بينما كنت أعبر الممرّ، شيءٌ ما مُريب شدّني لأتوقف متأمّلًا لوحة معلّقة على الجدار بطريقة لافتة. لم أجد سببًا لشعوري بالغرابة وأنا أتأمّلها!
ظهر في اللوحة رسم زيتي لامرأة ريفية تحمل سلّة فاكهة. شعرت بالضيق؛ لأنني عجزت عن فهم شعوري المرتبك تجاه تلك اللوحة. هل هو بسبب ملامح المرأة العادية - مع أنّ الفنّان كان بإمكانه رفع مستوى جمالها - أم بسبب المغالاة في الألوان الدافئة، أم أنّ مردّه لاستعراض اللوحة في مكان عمل رسمي كهذا؟!
لم يكن من الطبيعي أن أتجاهلَ ما جئت لأجله، وأمضي اليوم كلّه واقفًا، أمام المرأة في اللوحة، أبحث عن سبب شعوري بالغرابة تجاهها. فقد جئت لتأدية عملي في المراسلات المكتبية.
بحثت عن الموظّف المسئول، وفي استعجال طلبت منه أن يوقّع على ورقة الاستلام. موقفي هذا، يشبه موقف طفل يريد الجمع بين الهرب من حضرة أحدهم، قبل أن يُقبض عليه متلبّسًا باستراق السمع، والإمعان في هذا الاستراق.
خرجت، وما زال شعوري بأنّ هنالك شيئًا ما مفقودًا لا أعرف كُنْهه، أشغلَ تفكيري طَوال اليوم. حين عدت إلى المنزل، وبينما أنا أخلعُ حذائي، انتبهت إلى أنّني كنتُ أرتدي فردتَي جورب مختلفتين، ثمّ فجأة تذكّرت اللوحة بتفاصيلها كاملة كما لو أنّها أمامي، كانت الغرابة تكمن في المرأة، أو ربما، في سلّة الفاكهة التي كانت تحملها؛ فهي مليئة بالتفّاح، ولكن في يدها الأخرى تحمل برتقالة!
ضحكت، ونسيت الأمر.
أمس - بعد شهرين ونصف، من تلك الحادثة - مررت بجانب المبنى، خطر على بالي أن أعود لأتأمل اللوحة، مرّة أخرى، وقد عثرتُ على ما أثار استغرابي فيها.
إلّا أنّها لم تكن موجودة! لقد استُبدِلت بها لوحةٌ أُخرى «بورتريه» لشخصيّة مشهورة. تلفّتُّ حولي، فربّما جرى تغيير موضعها.
لمحت عامل نظافة، اتّجهت نحوه، وسألته: «كانت هناك لوحة لامرأة، تحمل...!».
قاطعني: «نعم، لقد جُنّ جنونه. فجأة، حطّم إطارها، ومزّقها بوحشية».
- «مَن؟». سألته في استغراب.
- «هو أحد الموظّفين! كان، كل يوم، يتحيّن صرف قرابة نصف ساعة في تأمّلها. هذا، عدا أوقات الفراغ التي يستغلّها ليقف أمامها».
ثمّ أكمل هامسًا: «حتى ظننّا أنّه وقع في غرام تلك المرأة».
هززت رأسي حاثًّا إيّاه على المتابعة، فأكمل: «ناداني ذات يوم وسألني: «هل تشعر بشيء غريب في هذه اللوحة؟»، وحين أجبته بالنفي، غضب ومزّقها، ثمّ خرج يشتم بألفاظ غير مفهومة، ولم يعد بعد ذلك اليوم أبدًا».
قلت مبتسمًا وأنا أغادر: «بفضل الجوربين، لم أُجنّ مثله».