من مصلحة الشعب الفلسطيني وقياداته السياسية الرسمية والشعبية ألا يتعاطف مع عمليات عسكرية عشوائية من النوع الذي حصل في كينيا. فذلك النوع من الهجمات تتبناه عادة جهات مجهولة المصدر وهيئات وهمية ومنظمات مختلفة. وهذا هو الجانب الخطر في الموضوع. فأي عمل يحصل من جهة مجهولة واسم مستعار وهوية مزيفة وعناوين غير دقيقة يعني أن الفاعل غير مقتنع بما فعله، وأنه غير شجاع ويتلطى بقضايا وشعارات لا يعرف المقصد الحقيقي منها. فدائما تطرح هذه العمليات التي تقوم بها جهات غريبة أسئلة بوليسية من نوع: من هي الجهة الفاعلة، ولماذا قامت بها، ومن هو المستفيد من نتائجها، ولمصلحة من وقع الحادث، وما هي تداعياته، وكيف يمكن احتواء سلبياته، ومن سيدفع الثمن؟... إلى آخر السلسلة.
هذه الأسئلة ليست أسئلة بقدر ما هي إشارات وتنبيهات إلى خطورة تبني هذه الأعمال التي تلفت الأنظار وتحدث الضجيج الإعلامي وتعطي ذريعة للمجرم بأن يستكمل جريمته ويكسب عطف الرأي العام وينال المساعدات والدعم للاستمرار في مشروع التدمير والتصفية وربما طرد الشعب الفلسطيني من دياره.
القضية الفلسطينية ليست بحاجة إلى هذا النوع من العمليات لإثبات وجودها أو نيل الموافقة الدولية على عدالة كفاح الشعب من أجل حريته واستقلاله. عادة من يقوم بمثل هذا النوع من الضربات هو إما جهة معزولة وضعيفة لا تتمتع بالتأييد السياسي والشعبي، وإما جهة تريد الإساءة إلى قضية ما بإثارة الأحقاد واستعداء فئات محايدة لا مصلحة لها في دعم هذا الفريق أو كراهية ذاك. وعموما تكون الإساءة في مثل هذه الحالات أقوى بكثير من كل العناصر الأخرى، ولذلك تحوم الشبهات على جهات مخابراتية تقف وراء تكرار هذا النوع من العمليات المثيرة للشغب والاستغراب، ولا مكسب منها سوى إيذاء قضية الشعب الفلسطيني العادلة وتبرير جرائم «إسرائيل» وإعطاء قياداتها السياسية شرعية دولية وإجازة مفتوحة للقتل والإبادة.
العمل العسكري دائما هو في معناه البعيد من الأفعال السياسية، وفي معناه القريب إرسال إشارة للخصم بأنه ليس محصنا وبعيدا عن دفع الثمن. فالعمل العسكري لا يهدف إلى القتل بل يتطلع إلى السياسة وإجبار الخصم على التفاوض على قاعدة توازن المصالح.
كل المؤشرات تقول إن صمود الشعب الفلسطيني لا مثيل له، وهو من النماذج القليلة في التاريخ المعاصر. وكل الدلائل تقول إن صمود هذا الشعب أحبط إرييل شارون وأفشل إستراتيجيته الأمنية وأسقط حكومته الائتلافية مع حزب العمل، وانقسم الحزب الأخير على نفسه وبدأت صفوفه وقواعده تشهد المزيد من الميل نحو القبول بما تم الاتفاق عليه من انسحابات وضمانات وتعهدات.
مقابل هذا الميل العمالي هناك ميول عنصرية متطرفة تقودها أحزاب المستوطنات والمستوطنين، تدفع شارون إلى المزيد من التخريب والتقتيل، وربما الطرد في حال توافرت الظروف الدولية.
هذا الانقسام جعل شارون يظهر أمام الرأي العالمي بمظهر «رجل الوسط» أو «رجل الدولة» الذي يرفض الاستجابة إلى رعاع المستوطنين والمتطرفين ولا يقبل بما يطرحه بعض حزب العمل من أفكار ليست واقعية على اعتبار أن الشعب الفلسطيني لا يريدها.
مصلحة شارون إثارة الالتباس وزرع الشكوك، والقول للعالم إنه يقبل بأفكار السلام ولكن الشعب الفلسطيني غير جاهز لها وهو مضطر إلى الرد عليه بأسلوب العنف والدم.
إلى ذلك، جدد انتخاب شارون لزعامة تكتل الليكود في يوم الهجوم على الفندق الإسرائيلي في كينيا. وشارون وعد قواعد حزبه بحل نهائي في السنة المقبلة.
وشارون في زيارته الأخيرة للبيت الأبيض طلب من الرئيس جورج بوش دعمه ماليا واقتصاديا وعسكريا. فالرئيس بوش بحاجة إلى تطرف شارون ويريده في معركته المقبلة التي يستعد لها ضد العراق.
العائق الأساسي في وجه التحالف الثنائي الأميركي – الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط هو عدم نضوج الظروف الدولية لتقبل مثل هذه المجزرة السياسية في منطقة شديدة الحساسية خطرة على السلم الإقليمي.
هذا العائق هو ضمانة للشعب الفلسطيني أن لا يذهب ضحية أعمال غيره، وشرطها أن لا ينخدع بمثل هذه العمليات التي تحصل من قبل مجهولين... باسمه.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 86 - السبت 30 نوفمبر 2002م الموافق 25 رمضان 1423هـ