كان موعداً تزهر فيه الشرفة، ويوخز فيه القلب...
في أُمسية خميسٍ مضت، حين صارح زميل سكنه بحبه لجارته طرية العُمر، توجّس وقال: لا يغرك المكياج يا محمود، خابرك عاقل.
ثم مضغ رأس لفافته وأضاف: بعدين إنت خاطب، ولّا نسيت...
هذه الحقائق الصغيرة التي تتقافز كالأرانب، تسلب الأمر ورديته وتتركه كقمامة في ليل المدينة.
خرج عند السادسة، أعد القهوة وانتظر شروقها، كانت تحمل كتاب «الثقافة العامة» في يدٍ، وتوقد الحرائق في هشيم القروي الذائب.
ابتسمت له، وحيّته تحية الجارة، فرفع يده كشاهدة القبر، جامدة ظلت لدقيقة ربما، تذكّر خطيبته التي قد تكون تحت ضرع بقرة أو فوق درّاسة القمح.
«أتاري الحب بوجّع».
ضحك زميل غرفته وقال: الله يعوّض ع أمك،إنت بيش وأني بيش
- إنت بيش؟
- بدّي مصاري، عشان هيك إجيت ع عمان.
- المصاري مش كل إشي.
يقهقه بدرامية، ويترك له الأشياء الأخرى حسب تعبيره.
في اليوم التالي أعدّ الشاي وأنتظر، سمع أصوات زغاريدٍ تركت وقعاً بربرياً في نفسه، كقمامة طقسٍ إلهي تراكمت في عتمات الذهن، نزل الى قاع الحي وسأل أول طفل شاهده: (ياسمين خطبت يا عمو).
تذكّر سلاسل مآسيه، وعرّج على زيتونة صغيرة نزع الأشواك من حولها، ثم تذكّر زميل سكنه، وياسمين ذات الضحكة الكاملة كمال تراتب الموت والبعث والنشور، غرس الفأس في الأرض، ثم نهش الضحك صدره.