بعد مشوار ممتد لعقود مع الكتابة القصصية والإذاعة والصحافة، ودعت مملكة البحرين، الكاتب الصحافي أحمد سلمان كمال، والذي انتقل إلى جوار ربه أمس الثلثاء (9 مايو/ أيار 2017)، عن عمر ناهز 87 عاماً.
أبّنه المثقفون وأرباب الكلم، حتى قال عنه الكاتب الصحافي إبراهيم بشمي، «صاحب قلم وتجربة صحافية هادئة ومتزنة مال بها للكتابة الواقعية المباشرة، ورحل لم يقدم كل ما في جعبته بعد على صعيد الكتابة القصصية»، فيما وصفه مدير المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي منصور سرحان، وهو يوثق مع «الوسط»، سيرة كمال، بـ «رائد القصة القصيرة في البحرين بلا منازع، وأحد رواد العمل الصحافي برصيد متراكم يمتد لستة عقود».
نصف قرن مع الكتابة
يشرع سرحان في توثيقه، فيقول «هو المذيع والصحافي والكاتب والأديب والقاص، لم يتوقف قلمه منذ أن مسكه بأنامله في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين حتى السنوات الأخيرة من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث أقعده المرض عن الكتابة».
وأضاف «ولد رحمه الله في عام 1930م بمدينة المنامة، ودخل (الكتاب) لحفظ القرآن الكريم. وبعد ختمه القرآن التحق بالمدرسة الغربية الابتدائية بالمنامة وتخرج منها في عام 1944م. تأثر بحياة والده كثيراً، فهو الطفل الذي كان يحلم أن يكون مثل والده ناجحاً في حياته العملية على الرغم من الصعوبات التي لاقاها. كان يرى والده يعيش بين الكتب، يوضح هذا الكتاب ويمعن النظر في كتاب آخر. وكانت ظاهرة حب والده للكتاب دفعت به فيما بعد إلى تأسيس ثاني مكتبة تجارية في البحرين في عام 1921م أطلق عليها (المكتبة الكمالية)».
وعلى خطى أبيه، سار كمال الابن، وفي ذلك يقول سرحان «أثرت سيرة حياة والده على حياته فقرر بعد إكمال دراسته في البحرين العمل بإحدى مجالات الإعلام، إلا أنه عمل كموظف في إدارة التموين على مدى عامين التحق بعد ذلك بالعمل في دائرة المعارف (وزارة التربية والتعليم حالياً) وقضى الفترة من (1955 و1956م) سكرتيراً بالمدرسة الشرقية الابتدائية بالمنامة، والتحق في عام 1957م بإذاعة البحرين، مذيعاً، ومقدم برامج، ومؤلفاً إذاعياً ومنتجاً، واستمر في ذلك حتى عام 1963. وعمل في الفترة من عام 1963م إلى عام 1966م مدير مطبعة جريدة الأضواء، إلا أنه وجد أن هذا العمل لا يناسبه ولا يتماشى ورغباته الإعلامية والصحافية، ما جعله يتصل بسمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة المسئول عن الإعلام آنذاك والذي عرض عليه أن يعود إلى عمله بالإعلام وبمرتبه السابق».
في العام 1966 ينتقل المرحوم أحمد سلمان كمال إلى عمله الجديد في الإعلام، تحديداً في قسم المطبوعات. يواصل سرحان الحديث «القسم هذا كان عبارة عن غرفة واحدة في بناية الزياني الواقعة في باب البحرين. وكان يعمل في تلك الغرفة إبراهيم علي إبراهيم المسئول عن إصدار وتحرير مجلة «هنا البحرين» الشهرية، وعن إصدار «الجريدة الرسمية». كما كان يعمل معهما الفنان عبدالله المحرقي حيث يعمل على الإخراج الفني. وعندما تم نقل إبراهيم علي إبراهيم للعمل في وزارة الخارجية، حل أحمد سلمان كمال محله وتحمل مسئولية إصدار وتحرير مجلة البحرين في الفترة من عام 1970م إلى عام 1973م كما تولى مهمة إصدار الجريدة الرسمية. وعمل على تطوير مجلة «هنا البحرين» من خلال استكتابه لمجموعة من البحرينيين في مجالات مختلفة».
وأضاف «تولى مسئولية الإعلام بعد الشيخ محمد بن مبارك الدكتور محمد جابر الأنصاري وذلك في عام 1969م حين عين عضواً في مجلس الدولة وأصبح رئيساً للإعلام، غير أنه لم يستمر في هذا المنصب وتركه في السابع من ديسمبر/ كانون الأول عام 1970، وأصبح الشيخ محمد بن مبارك وزير الخارجية والإعلام إلى أن عين الأستاذ طارق المؤيد وزيراً للإعلام سنة 1979م».
بصمات مهنية
استمر المرحوم أحمد سلمان كمال في عمله في الإعلام، حتى أصبح المسئول المباشر عن المطبوعات والنشر.
تفاصيل ذلك، يستحضرها سرحان «نظراً لضيق المساحة المخصصة لهذه المراقبة في مبنى دار الحكومة، فقد تم نقلها إلى مقرها الجديد بالجفير، وهو مقر مؤسسة الأيام الحالي. وفي هذا المقر تأسست إدارة المطبوعات والنشر بشكلها الصحيح وعين الأستاذ أحمد كمال في مسمى وظيفته الجديدة مدير إدارة المطبوعات والنشر».
أما البصمات، فيوضح بعضها بالقول «عمل على تطوير إدارته فأسس أول أرشيف بوزارة الإعلام وعين مسئولاً عنه يقوم بجمع المادة وتنظيمها وقسّم إدارة المطبوعات إلى قسمين هما قسم (الجريدة الرسمية)، وقسم (مجلة البحرين) أو هنا البحرين، وعين علي صالح رئيساً لتحريرها. وكان من بين كتاب المجلة: طفلة الخليفة، وسلوى المؤيد، وسلمان تقي. كما كان يعمل على إخراجها الفنان عبدالله المحرقي».
وأضاف «من بين الأمور التطويرية التي عمل على تنفيذها تأسيسه نشرة «الأخبار اليومية» والتي كانت توزع على الصحف والإدارات بمختلف وزارات الدولة».
صيت خليجي
وفقاً لما يذكره سرحان، فقد نال المرحوم أحمد كمال شهرة واسعة في مجال الإعلام على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، مضيفاً «عندما تأسست وكالة أنباء الخليج تسلم ملف الوكالة من وزير الإعلام آنذاك المرحوم طارق المؤيد وعقد الاجتماع الذي حضره وزراء الإعلام بدول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى وزير الإعلام العراقي».
وأضاف «نجح أحمد كمال كسكرتير للاجتماع، ورشحه جميع وزراء الإعلام ليترأس وكالة أنباء الخليج، إلا أن ذلك لم يحدث نظراً لاعتراض وزير الإعلام طارق المؤيد حينذاك مبيناً سبب رفضه حاجة وزارة الإعلام في البحرين لأحمد كمال، وأن البلاد بحاجة إلى أن يبقى في منصبه كمدير للمطبوعات والنشر».
التحول الصحافي الكبير
وصولاً للعام 1979، «محطة التحول الكبيرة في حياة أحمد سلمان كمال الصحافية»، على حد توثيق سرحان، وتفصيله «حينها تم اختياره ليرأس تحرير جريدة «أخبار الخليج» وقد جاء هذا الاختيار موفقاً بامتياز، وكما يقال «الرجل المناسب في المكان المناسب». وقد أثبتت الأيام مهارته الصحافية وقلمه الرصين وقدرته على متابعة الأحداث والأخبار العالمية وتحليلها بنظرة ثاقبة تنم عن ثقافة واسعة وحصيلة تجارب مختلفة».
وأضاف «عندما غادر رئاسة تحرير جريدة (أخبار الخليج) واصل كتابة مقالاته في جريدة (الأيام) فأخذ برفدها بمقالات يومية تطالب بالإصلاح على مختلف الصعد، مركزاً على القضايا التي تهم المواطن. كانت له نظرته الخاصة حول الصحافة في الخليج ودورها الفاعل الذي تلعبه على مختلف الأصعدة لخدمة أبناء المجتمع الخليجي. وفي مقابلة مع «جريدة الوطن» الكويتية في عام 1981م عبر عن مستوى الصحافة في الخليج بقوله: «إن الصحافة في الخليج تطورت ووصلت إلى مرحلة كبيرة في التعبير عن تطلعات وطموحات المجتمع الخليجي والعربي بشكل عام، وأكد أن لديها القدرة على التنبيه إلى قضايا تهم مستقبل المنطقة. كما أنها تتنبه إلى الأخطار ولو أن البعض يتهمها بالتشاؤم ولكنها مع ذلك تبقى واضحة وتنير الدرب إلى مستقبل أفضل».
وتبوأ الفقيد، منصب رئيس تحرير جريدة «أخبار الخليج» في الفترة من عام 1979م إلى 1995م، معاصراً ومساهماً بذلك في التأسيس لسجل ثقافي وسياسي، يصفه سرحان بـ «ذاكرة زمن في فترة من أشد الفترات التي عانت منها الأمة العربية من مصاعب ومشاكل سياسية وتحديات لا حصر لها».
كمال... قاصاً
في وقت مبكر، يعود لخمسينات القرن الماضي، كان المرحوم أحمد سلمان كمال يسجل اسمه كرائد للقصة القصيرة على مستوى مملكة البحرين، وليتمخض عن ذلك إرث أدبي قوامه 50 قصة.
يعلق سرحان «هو رائدها من دون منازع، فقد كتب مجموعة من القصص القصيرة، في وقت مبكر من خمسينيات القرن الماضي نشرت في الصحف وأذيعت من إذاعة البحرين»، مضيفاً «نجح في كتابة قصص اجتماعية تدعو إلى الحد من الطلاق كما تناولت قصصه مواضيع مختلفة منها: الزواج المبكر والمطالبة بعدم شرب الخمر أو لعب الميسر».
وتابع «ألف كذلك مجموعة قصص تميل إلى الأدوار المأساوية الحزينة ومنها «المجنونة»، و «جناية أب» و «الكأس الأخيرة» حيث تتخلل أسطر قصصه شعور بالموت، والتشريد والاضطهاد وكان يهدف من وراء ذلك حل مشكلة اجتماعية».
وأردف «ربط تأليفه القصص القصيرة بوسائل الإعلام المتوافرة حينذاك ومنها الإذاعة والجرائد المحلية، ورفد إذاعة البحرين بمجموعة قصص قصيرة وفق برنامجه الأسبوعي (قصة الأسبوع) الذي نال اهتمام أبناء البحرين وحرصوا على سماع القصة».
وبحسب إحصاء سرحان، فقد بلغ عدد القصص القصيرة التي ألفها المرحوم أحمد سلمان كمال، زهاء خمسين قصة معظمها أعدها لبرنامجه الخاص بإذاعة البحرين وهو البرنامج الذي استمر قرابة سنة كاملة. يستدرك سرحان متأسفاً «لم يحتفظ بقصصه التي كتبها والتي تعد ثروة أدبية قيّمة تعكس خطاب البحرين الثقافي والأدبي في عقد خمسينات القرن العشرين».
أسباب ذلك، يفصلها سرحان «يرجع سبب ضياع قصصه إلى ثلاثة أمور، الأمر الأول يتمثل في أنه لم يحتفظ شخصياً بنسخ من قصصه، أما الأمر الثاني فيتمثل في الإذاعة نفسها حيث فقدت الكثير من ملفات الإذاعة بما تحتويه من برامج مختلفة بسبب انتقال الإذاعة من مكان إلى آخر. ويتمثل الأمر الثالث في أنه قدم مجموعة من مخطوطات القصص التي كتبها إلى الباحث السعودي عبدالله المبارك الذي جاء يوماً بصدد كتابة بحث عن أدب شرق الجزيرة، فطلب جميع ما عنده من مخطوطات قصصية وسلمها إليه، مع وعد بإعادتها بعد فراغه من دراستها. ولكنها لم تعد، فأما أنها ضاعت في البريد كما يذكر، أو أنه نسي إرجاعها إليه».
موهبة قمعتها الصحافة
مع الكاتب الصحافي إبراهيم بشمي، كان الحديث عن المرحوم أحمد سلمان كمال، وبصماته.
يختار بشمي استعادة ذاكرة الطفولة، فيقول: «الأستاذ أحمد هو من (فريجنا)، فبيتهم كان مطلاً على البراحة المعروفة ببراحة (بن حديد) والتي كنا نلعب فيها. هو كبير في السن بالنسبة لعمري حين كنت صغيراً، فقد عرفته وأنا طفل، وحين كبرت اكتشفت أن والده هو أول مؤسس لمكتبة في المنامة، والمعنى في ذلك أن الكتب والمجلات التي تأتي من الخارج، ستكون بحوزته».
وأضاف «في ظلال الثقافة هذه، نشأ الأستاذ أحمد، وعلى هذه الكتب والمجلات تفتح وعيه وتراكم، ولعل هذا ما يفسر تقدمه على من هم في سنة في ذلك الوقت. بدأ أدبياً في الخمسينات، ليعبر عن نتاج هذه الثقافة، فكان مشواره مع كتابة القصص متأثراً بالتيار المصري، تيار المنفلوطي والاتجاه الذي ينظر للجوانب الاجتماعية ويقدمها بشكل مأساوي».
وتابع «بعد ذلك التحق بالوزارات، فكان مسئول المطبعة في وزارة الإعلام، كما كتب في مجلة البحرين، وكانت البدايات العملية تصب جميعها في إطار المعرفة وإطار القصص والاهتمام بالكتابة والمثقفين، ثم لما عين بعد وفاة المرحوم محمود المردي رئيساً لتحرير صحيفة أخبار الخليج، بدأ تجربة مختلفة لا تتقاطع وملامح التجربة الأدبية، ولم يملك الوقت لممارسة أدبه، فكان الانشغال بالصحافة، المطرقة اليومية التي تدق على رأس أي صحافي وكاتب، في الوقت الذي يتطلب فيه الأدب عنصر التفرغ».
وعبر بشمي عن انتقال المرحوم أحمد سلمان كمال من الكتابة الأدبية للعمل الصحافي بالقول «حين عمل في أخبار الخليج، كل الأشياء الجميلة، قمعتها الصحافة، وذلك بسبب طبيعة العمل الصحافي السريع والمستهلك لوقت صاحبه، وعليه فإن دخول الأستاذ أحمد الصحافة أدى لمنع ظهور كثير من مواهبه، وبالإضافة لذلك فقد أثر عمله الرسمي وساهم سلباً نتيجة ما يفرضه من التزام»، وعقب «وقع الأستاذ أحمد تحت هذين المحورين الذين منعا ظهور إبداعاته».
العدد 5359 - الثلثاء 09 مايو 2017م الموافق 13 شعبان 1438هـ
رحم الله فقيد البحرين الكبير وغفر له و أدخله فسيح جناته
الله يرحمه ويرحم المؤمنين والمؤمنات كان إنسان طيب ومسالم، ويحب البحرين
عظم الله أجركم
رحم الله فقيد البحرين كان خادما وابنانا بارا للبحرين والوطن العربى .