تحدث توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، عن السياسة الخارجية الأميركية بالاستناد إلى نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة، إذ أن الحزب الديمقراطي لم يعد قوة ذات تأثير في تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، معتبرا أن هذا ليس وضعا صحيّا، فلا يمكن أن تكون هناك سياسة خارجية من دون أن تكون ثمة معارضة داخلية ذكية تحافظ على الشرف.
وأوضح فريدمان، أن أحد كبار الدبلوماسيين الأوروبيين شكا أمامه من عدم توازن سياسة فريق الرئيس بوش تجاه الشرق الأوسط والتي تتعلق بذكر الحقيقة للفلسطينيين أنهم يحتاجون إلى زعيم جديد وعدم ذكرها للإسرائيليين أنهم يحتاجون إلى تأمين طريقة للخروج من المستوطنات ما دفع بفريدمان، إلى سؤاله: «بماذا يرد كولن باول، حينما تقول له ذلك؟». فقام الدبلوماسي بتقليد باول، عندما يرفع حاجبيه وكأنه يقول: «أنت تعلم ما أؤمن به، وتعلم انني لا أستطيع أن أفعل أي شيء بصدده مع هؤلاء المجانين في هذه الإدارة»!
وتابع فريدمان: إنه لغياب تأثير الحزب الديمقراطي فإن الحزب المعارض الحقيقي في مجال السياسة الخارجية هو «ديمقراطيو الأمر الواقع» أي كولن باول وجون ماكين ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير. وهؤلاء يمثلون الأصوات الوحيدة التي يمكن أن تكبح اندفاعة الرئيس الأميركي. وهم الذين دفعوا بوش إلى الذهاب إلى الأمم المتحدة قبل غزو العراق، وكان المتشددون غاضبين من ذلك لأنهم يخافون ألا يجد المفتشون أي شيء وينجو العراق من خطر الغزو. لكن احتمال أن ينصاع صدام تماما للأمم المتحدة مثل أن يتقبل مايك تايسون، علاج السيطرة على الغضب.
الإرهاب: الموضوع المحبب
وتابع فريدمان: إن بوش بتمرير موضوع العراق إلى الأمم المتحدة كسب تأييدا جماهيريا أكبر لأي حرب. ومن هنا عرّج فريدمان على موضوعه المحبب «الإرهاب» والشارع العربي وما يسميه «الأقبية العربية»، وقال: إن الطائرات الحربية ضرورية للقضاء على النواة الصلبة «للإرهابيين» الذين تركوا الشارع وذهبوا إلى الأقبية وساروا بعيدا عن القنوات الدبلوماسية ملتزمين بالعنف. وتابع فريدمان: إنه إذا لم تحاول أن تغلق الباب تماما بين الشارع والقبو بالدبلوماسية، فإن ما يحدث هو انه بمجرد أن يقتل أربعة أشخاص في القبو سينزل إليه أربعة آخرون من الشارع ليحلوا محلهم. وختم فريدمان: انه «إذا كانت الطائرات الحربية التي تطلق الصواريخ هي اليد الأميركية الوحيدة الممتدة للعالم فإن الأميركيين في ورطة».
وكتب بيتر بويمونت وفيصل إسلام في «الأوبزرفر» البريطانية عن دور النفط في المعركة الدبلوماسية التي جرت في مجلس الأمن، ولفتا إلى أن الدول تتسابق على وضع اليد على ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم. وأكدا أن السيطرة الأميركية على النفط العراقي ستؤدي إلى تدمير منظمة أوبيك التي يعتبرها المحافظون الجدد في الإدارة الأميركية «شرا» ومضرة بالمصالح الأميركية.
نفط العراق ما بعد صدام
وفي التفاصيل أشار الكاتبان إلى ان زعيم المجلس الوطني العراقي (المعارض) أحمد جلبي، اجتمع بالمديرين التنفيذيين لثلاث شركات نفط أميركية متعددة الجنسيات، للبحث في سبل التنقيب عن الاحتياطات النفطية العراقية في عراق ما بعد صدام حسين. ولفت الكاتبان إلى انه على رغم وجود اتفاقات نفطية بين روسيا وفرنسا والصين مع العراق، فإن جلبي كان واضحا عندما أطلع صحيفة «واشنطن بوست»، على أن الشركات الأميركية سيكون لها نصيب الأسد من النفط بعد الإطاحة بصدام حسين. وأعرب الكاتبان عن اعتقادهما بأنه ما من شكّ أن موضوع الاحتياط النفطي العراقي يلعب الدور الرئيسي في السجالات التي جرت في مجلس الأمن بشأن القرار المتعلق بالعراق. فالدول تتسابق لوضع اليد على ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم. ولفتا إلى ان تيار المحافظين الجدد داخل الإدارة الأميركية وخارجها، هو الذي يتولى اليوم وضع الخطط بشأن النفط العراقي. وهذا التيار لطالما اعتبر أن السيطرة الأميركية على النفط العراقي ستؤدي إلى تدمير منظمة أوبيك، التي يعتبرونها «شرا» وتضرّ بالمصالح الأميركية.
عودة المفتشين وقرار الحرب
وفي الشأن العملي، لاحظت المسئولة عن الدراسات الشرق أوسطية في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية في «نيويورك تايمز» راشيل برونسون، أن الولايات المتحدة تبدو اليوم مقيدة بالجدول الزمني الخاص بعملية التفتيش في العراق، موضحة أن القرار 1441، ينص على أن المفتشين الدوليين لديهم مهلة معينة لبدء عملية التفتيش، وأن عليهم أن يقدموا تقريرهم في 21 فبراير/ شباط المقبل، إلى مجلس الأمن الذي سيتولى بدوره دراسته ومناقشته. وبالتالي رأت برونسون أن الإدارة الأميركية ستكون أمام خيارين: إما البدء فورا بتحرك عسكري ضدّ العراق، قبل مناقشة تقرير المفتشين الدوليين في الأمم المتحدة، ومن دون التحضير بشكل كاف لهذا الهجوم؛ وإما التحضير لهجوم عسكري في الربيع، أي بعد مناقشة تقرير المفتشين، وعندها ستكون الحرارة مرتفعة، والظروف المناخية قاسية جدا.
ورأت برونسون أن الخيار الأول سيقضي على كل الدعم الدولي لتوجيه ضربة عسكرية ضد العراق. أما الخيار الثاني فسيكون خيارا عسكريا غير مسئول. وأضافت برونسون أن الحلّ الأنسب هو تأجيل العملية العسكرية إلى الخريف المقبل. إذ أنه طوال هذه الفترة فإن العراق سيستمر في لعبة القط والفأر. وهذا الأمر سيعزز موقف واشنطن الداعي إلى الحرب. وأضافت أن مثل هذا التأخير سيسمح لواشنطن أيضا بالتفكير مليا في مستقبل العراق والتحضير إلى ما بعد انتهاء القتال. إلاّ أنها رأت أخيرا أنه يجب البدء في العمل الدبلوماسي منذ الآن.
فتّش عن «إسرائيل»
أخيرا، فتّش عن إسرائيل، والصحيح أنه أولا وأخيرا فتش عن الدولة العبرية، فقد لفت جون دايموند في «يو أس آي توداي» استنادا إلى معلومات استخبارية أميركية إلى أن إسرائيل تلعب في السرّ دورا أساسيا في التحضيرات الأميركية للحرب المرتقبة على العراق. ونقل عن مسئولين في جهاز الاستخبارات والدفاع الأميركي أن إسرائيل تلعب في السرّ هذا الدور الأساسي في التحضيرات العسكرية إذ تساعد في تدريب الجنود والقوات البحرية، كما تقوم ببعثات مراقبة في الصحراء العراقية الغربية. وهي تسمح باستخدام أراضيها مستودعات للمستلزمات الحربية للقوات الأميركية.
ونقل عن المسئولين أنفسهم أن ما تقوم به إسرائيل يهدف إلى تقليص مدة الحرب مع العراق، وإلى إبقاء إسرائيل بعيدة عنها. ورأى رايموند أن العمل مع إسرائيل فيما يتعلق بالحرب هو أمر حساس للغاية، إذ أنه قد يقطع أي دعم محتمل من الدول العربية الصديقة لأميركا، في حربها ضدّ العراق.
بيروت - آمنة القرى
العدد 88 - الإثنين 02 ديسمبر 2002م الموافق 27 رمضان 1423هـ