شئون مجلس العموم البريطاني، لا حول له ولا قوة في تحديد أية سياسة بريطانية سواء كانت خارجية أو داخلية.

وفي العام نفسه عندما أعلنت الأمم المتحدة عزمها على إقامة مؤتمر عالمي هو الأول من نوعه لمحاربة العنصرية في أرجاء العالم وجد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان انه بحاجة إلى علماء الدين. ولذلك اعترفت الأمم المتحدة بدور مهم لعلماء الدين واجتمع معهم عنان عدة مرات وأصبح هناك حديث عن ضرورة إنشاء مجلس استشاري دائم لعلماء الدين ضمن منظومة الأمم المتحدة.

وهكذا نجد أنفسنا نعود مرة أخرى إلى الحديث عالميا ومحليا عن ضرورة إدخال الأخلاق إلى السياسة، وان الدين هو الداعم الرئيسي للأخلاق.

ولو نظرنا إلى ساحتنا السياسية الداخلية، فإن الموضوع يدور حول الأمور ذاتها، والجميع يتحدث عن الضوابط الإنسانية والضوابط الأخلاقية والضوابط الدينية للعملية السياسية. فالدستور والقانون والبرلمان والمؤسسات كلها لا قيمة لها إلا إذا كانت وسيلة لتحقيق السمو الأخلاقي والإنساني في الحياة العامة. وهذا السمو دوائره الأولى هي الأسرة والحي والنادي والجمعية قبل ان يصل إلى القرية والمدينة والدولة، وذلك لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 88 - الإثنين 02 ديسمبر 2002م الموافق 27 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً