العدد 87 - الأحد 01 ديسمبر 2002م الموافق 26 رمضان 1423هـ

الإسلام والديمقراطية... إلى أي مدى يتوافقان؟

الصحافة الفرنسية والنموذج التركي

إيمان شقير comments [at] alwasatnews.com

.

في الأسابيع الأخيرة توجهت دول إسلامية عدة إلى صناديق الاقتراع وكانت النتائج نفسها: أحزاب إسلامية «معتدلة» وصلت إلى السلطة انعكاسا طبيعيا، في رأي المراقبين، للرأي العام الشعبي. في باكستان فازت القوى المقربة من الإسلام السياسي المعتدل بغالبية مقاعد البرلمان. وفي الجزائر لم يتغير ميزان القوى المائل بقوة لصالح الإسلاميين الأصوليين بعد أن قررت الجبهة الإسلامية للانقاذ عدم المشاركة في الاقتراع. في المغرب، استقت القوى الرئيسية التي تشكل غالبية مقاعد البرلمان مصادرها من الأيديولوجية الإسلامية. وفي البحرين، فاز الإسلاميون بالمقاعد المنتخبة في البرلمان.

إلا أن التطور اللافت والأكثر أهمية والذي ركزت عليه الصحف الفرنسية اكثر من غيره، كان النتائج المذهلة التي حققها الإسلاميون في تركيا التي «تفتخر» بنظامها العلماني، حين أسفرت الانتخابات الأخيرة عن فوز حزب العدالة والتنمية بغالبية ثلثي مقاعد البرلمان وأعلن قيام أول حكومة إسلامية كاملة في تاريخ تركيا في خطوة أنهت 15 عاما من سيطرة الحكومات الائتلافية على البلاد. فإذا استطاعت هذه التشكيلة الحكومية الجديدة - تقول الصحافة الفرنسية - إدارة تركيا التي تعيش اليوم في أزمة معقدة، فسيكون لنموذجها انعكاسات مهمة على كل الحركات الإسلامية في العالم. وسيظهر ان كان يمكن قيام «علمانية إسلامية».

علمانية إسلامية؟

اختار الإسلاميون ورقة الديمقراطية ليجدوا لأنفسهم مكانا على الرقعة السياسية. فإلى أي مدى يمكن للإسلام أن يتوافق مع هذه الأيديولوجية (الديمقراطية) التي يعتبر الغرب انه أساس وجودها؟. هذا السؤال طرحته مجلة «لوكورييه انترناسيونال» الفرنسية واستشهدت بمقالات من صحف أجنبية مختلفة تحاول الإجابة عنه. وتنقل عن صحيفة «سودوتشي زتانغ» الألمانية مقالا عن تركيا جاء فيه: لم تكن العلاقات بين الكنيسة والدولة في أوروبا علاقات بسيطة وسهلة، فلماذا لا يكون ذلك النموذج للعالم الإسلامي. فإذا كانت المسألة تتعلق بدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فقد أضحت مسألة اكثر صعوبة بسبب فوز حزب إسلامي، ولو كان يعتبر نفسه مواليا لأوروبا، بالانتخابات البرلمانية الأخيرة. كما بسبب ضغوط واشنطن التي تريد ربط تركيا بأوروبا لاعتبارات سياسية متعلقة بحلف الأطلسي.

وتضيف الصحيفة: أن الطريق الذي سلكته أوروبا وصولا إلى العلمانية كان مليئا بالتناقضات والمنعطفات مما يترك الهامش واسعا للمناورة أمام أية محاولة مسلمة لحذو حذوها.

ففي أوروبا أيضا كان يجب وضع دساتير ديمقراطية قبل أن تستطيع تطوير أحزاب مسيحية ديمقراطية. ويعتبر اقدم مفهوم للديمقراطية المسيحية ذلك الذي وضع بين العامين 1840 و1870. لكن السلام بين الكنيسة والديمقراطية لم يحدث فعلا سوى بعد الحرب العالمية الثانية.

ففي ألمانيا وإيطاليا قاتلت السلطة التقدمية ضد الكنيسة الكاثوليكية وحدثت انتهاكات ضخمة لحقوق الإنسان. أرغم الرهبان على تأدية الخدمة العسكرية وتم إقفال الأديرة.

وكان الكاثوليك بمثابة أعداء الأمة. وان فكرة أن ديمقراطية مسيحية يمكن أن تصبح مع الحركة العمالية الجسر الأساسي بين المجتمع الأوروبي القديم وديمقراطية الجماهير الحديثة فإنها لم تتحقق إلا بعد مواجهة الهرمية الدينية الرجعية والدولة التقدمية القمعية معا.

وإذا استعدنا تاريخ الكنيسة - تضيف الصحيفة الألمانية - لوجدنا أن ما شهدته أوروبا في ذلك الحين يماثل الوضع الذي يسود المجتمعات الإسلامية اليوم. فمن يحلم بتوافق بين الإسلام والديمقراطية لا يفترض به أن يحسب حساب ممثلي الشريعة المتشددين. بل أن ضامني العلمانية الأقوياء، أي الأجهزة السياسية والعسكرية، الاستبدادية والفاسدة ليست اقل خطرا. ففي السجون العسكرية للجيوش الغربية، وخصوصا في تركيا، يمارس التعذيب. والمعسكران ينتهكان حقوق الإنسان ويستخفان بها.

وترى الصحيفة الألمانية أخيرا «انه نظرا إلى وجود النموذج الأوروبي... فيمكن التوفيق بين الديمقراطية والقناعة الدينية عندما تستطيع الديمقراطية ممارسة وظائفها.

غير أن الطموحات الديمقراطية للشعوب المسلمة تتطلع اليوم نحو الأحزاب الإسلامية اكثر مما تتطلع نحو الممثلين القوميين الذين خاب أملهم من انهيار مفهومهم للتحديث ومن أي إمكان للعلمنة.

وبالتالي، هناك واقع يجب أخذه في الاعتبار وهو أننا بإخمادنا للحماسة الدينية سنزيد من حدة النزاع. وانه يجب على الاتحاد الأوروبي إذا دمج تركيا في أوروبا أن يصر على مسألة الدستور الديمقراطي ودولة القانون وألا يساوم إطلاقا على هاتين المسألتين.

حين مات فرانكو العام 1975، استبعد الجميع كل إمكان لعودة الاستقرار إلى أسبانيا.

لكن دخولها أوروبا هو الذي أتاح فعلا دمقرطة البلاد إلى الأبد. وما حصل في اسبانيا كان تردادا لما حصل قبلا في ألمانيا... فلماذا لا يصح أيضا على تركيا؟... وان أوروبا من خلال عملها مع حكومة إسلامية (في تركيا) ستتاح لها الفرصة أن تساهم في تطور ستكون له انعكاساته المهمة على تاريخ العالم، تطور سيكون لمصلحتنا جميعا وسيسجله التاريخ هو: إيجاد نموذج لانصهار الإسلام والديمقراطية

العدد 87 - الأحد 01 ديسمبر 2002م الموافق 26 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً