العدد 86 - السبت 30 نوفمبر 2002م الموافق 25 رمضان 1423هـ

سجن (المثقف) وجنة ( الساذج )

عباس الجمري comments [at] alwasatnews.com

هل لنا ان نصرخ «لماذا تسمونا العالم الثالث؟ احتجاجا على تراتبيتنا النازلة في سلّم الحضارات الراهنة المتصارعة على عرش التألق؟ وهل صحيح اننا لا نتعلم (ثقافة التعاطي) إلا بعد حين؟ وربما يكون ذلك التعلم بعد فوات الأوان!!فما مدى تعاطينا مع حرية الرأي؟ اذا فسح المجال رسميا لذلك الرأي الذي ان خرج من شرنقة الكبت واراد ان يتنفس الهواء الديمقراطي العليل، تذود مجتمعاتنا عن ذلك متخذة العواطف الهائجة والتقديس الاصم الابكم «قانون الأمن» القامع للانتقاد والتفكيك الموضوعيين... وببديهية التأثر بالمحيط، يبقى مجتمعنا في قوالب (الحذر الشديد)، ذلك الحذر الذي يتجنب التفكيك الدقيق لأنه سيحاسب حسابا عسيرا اذا ما اتسم بالانصاف الدقيق المشخص... كل الايحاءات لا تبشر بتغير في هذا الديدن الذي لا يقوم على منطقية العناصر الفكرية بل مازال ماكثا في اقاليم الارتجاليات العاطفية التي مازالت تمنع القلم ان يفتح اشرعة توصيفه على عكس رياح المجتمع. وان كانت تلك الاشرعة على صواب في ابحارها إلا ان الرياح المجتمعية لن ترضى حتى ترد كل ذي نقد نقده وتكيل بمكيالين في ردة فعلها... على رغم ان سقوف الصحافة رفعت بغير عمد في في هذه الاونة. 1- سجن المثقف لأنه المكبوت: الكثير من المتثوقفين (اللامثقفين) يراهنون للحيلولة دون تخطي أي جرأة نقدية واعدة حدودها، يمكن القول إن الساحة ستظل في بعض جوانبها ولأمد غير قصير السجن الخانق للمثقف الناقد الذي يعطي كل ذي حال حقها في التوصيف غاضا البصر عن وجدانية الشعور، وبالتالي ستظل توصيفات المراحل والشخصيات جليسة السطور، البعيدة عن اطلاع افراد المجتمع. ولو تعمق المتأمل في جوانب هذه المسألة لاستطرد متسائلا: ألم تمارس بعض المحاولات النقدية (الهدامة) بتوصيف مُقْصٍ وتفكيك غير مُرْضٍ؟؟ رب حجة تلوذ هنا بمثال الطائفية لتمنع التتمة من اكمال حديثها وتحرج الفكرة (فكرة وجوب وجود التفكيك الدقيق) لتفندها، هنا لابد من انطلاق (تلك التتمة) لتكمم اطلاقات الاحكام المتسرعة، فالدعوة إلى التوصيف والتشخيص تنشد التمتع بسحر شواطئ الحرية والتلذذ بثمار الديمقراطية لسد جوع الآراء. وتنشد حرية محمية بأسوار الموضوعية مخفورة بقواعد المنطق والاحترام... اما القلم والرأي والفكر المسترسلة في وحول السلب، تلك حضيض تنشأ للإقصاء ولم تنشأ لبناء «ثقافة». إما إذا انطلق السؤال الطبيعي عن نتيجة الأخذ بالتفكيك كمسلّمة في المجتمع، فيمكن القول إن: مراقبة الشخص تمنع نمو الشخصانية وتبني حنكة الشخصية: فالحاجة للمراقبة والتعايش مع الحال التفكيكية والتوصيفية بوصفهما مسلّمتين لمجتمع راقٍ هي حاجة إلى (شخص/فئة) «المفكك» أكثر من كونها حاجة إلى «المفكِك»... وذلك لأن المتناول بتوصيف وتصنيف وتفكيك سلبياته وايجابياته سيقع بين حالتي (الرهبة) و(الرغبة) في حركة عمله ليعيش ديمومة المراقبة لذاته وسيكون المحاسب الأول لخطواته بشكل أكبر ما هو عليه، في حال فقده للتوصيف ذاك. فالذي يمكن ان يتدرج في مدرجات عليا لا يستحقها سيكون في درجاته المستحقة له اذا ما توضّح دوره بجلاء بتناول دراسة الجزيئيات لفاعلياته وتصويب الانتباه لثغوره (مع بقاء الاحترام له) وستكون نظرة المجتمع لموقعه نظرة حقيقية والعكس صحيح، لأنه سيدرج بتلقائية (وعي الشخصية) في مدرجه المناسب او على أسوأ تقدير انه سيبتعد قليلا من موقعه إلا أن بون بعده عن ذلك الموقع ليس كبعد المشرقين... واذا كانت للجرأة كلمة هنا ستفصح أن هناك بعض الشخصيات ممن ثقلت موازينه وعاش عيشة راضية عند المجتمع وبمقياسه إلا ان لسان حال الحقيقة يقول: يا ليت قومي يعلمون... 2- جنة الساذج لأنه المتحكم: وبطبيعة المتحكمين ستكون السذاجة في أوج عملها اذا لم يكسر امتشاقها للفكر بقمعها وتسليط دكتاتورية العاطفة وتحكم سذاجتها... هل مقصود بالسذج هنا كل من انطبعت على واقعهم بساطة التفكير ومحدودية النظرة؟؟ قطعا هذا ليس بمعيار، فالذي وقف عند ممكنات وعيه ولم يفلسف ما ليس له به علم لن يكون مندرجا تحت قائمة السلب حتى لو مثل قمة السذاجة في نظرته للحياة والمجتمع، وذلك لأنه عرف قدر نفسه وعمل وفق حدودها، انما القول على الذين لم يؤتوا نصيبا من الثقافة فتحذلقوا بتكلف واضح ليبرزوا أنفسهم ويتحكموا بسذاجة عواطفهم ويمعيروا الاشخاص بانفعال الخطاب وحب الوجدان ليتقمصوا دور الحرس الأمين لهذا أو ذاك ممن ارتضوا ان يكونوا مريدي شخص أو فئة من دون ان يكون للتحكم من معنى ومن دون ان يكون للمعايير المتخذة لديهم اساس ومن دون ان يكون للانفعال بالخطاب والفكر موضوعية... اولئك الذين حاولوا صنع خطاب ثقافي واعد بقي عقيما لا ينفك عن تيتّمه للخطوط العريضة لمشروع او استراتيجية مبنية... من هنا يجب الالتفات إلى الموروثات الكلاسيكية التي ديدنت هذا الانفعال الذي اخذ على غرارها انطلاقية احكامه التقديسية إلى البعض والاقصائية إلى الآخر مستأسدا على مثقف عِدَّته فكر وسلاحه قلم.

العدد 86 - السبت 30 نوفمبر 2002م الموافق 25 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً