عندما يختلف أهل السياسة فإن أول ضحاياهم هم الناس، من ليس لهم دور في كل اللعبة المدارة سوى انهم مواطنون أو رعايا أو أناس يبحثون عن لقمة نظيفة أو حياة كريمة بعيدا عن بريق المنصب، سواء أكان المنصب رسميا أم شعبويا ولكن كل ذلك لا يغفر لهم بساطتهم، وطيبتهم وسذاجتهم أيضا لأنهم عادة ما يكونون ضحايا التناقضات السياسية أو الأجندات الخاصة لجميع لاعبي سياسة شد الحبل، أو عض الأصابع وما إلى ذلك من نظريات سياسية ومفاهيم تبرز على سطح الواقع ساعة اشتداد التجاذبات وبروز التناقضات.ونحن هنا في البحرين شعبا وقوى سياسية وسلطة نقع كجمهور ضحايا بعض السياسات الخطيرة ليس فقط على الوطن وانما حتى على الأجيال المقبلة وعلى ثقافتنا، ونسيجنا المجتمعي وحتى على أمننا الاجتماعي الذي اصبح آخر ما يفكر فيه لاعبو السياسة. فالسياسة قد تتغير لكن آثارها المدمرة قد تبقى سنينا طويلة وهي تهدم المواضع الايجابية في كل ما بني. التجنيس العشوائي سياسة تعتمدها السلطة خيارا تراه مناسبا للإمساك بناصية الواقع السياسي ورأته خير حل لاستيعاب مشكلات كبرى عادة ما تبرز في المواقع المفصلية للحياة السياسية البحرينية وفي المنعطفات التاريخية الخطيرة التي عادة ما تحتاج إلى نفرة رسمية وفزعة حكومية لإنجاح المشروع، أي مشروع كان وأية خطة عمل كانت. مبررات السلطة كانت في السابق بسبب التلاقي الايديولوجي لقسم كبير من الشعب أما الآن فالمبررات كثرت إذ من يُمنح الدفء الرسمي والحنان الحكومي أصبح جزء منه أيضا في مربع الشك وخصوصا بعد حوادث 11 سبتمبر/أيلول ودخول المد السلفي على خط المواجهة المعلنة والصدام المباشر مع الحليف والصديق (الولايات المتحدة الأميركية). والذي سيعمل على تكريس مثل هذه الشكوك الحوادث الأمنية المتناثرة هنا وهناك من التوجه ذاته ابتداء من الكويت مرورا بالسعودية وليس انتهاء بأية محطة عربية لأن الحمى بدأت في الانتشار وهي ذات ماركة مسجلة واضحة وقد تكون غير قابلة للطبع لأن حقوق الطبع والملكية أيضا خاصة «للمؤلف». هذه هي بعض المبررات ولكن مهما تكن المبررات التي تساق في الغرف المغلقة إلا أنها غير مبررة لأن اصطياد «الثقة» من الغير من الجنسيات الأخرى عبر التجنيس العشوائي لن يحل القضية لأن التجنيس في حد ذاته يحمل الكثير من السلبيات والافرازات المرضية على الوطن، فهو ذاته يحمل في احشائه الكثير من الفيروسات المرضية التي لها آثارها الوخيمة على المجتمع والدولة. الحل يكمن في تقوية الجبهة الداخلية، بتمتين العلاقة بين السلطة والناس وان تعمل السلطة على كسب ود الناس واختطاف المبادرة من القوى السياسية. فلو ان السلطة قامت بتأهيل الناس اقتصاديا - ولو نسبيا - وعملت على تمتين - ولو هذا الجانب - لما استطاعت أي قوى أخرى النفوذ من هذه الثغرة؛ لأن المشكلة الحقيقية تكمن في انشغال السلطة بتمتين علاقاتها بطبقات معينة كرجال الأعمال، والتجار والتنوقراط وغيرهم وخصوصا الأرستقراطيين من المجتمع فتعمل على جذبهم واستيعابهم وتسهل كل أعمالهم فتنجز لهم أكثر الأعمال، وتوفر لهم كل المناخات المناسبة من تقنين قوانين إلى تسامح في المعاملات والعمولات، إلى بيع المناقصات وبأسعار خيالية... وكل ذلك يكون على حساب علاقة السلطة بالمجتمع الذي تمثل فيه الطبقة الدنيا والفقيرة المجموعة الأكبر، فتزداد الهوة وتتسع الثغرة حتى تصبح مناخا مهيأ لتفريخ بيض أي خطاب ولو كان مربوكا أو غير علمي وحتى لو كان مثاليا انشائيا أو مأزوما ولعلها تكون مشكلة أكثر دولنا العربية التي استأثرت بطبقة الاقطاع على حساب الكادحين والفقراء وعوام المجتمع، فنبتت تلك الحركات التكفيرية كحركة التكفير والهجرة وغيرها واستطاعت أن تملأ الفراغ الذي تركته السلطة أيام السادات وغيره من الحكومات الرئاسية التي مرت على مصر أو بعض دولنا العربية وجاءت بمنطق المخابرات وبسياسة (القتل الأدبي) القائم على الخنق الحريري. إن السلطة بحاجة إلى كسب ثقة المجتمعات عبر المشروعات العمرانية والاقتصادية وعبر توسيع هامش الحرية بطريقة منضبطة لا بطريقة عشوائية أو قائمة على ردات فعل وبحاجة إلى تحالف مع جميع القوى أو الشخصيات الوطنية الفاعلة والتي تقرأ الواقع بطريقة متوازنة بعيدا عن التدثر بعباءات أي قوى وأن تمتلك جرأة البوح بالرأي وبالنقد الموضوعي لأي خطأ في المجتمع أو السلطة، فليس كل ما يقال وما يؤسس له أو ما يرفع له من شعار هو محل قبول الجميع، فكما أننا تحفظنا على التعديل الدستوري والتجنيس العشوائي كذلك نحن نتحفظ على أي شعارٍ أو صورٍ تربك قراءة الآخرين لنا قراءة صحيحة ونؤمن بأنه مهما تكن عفوية وبراءة الشعار فانه يعطي اشارات خاصة قد تترجم بممارسات عملية هي ليست لصالح الجميع. فيجب أن نمتلك الشجاعة والقدرة على نقد أي حدث من دون أن نعممه على الجميع فنظلم به مجتمعا بأكمله عرفت مواقفه التاريخية بالصدقية والوطنية. هذا هو شعور الكثير ممن يتوجسون من اقتحام المحرمات السياسية العرفية التي جاءت في سياق ثقافات سياسية أفرزت في محطات تاريخية خاصة، لها ظروفها وأجواؤها، وجاء الوقت الذي يجب فيه امتلاك الشجاعة لإزالتها أو لتوجيهها بطريقة لا تكون على حساب الجبهة الداخلية أو المصلحة العامة. إن ما نطمح إليه هو تقوية كل قنوات الاتصال بين المعارضة والسلطة ولكن ما رأيناه من احباطات عملية عملت على ارباك ولو جزء قليل من العلاقة، إذ ان خطاب المعارضة متغير السقف، فكل شخصية لها خطابها الخاص فما بين متأزم إلى وسطي إلى ما بين التأزم والوسط إلى صامتٍ تحكمه ردات الفعل. والناس تتجاذبها كل هذه الخطابات. وفنك وقدرتك في معرفتك المناسب للواقع هذا إذا كنت منشغلا بالسياسة، أما إذا كانت سياستك سياسة حديث مجالس وما يقوله الناس وما يفرضه السياق الجمعي فإن الله هو المعين. أمّا الاحباط من قبل السلطة فهي السياسة القديمة في تحشيد وتجميع أكثر عدد ليس من المثقفين فقط والواجهات الأكاديمية بل حتى من لا يجيد الف باء الكتابة والقراءة وليس الثقافة وهذا ما كرسه الاختيار في مجلس الشورى، فبعض من أعضاء هذا المجلس يعيشون أمية سياسية وان كان هؤلاء البعض يحمل شهادة أكاديمية أو خبرة تجارية أو ثقافة اقتصادية. فالبعض عرف بالموافقة وليس بالكفاءة. هذه اخفاقات عملت أيضا على اتساع الجرح السياسي في تطلع من كان يراهن على تغير مزاجية السلطة وانتقال ايقاعها نحو التوازن لا التصفيق والعزف المدائحي. هذه الظروف كلها لا تسمح بالتعاطي مع ملف التجنيس بطريقة عشوائية. فإن كل هذا الواقع الذي حاولت تلمس بعض مواضعه لا يعطي مبرر التجنيس الذي أصبح يقلق أكثر المناطق احتكاكا به، الرفاع الشرقي والرفاع الغربي ومدينة حمد و... الخ من مدن وقرى البحرين. وحتى اضع ملاحظاتي على هذا الهم اختصرها بطريقة سريعة: ان لهذا التجنيس تأثيرا كبيرا على الواقع السياسي، فلا يمكن أن يؤمن المجنس بطريقة غير قانونية من عمل مزدوج يكون على حساب أمننا، كما حدث في الكويت عندما غزا العراق الكويت فاتضح ان 90 في المئة من المجنسين أصبحوا في صف الأقوى ومن بيده السلطة إذ تعاطوا من دون أي تقدير للكرم الكويتي وتحالفوا ضد ابناء الوطن الأصليين من شيعة وسنة وباعوا الأرض، لأنهم انما أخذوا الجنسية للحصول على المال فمن يدفع أكثر يكون الولاء له. ومن السهل أن يبيع المرء وطن غيره لأنه لا يشعر بأي جذور تربطه بهذا الوطن انما هو اقتطع من أرضه ودس في هذه الأرض على قاعدة خذوه فغلوه فقد يصبح أمثال هؤلاء طابورا خامسا لوطنهم الأم. يجب أن يكون التجنيس لمن ينطبق عليه القانون (قانون الجنسية) وأن تعمل السلطة على تجنيس العقول وليس البطون والكروش فان الغرب يقوم بتجنيس الأدمغة العملاقة والعقول العلمية التي تعطي المجتمع ابداعات تكنولوجية أو طبية أو ثقافية أو نووية... لا الأدمغة الفارغة فاننا نزيد مجتمعنا جهلا عندما نقوم بتجنيس الجهل والبداوة فلسنا نريد بناء خيامٍ أو نطمح إلى معرفة استراتيجية حلب النوق وتربية الماشية!!! ان تجنيس الأميين يزيدنا اعباء تعليمية على أعباء وزارتنا وزارة التربية والكرم العربي الأصيل والتي نتمنى لها التوفيق لجلب (اخواننا العرب) لتعليم أطفالنا اللهجة العامية التونسية وغيرها!!! والشكر الجزيل إلى وكيل الوزارة حسين السادة في الغائه 80 شهادة بكالوريوس لمواطنين بحرينيين واحتضان الوزارة اخواننا العرب المعلمين، فالشاعر يقول: يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل نحن مع احتضان القدرات العربية ولكن شريطة ألا يكون راتبها وعلاواتها واستحقاقاتها في هذا السلك التعليمي أفضل من المواطنين البحرينيين وخصوصا إذا كان البحريني أكثر كفاءة. يجب الاقتصار في التجنيس على حاجيات البلاد الفعلية ووفق القانون، لأن اي انسان يحمل جنسية البلد هو سفير لها واعتقد أن المجتمع البحريني أصبح أقرب إلى الفسيفساء والتشكل (لسبكتي) من البحرينيين فأصبح عندنا بحريني هندي وباكستاني وسوري... وكل يقول: أنا (بهريني) كل بحسب لهجته!!! وكان الله في عون الأجيال القادمة ومستقبل أبنائنا السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، فالتداعيات بدأت تظهر ونحن في بداية التجنيس من سطو على البيوت، إلى عادات غير أخلاقية غريبة على أعراف البحرين، إلى تسول في الشوارع وأمام الاشارات الضوئية، إلى طرق البيوت وجمع الملابس المستخدمة، إلى عقد العلاقات الغرامية مع الفتيات البحرينيات... فعلا ان أمننا الاجتماعي في خطر والكل يشتكي والكل يشعر بالخطر المستقبلي ولكن تلك هي مشكلتنا في العالم العربي، ابعاد دور الجماهير عن صوغ القرار السياسي. فالتجنيس العشوائي ليس مسألة عابرة وتنتهي وإنما لها انعكاس على مستقبل أبنائنا وديننا واقتصادنا و... ولكن أين دور المجتمع ورأيه في مثل هذا الأمر؟ الدول الغربية تقوم باستفتاء شعبي لأمور تافهة وبسيطة ونحن هنا في العالم العربي ندخل حروبا ونخرج منها من دون أن يسأل فيها عن رأي الناس. وندخل في مشروعات كمشروع التجنيس من دون أن يكون هناك أي رأي للمجتمع المدني. - المجنس له حق الملكية، حق مزاولة أي نشاط اقتصادي أو اجتماعي وهذا سيكون على حساب المواطنين فبإمكان المجنس شراء الأرض. - يجب أن يوضع في ضمن معيار التجنيس الاسلوب الانتقائي، أي أن يكون المجنس مكسبا وطنيا لا عبئا وطنيا علينا فانهم سيزيدون المؤسسات الخدمية اعباء وثقلا وسيزيدونها اختناقا على الاختناق الذي نعيشه سواء في القطاع الصحي أو الأمني أو العلمي أو قطاع العدل و... وهم سيحتاجون إلى مساكن، أسرّة بالمستشفيات، فصول اضافية في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، مياه، غذاء، كهرباء... الخ. وهنا يجب أن تلتزم الدولة بذلك لالتزامها بمنحهم الجنسية والضحية الموازنة العامة والمجتمع. وهنا تقع مفارقة كبرى الكثير ممن يأتون من الخارج للتجنيس يجدون المسكن الملائم والعمل المناسب والاحتضان الخدماتي في كل شيء في حين يبقى عدد كبير من المواطنين بلا مسكن ولا مطعم، ولا حتى ملبس. لقد قلنا سابقا ان ه†اك أكثر من 195 عائلة بحرينية من أصول بحرينية عادت من المهجر قبل عامين لا تمتلك أقل القليل من متطلبات الحياة ومازالت هائمة على وجهها من دون أي احتضان وهي ترى كيف يجنس من يجنس وكيف تعقد اللجان لمنح البيوت واعطاء القروض من دون أن تكون هي ضمن الأجندة علما بأن بها طاقات كبيرة من دكاترة وعلماء وحملة شهادات. أليست هذه مفارقة كبرى تستوجب الوقوف كثيرا... وختاما نقول هناك فارق بين تجنيس الكروش والبطون وتجنيس العقول.
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 86 - السبت 30 نوفمبر 2002م الموافق 25 رمضان 1423هـ