العدد 86 - السبت 30 نوفمبر 2002م الموافق 25 رمضان 1423هـ

الثقافة الحكومية في مواجهة التحديات

راشد محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

يدور حديث المجتمع هذه الأيام حول التشكيل الوزاري والتحديات الصعبة التي ستواجه الأعضاء الجدد، وخصوصا فيما يتعلق بسياساتها والانطباع العام هو أن هذه التشكيلة الوزارية قد لا تحقق في الغالب الطموحات التي حركتها المسيرة الديمقراطية في البلاد، حتى لو استمرت سياسة العلاقات العامة في التعامل مع الحقائق السياسية والاقتصادية الصعبة مثل واقع عدم التوصل إلى وفاق عام على الدستور، وبالتالي عدم اشراك القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة على الساحة في العمل السياسي المقبل، مع الاستمرار في العمل التنفيذي من خلال تشكيلة وزارية من الموظفين لا يربطهم برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي مشترك.وبسبب الفساد الاداري المستشري، وغياب التنسيق، والتقصير في تطوير البنى التحتية أو الخدماتية المساندة للاستثمار، واستمرار الهدر، يسأل المراقبون عن قدرة الحكومة على تحقيق الأولويات التي حددها لها خطاب التكليف الملكي من دون العمل أولا على تطوير ثقافتها من خلال اجراء تغييرات جدية وعميقة في عملها وأسلوب ادارتها للمرحلة المقبلة. ومن دون العمل على تحقيق هذه التغييرات المطلوبة ستزداد الصعاب فيما يمكن تحقيقه من مكاسب في ظل مظاهر مستمرة ومتنامية تدعو إلى الحيرة والأسف. ومن هذه المظاهر على سبيل المثال الصوت الواحد وكهنته الذين لا شغل لهم إلا التمجيد والتصفيق والتطبيل والتزمير. كما الاستعانة بـ «الخبراء» الأجانب لصوغ التشريعات خارج مؤسسات المجتمع المدني ومشاركته. كما تشجيع الناس على ابداء الولاء المتملق والمتزلف والكاذب شعرا ونثرا، ومن خلال التنافس والتسابق المحموم على القول والعمل المنافق ضمن مشاهد معيبة تبعث على الرثاء. كما اتخاذ القرارات الفردية غير المدروسة تحت ضغط الشعارات الايديولوجية التي قد تتسبب في تراجع الحريات الشخصية وضرب الاقتصاد، فقط من اجل ارضاء شريحة معينة من هذا المجتمع التعددي على حساب الشرائح الاجتماعية الأخرى. لذلك فان من أهم التغييرات المنتظرة بعث الثقافة الديمقراطية الحقيقية التي تفترض مثلا الخروج من المجتمع التراثي القبلي نحو الحداثة والانتقال من حكومة ابدية لموظفين إلى حكومة تمثل القوى السياسية الفاعلة في المجتمع. كما تفترض وضع آلية للتشاور مع تلك القوى على تسمية المرشحين للوزارة، واستقلالية الوزير في التصرف ضمن السياسة التي يكون قد رسمها لوزارته بعد حصوله على الموافقة المسبقة عليها من رئيسه في الحكومة قبل التكليف، وتفترض كذلك وقف نهج الازدواجية في توزيع المناصب الوزارية وتجزئتها من دون مراعاة لشمولية مسئولياتها حتى لا يبدو هذا النهج وكأنه نظام جديد لتوزيع الحصص داخل المؤسسة السياسية، كما تفترض محاربة الفساد مع الارتقاء نحو الشفافية والمساءلة السياسية والمحاسبة القانونية. ومن دون هذه التغييرات الاساسية لا يمكن للمسيرة الديمقراطية ان تتقدم إلى الامام ولا للحكومة ان تنجح في تحقيق التوجيهات الاصلاحية لعظمة الملك عن طريق تطوير خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتكاملة على اساس التخطيط العلمي في اطار ما تتطلبه الادارة الحديثة للدولة «والمتابعة المستمرة للاداء والمحاسبة الدقيقة التي تكفل الانضباط الاداري وحسن الاداء وتحقيق الاستثمار والاداء الامثل لايرادات الدولة ومصروفاتها، وتشجيع المزيد من العطاء والسرعة في الانجاز. وإذا لم تجد كل التوجيهات الملكية للحكومة المكلفة طريقها نحو تحقيق التغيير الشامل والعميق في الثقافة الحكومية لمواجهة التحديات ونتائجها الاجتماعية الآن وفي المستقبل، فقد تفرغ هذه من محتواها الاصلاحي وتتحول مع الوقت إلى مجرد شعارات.

العدد 86 - السبت 30 نوفمبر 2002م الموافق 25 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً