يصادف السابع من شهر مايو/ أيار يوم الصحافة البحرينية، وهو يوم علينا الاحتفاء به باعتبار البحرين رائدة في إصدار الصحف في المنطقة، ولها تاريخ صحافي مشرف.
فقد عرف أبناء البحرين الصحافة في وقت مبكر جداً، حيث يرجع تعامل أبناء البحرين مع الصحافة إلى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر الميلادي. وكان لوجود مجموعة من أبناء البحرين يعملون بالتجارة في الهند في القرن التاسع عشر الميلادي أثره الكبير في مطالعة الصحف التي تصدر هناك باللغتين الإنجليزية والأوردو، وخاصة أن أبناء العوائل البحرينية الذين عاشوا هناك لسنوات طويلة أتقنوا اللغتين من خلال دراستهم في مدارس بومبي (مومبي حالياً). واستفاد هؤلاء عند عودتهم إلى الوطن من الخدمات التي كانت تقدمها مكتبة الإرسالية في المنامة التي تأسست العام 1894م على يد صموئيل زويمر وكانت تعرض بعض الصحف التي تصدر في بريطانيا.
عرف المواطن البحريني الصحافة العربية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي. ومن بين أقدم المجلات العربية التي تعرف عليها المواطن البحريني: المقتطف، والمنار، والعروة الوثقى، إضافة إلى جريدة الأهرام، وشارك المواطن البحريني بطرح أسئلة في مجلتي المقتطف والمنار المصريتين منذ أكثر من مئة عام. ومن بين الذين ساهموا بكتابة أسئلة وتم نشرها في مجلة (المقتطف) الشيخ حسين مشرف الذي طرح سؤالاً على المجلة العام 1899م بشأن النطق الطبيعي متأثراً بقصة (حي بن يقظان). وطرح ناصر الخيري سؤالاً في العام 1910م بشأن بيع الرقيق. كما بعث رسالة إلى (المنار) نشرت في العدد الصادر في شعبان العام 1331هـ طرح أسئلة بشأن مناسك الحج والتي منها: ما الفائدة من تقبيل الحجر الأسود؟ وما الحكمة في الهرولة بين المروتين.
ويوثق التاريخ اهتمام الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين باشتراكه في الكثير من المجلات التي كانت تصدر في الوطن العربي ودول المهجر، والتي بلغ عددها قرابة سبع وعشرين مجلة كان يعرضها في مكتبة مجلسه آنذاك بالمحرق.
ساهم أديب البحرين الكبير الأستاذ إبراهيم العريض بقلمه في الكثير من المجلات العربية التي كانت تصدر في سنوات مختلفة من النصف الأول من القرن العشرين. فكان ينشر قصائده في مجلة (الرسالة) المصرية العام 1934م، كما نشر بعض نتاجه الأدبي في مجلة (الأماني) البيروتية العام 1935م، وفي (جريدة البحرين) بين العامي 1939م 1940م، والمقتطف المصرية في العام 1947م و (الأديب) اللبنانية بين العامي 1945م 1955م، و (صوت البحرين) العام 1950م، و (الآداب) العام 1953م.
كان للمكتبات التجارية دورها الكبير والفاعل في تعريف المواطن البحريني بالصحف العربية المهمة التي كانت تنشر حينذاك من خلال توفيرها الكثير من الجرائد والمجلات المهمة التي تصدر في الوطن العربي في عشرينيات القرن الماضي، وبصورة خاصة بعض الصحف التي تصدر في مصر ولبنان وسورية. فقد كانت الريادة في استيراد الصحف العربية ترجع إلى المكتبة الكمالية لصاحبها سلمان أحمد كمال التي أسسها العام 1921م. فكانت تصلها من مصر عن طريق البحر: المقتطف، والمنار، والأهرام، والهلال، والمصور. كما أصبحت الموزع الوحيد في البحرين لمجلة (الكويت) التي يصدرها عبدالعزيز الرشيد والتي تحولت فيما بعد إلى (الكويتي والعراقي). وفي أربعينات القرن العشرين تنازل عن جميع الوكالات لديه الخاصة بجلب وتوزيع الصحف لمكتبة المؤيد التي جلبت مجلات جديدة منها: المصور، والجيل، ومنبر الإسلام، ولواء الإسلام، والبعكوكة (مجلة أطفال) والموعد، وروز اليوسف، والأحد ومجلة السندباد وهي مجلة أطفال أيضاً، إضافة إلى بقية الصحف التي كانت ترد إلى المكتبة الكمالية.
ساهمت الكثير من العوامل في إصدار الصحف المحلية في البحرين، والتي منها ما سبق ذكره، إضافة إلى بروز المؤسسات التعليمية والثقافية التي شقت طريقها في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وحتى العام 1939م وهو العام الذي صدرت فيه (جريدة البحرين) أول جريدة تصدر في البلاد. وتتمثل تلك العوامل في انتشار المدارس، والأندية، والمكتبات الخاصة والتجارية، والمطابع، والسينما.
بعد مرور عقدين من الزمن على افتتاح أول مدرسة نظامية في البحرين في العام 1919م وهي مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، برزت طبقة متعلمة وسط مجتمع كان يزخر بالأميين آنذاك. وكان لهذه الطبقة المتعلمة طموحاتها الرامية إلى بث الوعي بين الشباب. وساهم في إذكاء هذا الوعي التحسن الذي طرأ على أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إبان ثلاثينات القرن العشرين، وذلك بفضل استخراج النفط. وجاءت الحرب العالمية الثانية خالقة بذلك أوضاعاً جديدة، فأصبح التطلع إلى معرفة أوضاع العالم، وأخبار مجريات الحرب من خلال صحافة محلية من الأمور المهمة والمطلوبة شعبياً. الأمر الذي أدى إلى بروز مجموعة من الشباب المثقف آنذاك تحملوا مسئولية تأسيس الصحف المحلية، فأصبحوا رواداً في مجال تأسيس وإصدار الصحف المحلية.
كان لرواد الصحافة في البحرين دورهم المميز وجهدهم الكبير الذي بذلوه من أجل تأسيس الصحافة في البحرين، على رغم الصعوبات والمضايقات التي اعترضت طريقهم من قبل سلطة الحماية البريطانية آنذاك. وبفضل صبرهم وتضحياتهم تمكنوا من تأسيس صحافة محلية يعود تاريخها إلى العقد الثالث من القرن العشرين، مروراً بعقد الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي. والرواد الذين كان لهم دور كبير في نشأة الصحافة المحلية هم: عبدالله الزايد ، محمود المردي، علي سيار، حسن جواد الجشي، عبدالله الوزان، إبراهيم حسن كمال، أحمد يتيم، إبراهيم علي إبراهيم، تقي البحارنة، أحمد سلمان كمال، عبدالرحمن عاشير، محمد قاسم الشيراوي، عبدالله المدني، وجميع هؤلاء يلتقون في خندق واحد يتمثل في الاشتراك في الحركة الوطنية والمطالبة بالإصلاح. وقد وظفوا أقلامهم لخدمة وطنهم ومناصرة القضايا القومية العربية وبصورة خاصة قضية فلسطين.
لاقى هؤلاء الرواد وبخاصة الذين برزوا في خمسينات القرن الماضي مضايقات من سلطة الحماية البريطانية، إلا أن إيمانهم بحبهم لوطنهم جعلهم يقفون في وجه سلطة الحماية دون خوف من المصير المجهول الذي كان ينتظرهم.
كان أول الرواد الذين تحملوا مسئولية إصدار الصحف المحلية في البحرين عبدالله الزايد الذي يعد الأب الروحي للصحافة البحرينية حيث أصدر أول جريدة في البلاد حملت اسم (جريدة البحرين) وذلك قبل الحرب العالمية الثانية بستة أشهر تقريباً، وقد أراد الزايد أن يجعل من جريدته منبراً حراً لخدمة البحرين ومنطقة الخليج العربي. وأفسحت الجريدة مساحة لنتاج الأدباء والشعراء في البحرين ومنطقة الخليج العربي. وتوقفت الجريدة في 15 يونيو/ حزيران العام 1944م. وبعد توقفها بعام واحد توفي الزايد تاركاً أثره الخالد بإصداره أول جريدة في تاريخ البحرين.
شهد عقد الخمسينات من القرن العشرين صدور مجموعة من الصحف تمثلت في (صوت البحرين)، و (القافلة)، و(الوطن)، و (الميزان)، (الخميلة). وكانت توجهات تلك الصحف عدا (الخميلة) توجهات قومية ومقارعة سلطة الحماية البريطانية ما أدى بالإنجليز إلى إيقافها جميعاً في العام 1956م. واستمر الوضع هكذا حتى العام 1965م حيث صدرت (جريدة الأضواء) التي توقفت في العام 1993م.
تعد فترة السبعينات من القرن العشرين البداية الحقيقية لإصدار صحيفة يومية بشكل مستمر حتى يومنا هذا وهي (جريدة أخبار الخليج) تلتها جريدة يومية أخرى هي (جريدة الأيام) التي صدرت في عقد الثمانينات.
وبتولي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم في البلاد شهدت البحرين ازدهاراً حقيقياً في إصدار الصحف بشكل فاق التصور، وذلك نتيجة المشروع الإصلاحي الذي تبناه جلالة الملك والذي أثمر عن انبثاق ميثاق العمل الوطني الذي كفل حرية الكتابة والتعبير والنشر. فقد بلغ عدد الصحف التي صدرت في عهد جلالته حتى يومنا هذا سبع صحف هي: الوسط ، والعهد، والميثاق، والوطن،والوقت، والبلاد، والنبأ... وبهذا يكون عهد جلالة الملك العصر الذهبي لإصدار الصحف المحلية في تاريخ مملكة البحرين.
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 5356 - السبت 06 مايو 2017م الموافق 10 شعبان 1438هـ
صباح الخير!
صل على النبي عاد يا دكتور
لا تخلينا نسرح واجد في الحاضر المشرق
كل الصحف المحلية ما =الوسط