تبيِّن دراسة متعددة الأقطار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - تشمل مصر، والمغرب، ولبنان، وفلسطين - واقع حياة الرجال خلف الأبواب المغلقة، وفق بيان صحافي.
وعلى الرغم من أن غالبية الرجال، الذين خضعوا للدراسة الاستقصائية في البلدان الأربعة، أيدوا أشكالاً شديدة التنوع لمواقف تقليدية غير منصفة، فإن أقلية كبيرة من الرجال في هذه البلدان الأربعة يقرون ويؤيدون المساواة بين الجنسين في جوانب عديدة في الحياة العامة والخاصة.
الدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (IMAGES MENA)، التي أعدتها منظمة "بروموندو" Promundo وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع شركاء بحثيين محليين، هي الدراسة الأولى من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تستخدم عدسة مقارنة واسعة المجال لحياة الرجال - الأبناء والأزواج والآباء - في البيت والعمل، وفي الحياة العامة والخاصة، وذلك لتعزيز فهم رؤيتهم لوضعهم باعتبارهم رجالاً، وفهم مواقفهم إزاء المساواة بين الجنسين.
وبنفس القدر من الأهمية، تقدم الدراسة IMAGES وجهات نظر النساء حول القضايا ذاتها.
وتضم الدراسة بحوثًا نوعية وكمية لما يقارب من 10,000 رجل وامرأة تتراوح أعمارهم ما بين 18 و59 سنة في مصر، ولبنان، والمغرب، وفلسطين، بما في ذلك المناطق الحضرية والريفية على حد سواء.
سوف يُكشف عن نتائج الدراسة في فاعلية إطلاقها على المستوى الإقليمي في 2 مايو/ أيار في بيروت بلبنان، باعتبارها جزءًا من مؤتمر "هويات الرجال الجندرية في العالم العربي"، حيث شارك في تنظيمها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ومنظمة "بروموندو"، ومنظمة أبعاد.
تكشف الدراسة أن رغم هيمنة المواقف التقليدية على قضية المساواة بين الجنسين، فإن ما لا يقل عن 25% من الرجال أو أكثر يتبنون وجهات نظر أكثر انفتاحًا ومساواةً، تنطوي على تأييد مساواة المرأة بالرجل في النواحي الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية.
ومن بين العوامل الي تؤثر على تأييد الرجال للمساواة بين الجنسين التاريخ الشخصي، وتأثير الأسرة، وظروف الحياة.
وتبيِّن النتائج أن رغم إبداء الشابات وجهات نظر حول المساواة أكثر إنصافًا من تلك التي يتبناها الجيل الأكبر سنًا، فإن الشباب لا يبدون بالضرورة وجهات نظر أكثر إنصافًا من تلك التي يتبناها الرجال الأكبر سنًا.
كما تُبرز الدراسة مدى الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الرجال في حياتهم، ولاسيما صعوبة العثور على عمل بأجر والقيام بدورهم الذكوري التقليدي في إعالة الأسرة، في أوقات يشوبها عدم الاستقرار الاقتصادي، وتحديدًا في تلك البلدان المتضررة من الصراعات.
إذ كانت آثار الصراع والبطالة من بين الأسباب الأكثر ذكراً، التي تتسبب في أعراض الاكتئاب بين الرجال، أو من بين العوامل المفاقِمة لتلك الأعراض.
وتراوحت نسبة الرجال ما بين الثلث والنصف في البلدان الأربعة ممن أعربوا عن شعورهم بالخجل من مواجهة أسرتهم، بسبب غياب فرص العمل أو الدخل.
كما تؤكد الدراسة، التي جرى إعدادها بالتنسيق بين هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة "بروموندو"، النتائج الدولية الخاصة بانتقال عدوى العنف بين الأجيال: تجارب العنف في الطفولة مرتبطة باستخدام الرجل للعنف في حياته الراشدة. العنف يولِّد العنف في جميع البلدان الأربعة. كان الرجال الذين شاهدوا آباءهم يستخدمون العنف ضد أمهاتهم، والذين تعرضوا لبعض أشكال العنف بالمنزل في طفولتهم، هم أغلب من ذكروا ممارستهم للعنف ضد شريكاتهم في الحياة في علاقاتهم الراشدة.
في المقابل، هناك أيضًا ما يدل على انتقال عدوى الرعاية بين الأجيال: على الرغم من ترسيخ أعراف تقليدية كثيرة في المنزل، بوسع الآباء القيام بدور فعال لتقويض هذه الأعراف؛ فالآباء الذين يشجعون بناتهم على القيام بمهن غير تقليدية، أو العمل خارج المنزل، أو يسمحون لهن باختيار أزواجهن، يبدوا أنهم يُسهمون في تنشئة نساء يتمتعن بقدر أكبر من التمكين.
يقول الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة "بروموندو" والمؤلف المشارك في إعداد هذه الدراسة، جاري باركر: "لا يزال الطريق طويلاً أمام الرجال كي يقبلوا ويؤيدوا بصورة كاملة مساواة المرأة بالرجل في المنطقة العربية، كما هو الحال في أنحاء كثيرة حول العالم. ويضيف قائلاً: "على نطاق البلدان الأربعة مجتمعة، نرى أن من بين أشد العوامل تقويضًا لعدم المساواة بين الجنسين تولِّي الرجال عدد أكبر من الأنشطة المنزلية التي جرت العادة على نسبتها للمرأة".
يشير البحث بالفعل إلى بعض السبل الرئيسية لتحقيق المساواة، وهي ملحوظة تحديدًا في سياق مشاركة الأب: في جميع البلدان الأربعة، الرجال الذين شارك آباؤهم في العمل المنزلي والرعاية المنسوبين تقليديًا للمرأة، وكذلك الرجال الذين تعلموا القيام بهذه الأعمال في طفولتهم، هم على أغلب الترجيحات، من ذكروا إسهامهم في علاقتهم الزوجية بهذه الطريقة.
وثمة عامل آخر مرتبط بسلوكيات الرجال التي تنم على درجة أعلى من الإنصاف؛ ألا وهو عمل المرأة خارج المنزل.
في بلدين من البلدان الأربعة، كان الرجال الذين تعمل زوجاتهم خارج المنزل هم أغلب من قاموا بعدد أكبر من أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر.
ففي منطقة لا يعمل سوى ربع عدد نسائها تقريبًا خارج المنزل، هذا يشير إلى الأثر المزدوج المحتمل أن تحققه السياسات الرامية إلى زيادة حجم العمل المدفوع الأجر للنساء.
من جهته، يقول مدير المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية محمد الناصري: "فيما يخص عملنا في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، يشكل هذا التقرير أهمية بالغة كونه أداة نستعين بها في تصميم برامجنا، وممارسة الضغط، وبذل جهودنا للعمل مع الدول الأعضاء، والمجتمع المدني، والمجتمعات المحلية. ورغم ما قد يبدو في النتائج من علامات لا تدعو للتفاؤل إذا ما اقتصر نظرنا على الأرقام فحسب، فإنها تؤكد على أن هناك أيضًا قصصًا حقيقية للمدافعين والمدافعات عن المساواة بين الجنسين، ممن يؤمنون بها إيمانًا قويًا. فبالفعل، هذه الدراسة بذرة، وقصصها سوف تنمو لتصبح شجرة أمل وإنسانية".
وكما شوهد في هذه الدراسة والعديد من أمثالها يهيمن أو يسيطر الرجال على اتخاذ القرارات المنزلية، وعلى المجالات السياسية والقيادية، وعلى الحياة اليومية للنساء والفتيات.
ويقدم هذا البحث منظورًا فريدًا لوضع العلاقات بين الرجال والنساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويساعد على تعزيز فهم تفاعلات هذه العلاقات، وعلى ما يستتبعه من تصميم وتطوير للبرامج والسياسات لمعالجتها.