ثمة شكوى عربية وإسلامية مرة مما يعتبرونه صورة مشوهة لهم في الإعلام الغربي وخصوصا الأميركي. وتذهب الشكوى إلى حد الحديث عن نوايا وأهداف مسبقة أو مبيتة لهذا الإعلام في تصويره للعرب والمسلمين على نحو مسيء، فهم بنظره مجرد «إرهابيين» أو «بدو» متوحشين لا ضمير لهم، يقتلون لمجرد القتل ويكرهون المدنية و«الفرح» ويعتدون على المدنيين كما حصل حديثا في ممباسا (كينيا).
وعلى رغم ذلك فإن الشكوى العربية والإسلامية، لا تعدم اقتراح الحلول في الوقت نفسه لعلاج هذه الظاهرة، فهي تطرح جملة حلول، منها أن يبادر العرب والمسلمون إلى إيجاد وسائل كفيلة بتصحيح تلك النظرة سواء على الصعيد الإعلامي او السياسي. ويرى كثير من أنصار هذه الشكوى علاوة على الأهداف المسبقة أو المبيتة أن ذلك التشويه يعود إلى الجهل بالواقع الحقيقي للعرب والمسلمين.
نحن إذا أمام ثلاثة مستويات للموضوع، أولا واقعة الصورة المشوهة للعرب والمسلمين في الإعلام الغربي، وثانيا سبب هذا التشويه هو النوايا المبيتة والجهل، ثالثا ضرورة تصحيح هذا التشويه عبر الإعلام والسياسة. هذه المستويات تقدم عادة في الخطاب العربي الإسلامي، هكذا من دون تحفظ، وفي كثير من الأحيان من دون تدقيق. وسنحاول أن نفحصها بطريقة نسبية تفاديا للمغالاة في تهويل المشكلة او التهوين منها.
واقعة التشويه
يعترف بعض الغربيين (لا سيما من الباحثين والأكاديميين) بأن ثمة صورة نمطية تشكلت في الإعلام الغربي عن العرب والمسلمين منذ عقود. وهذه الصورة تنسب إلى العربي او المسلم كل ما هو سلبي ومعاد للتمدن والتحضر. وهي صورة أقرب في بعض الأحيان إلى الكاريكاتير منها إلى الكائن البشري ذي الامتدادات الاجتماعية والثقافية والسياسية.
بمعنى أنه عند تصوير العربي او المسلم، لا ينظر إلى ظرفه الاجتماعي وبيئته التي شكلت بنيته المعرفية وسلوكه، كما لا ينظر إلى ظرفه السياسي، والواقع الذي يعيش فيه وتأثير ذلك على نظرته إلى الأشياء ونمط تفسيره للظواهر والحوادث السياسية. كما لا ينظر إلى ظرفه الثقافي، وأن العرب والمسلمين هم دول وشعوب مختلفة تتكلم لغات شتى، وتنتمي إلى بيئات ثقافية متنوعة. يختزل ذلك كله في صورة تقدم إلى القارئ او المشاهد الغربي عن الإنسان العربي او المسلم، كما لو انه مخلوق نزل من الفضاء أو خرج من الكهوف.
لكن من الناحية الأخرى فإن هذه الصورة لم تكن واحدة في كل الأوقات. الواقع أنها اتخذت أشكالا مختلفة، من وقت إلى آخر. فالرحالة الغربيون المتأخرون وموظفو الدول الاستعمارية الذين احتكوا بالعرب والمسلمين وعاشوا بينهم حتى مطلع القرن العشرين على الأقل، نقلوا صورة هي أقرب إلى الواقع، لم يخالطها الكثير من التشويه المتعمد، بينما في العقود النفطية الأولى انشغل الإعلام الغربي بنحت صورة للعربي والمسلم تظهره بدويا كسولا، يميل إلى اللهو وإشباع الشهوات وتبذير الأموال. ووجد هذا الإعلام مادته في أفواج العرب التي تزور بعض المدن الأوروبية.
من الكسول إلى الإرهابي
أما في العقود الأخيرة، منذ الثمانينات وحتى اليوم، فإن صورة الإرهاب والقتل غدت ملازمة للعربي والمسلم، لاسيما بعد المجازر وحوادث القتل المؤلمة في الجزائر ومصر وأفغانستان وغيرها. وهنا ينبغي أن نلاحظ وبقدر من الموضوعية أن صورة العربي أو المسلم في الإعلام الغربي تغيرت بتغير الحوادث في الدول العربية والإسلامية. وان بقي عامل التشويه قائما، وهذا صحيح، إلا أن صورة التشويه كانت تستمد في جزء كبير منها، أساسها أو نواتها الأولية مما يحدث في المجتمعات العربية.
ويمكن القول ان تداخلا وتعاضدا ما بين بعض مظاهر الواقع العربي المتخلف، وبين الحاجة إلى الاثارة والتنميط في الإعلام الغربي، كان لهما دور في انتاج الصورة التي يجري الحديث عنها.
أسباب التشويه
يثير هذا المستوى عدة إشكاليات أولا إذا كان التشويه متعمدا ومبيتا، أي أن جهة في الغرب لها مصلحة في بلورته واتخاذه الطريق المعروف، فإنه ما من شيء يستطيع أن يغير هذه الصور، وما من وسيلة لاقناع هذه الجهة، فهي تتصرف وفق جدول أعمال واضح ومحدد. وبالتالي فإن ثمة موقفا غربيا مسبقا من قضايانا، وهذا في حد ذاته يجعل من كل المحاولات الرامية إلى تعديل الصورة مجرد عبث لا طائل من ورائه.
الإشكال الآخر أنه إذا كان الجهل هو مصدر هذا التشويه فإننا نفترض أن الإعلام الغربي لا يعرف أو لا يستطيع أن يعرف او لا يهمه أن يعرف حقيقة الأوضاع في الدول العربية او الإسلامية، ولكن مثل هذا التصور ينقصه الكثير من الدقة والقدرة على الإقناع، فعلى رغم كل ما يقال هنا أو هناك، تبقى حقيقة أن الإعلام بطبيعته يبحث عن كل ما هو جديد ومختلف ومثير.
وللإعلام الغربي باع طويل في العمل في منطقتنا العربية الإسلامية، سواء كان ذلك بسبب المصالح الكبيرة للدول الغربية او لكثرة الصراعات والحوادث التي تعج بها. يكفي أن التغطيات الصحافية عن المنطقة، حتى عهد قريب كان مصدرها الإعلام الغربي بالذات. ولايزال الكثير من الأخبار والمعلومات التي يجري تداولها في الفضاء العربي والاسلامي العام، انما يتم الحصول عليها وبلورتها عبر هذا الإعلام بالذات.
فالجهل هو آخر ما يمكن أن يوصف به الإعلام الغربي، إن رمنا أن نزيل مسحة البساطة عن هذا الجانب من المشكلة.
والإشكالية هنا أن الكثير من عناصر الصورة التي نكونها نحن عن انفسنا وعن مجتمعاتنا، هي عناصر مصدرها غربي بالأساس. فالإعلام الغربي إذا لا يقوم فقط بتنميط صورة العربي أو المسلم لدى المشاهد الغربي فحسب، وإنما هو أيضا يقدم لنا بعض هذه العناصر كي نكوّن بها صورا عن الآخرين.
وفي هذا الصدد لماذا لا نولي قدرا معينا من الاهتمام بما إذا كانت ثمة أسباب للتشويه كامنة في الواقع العربي او الإسلامي نفسه، ومن ثم توجيه بعض النظر إلى هذه الأسباب.
وسائل إزالة التشويه
أول ما يخطر على ذهن الفرد العربي أو المسلم في هذا الصدد هو أننا بحاجة إلى وسائل إعلام موجهة وقوية تصل إلى الغرب عبر فهم منطقه والتحدث إليه بلغته والتعامل معه بالاساليب نفسها. فإن صرنا إلى تحقيق ذلك أمكننا أن نزيل التشويه الذي ينزله بصورتنا وبصورة ثقافتنا. وهذا التفسير يختزل المسألة كلها في إطار «لبس» أو «سوء تفاهم» أو «جهل» يمكن إزالته كما نزيل أفكار شخص حين نسارع إلى إطلاعه على الحقيقة وإخباره أن ما لديه من انطباع سببه كذا وكذا. فهل المسألة هي «جهل» او «سوء فهم»؟ نأمل ذلك.
ولكن مسألة الإعلام او الوسائل الأخرى التي سيوكل إليها «تصحيح» صورتنا لدى الإعلام الغربي، مع ذلك ليست بالسهولة التي تطرح بها. فقبل الحديث عن مستوى هذا الإعلام ونوعيته والطرق التي سيسلكها، لابد ان نبحث الواقع الذي ينطلق منه هذا الاعلام.
الواقع أن أي اعلام ناجح لابد له من ان ينطلق من حقيقة صحيحة وواقعية على الأرض، كي يكتسب هو نفسه قدرا من الصدقية. فالاعلام مثل السياسة لابد له من ان يعكس قدرا من حقيقة الجهة التي تعبّر عنه، عدا انه لا يستطيع ان يكون ناجحا وفاعلا من دون ان يملك هامشا واسعا من حرية التعبير عن ذاته. وفي مجمل القول فإننا ربما كنا، ونحن نناقش ظاهرة مهمة بالنسبة إلى الكثير من العرب والمسلمين، مثل الصورة السلبية عنهم في وسائل الاعلام الغربية، بحاجة إلى فهم اعمق وأدق لواقعنا ومشكلاتنا.
اننا حتى وإن اثبتنا صحة النظرة التآمرية والنوايا المسبقة او المتعمدة لدى الآخرين، في النظر إلينا، فإن هذا لن يعفينا من ان ننظر إلى انفسنا قليلا أو كثيرا، وان نصلح من واقع حالنا.
وفي هذا الصدد هناك بعض الأسئلة التي ربما تحتاج إلى تخصيص مساحات اخرى للحديث عنها، لكنها مفيدة الآن كي نختم بها هذا المقال.
من هذه الأسئلة: هل نحن نعرف أنفسنا (مجتمعات او أفرادا داخل مجتمعات) حقيقة وكما نتحدث عن ذلك في العادة؟ هل ثمة اتفاق على تشخيص المشكلات والقضايا المشتركة، التي يجري الحديث عنها دائما بصيغة واحدة ومن دون وضع اعتبار للتمايز او الاختلاف؟ هل ما يبدو اننا متفقون عليه «بداهة» من قضايا (وسواء تعلقت بالتاريخ او بالثقافة او بالسياسة او بالحياة العامة) يعكس واقع الحال فعلا؟
المذهل كثيرا ان حدثا واحدا، مثل الازمة الجزائرية يجري بيننا وأمام اعيننا، ومع ذلك فإن الآراء والمواقف حوله تتباين إلى درجة كبيرة وبحيث يتعذر الوصول إلى حقيقته، فما بالك بحوادث وقعت قبل عشرات او مئات السنين... من يستطيع ان يصل فيها إلى قرار؟
العدد 87 - الأحد 01 ديسمبر 2002م الموافق 26 رمضان 1423هـ