تبدو حرب العراق أبعد ما يكون عن المسرحيات الغنائية، غير أن مسرحية تعرض في نيويورك تحوّل الإخفاقات الاستخبارية والمآسي إلى عرض نقدي محمّل بالرسائل للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وقد بدأ عرض هذه المسرحية التي تحمل عنوان "بغدادي" أمس الاثنين وهي تروي قصة حقيقية عن جندي منشق في حرب العراق معروف باسمه الحركي "كورفبول" استُخدمت ادعاءاته بوجود أسلحة دمار شامل في العراق كذريعة لغزو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة البلاد في العام 2003.
وتنطلق القصة في المرحلة الزمنية الحالية مع تجمع لجواسيس في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي اي ايه) في مركز تابع لمجموعة دعم في إطار سعيهم للفهم والصفح عن الأخطاء التي تطاردهم منذ سنوات عدة.
بعدها تنتقل الأحداث إلى مطار فرانكفورت الألماني حيث يعرض المخبر الكشف عما يبدو أنها أسرار عن الأسلحة البيولوجية المفترضة لنظام صدام حسين في مقابل الحصول على اللجوء السياسي.
وتجري الاستخبارات الألمانية مشاورات مع نظيرتها الأميركية التي يرى محللوها الطموحون ومدراؤها المتشددون في "كورفبول" وسيلة للخروج من الرتابة اليومية وطريقا سريعا للترقية.
غير أن هذا كله يتبدل سريعا مع هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 التي تقلب الكوميديا إلى تراجيديا وتطلق شرارة حرب لا تزال دائرة حتى اليوم بعد 14 عاما من غزو لم يفض إلى العثور على أي أسلحة للدمار الشامل.
وتتسم المسرحية بحركية سريعة والمزج بين الموسيقى التقليدية في المسارح الغنائية ورقصات الهيب هوب التي تترافق مع تحذيرات من مغبة أن يكرر التاريخ نفسه.
ويلفت منتج هذا العمل المسرحي تشارلي فينك إلى أن أحداث المسرحية تنطبق بشدة على الواقع الحالي في العالم المليء بـ"الأخبار المغلوطة" و"الحقائق البديلة" في وقت يخشى البعض من إقحام ترامب الولايات المتحدة في نزاع جديد سواء في سورية أو في كوريا الشمالية.
ويشير فلينك إلى أن هذا العمل "يحمل طابعا آنيا لم يكن موجودا في 2015 كما يدل إلى أننا نعيد الكرّة في كل ذلك"، في إشارة إلى عرض المسرحية لفترة وجيزة قبل سنتين.
"أمر مخيف"
ويضيف فينك: "يبدو أننا نعيش في زمن تعاد فيه كتابة القوانين وينساق أصحاب السلطة إلى أهوائهم بدل الاستماع إلى الوقائع والتحليلات. وهذا أمر مخيف".
وتزامن العرض الأولي للمسرحية في السادس من إبريل/ نيسان الماضي قبل إطلاقها رسميا مع إصدار الرئيس الأميركي الأمر بشن هجوم بصواريخ توماهوك على قاعدة جوية سورية، في أول خطوة عسكرية أميركية مباشرة ضد النظام السوري.
وقد استغرق الإعداد لهذا العمل القليل التكلفة الانتاجية عشر سنوات وهو يضم ثمانية ممثلين، من بينهم ستة في أدوار رئيسية.
وتتنافس مسرحية "بغدادي" مع أكثر من عشرة أعمال مسرحية جديدة تعرض في برودواي.
كذلك تحمل المسرحية المسئولية عن غزو العراق في 2003 ليس للرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الإبن وحكومته فحسب بل للولايات المتحدة بكل أركانها ولحلفائها الغربيين عموما.
ويقول المخرج ومؤلف الموسيقى المشارك في كتابة السيناريو مارشال بايلت "كلنا أخطأنا"، مشيرا إلى أن هذا العمل يمثل وسيلة ممتازة لدفع رواد المسرح في نيويورك الى التفكير في هذه القضية.
ويضيف: "عندما نشغل عقلهم وقلبهم بالكوميديا، نصبح قادرين على ادخال مادة عميقة وقصة وشخصيات وعبرة".
هذا العمل يعرض على مسرح "ساينت لوكس ثياتر" قرب ساحة "تايمز سكوير" حتى 18 يونيو/ حزيران.
إلا أن المسرحية لا تتضمن البتة أي سخرية على الحرب نفسها التي أسفرت عم مقتل أكثر من 4500 جندي أميركي في العراق منذ 2003. وتظهر بعض التقديرات إلى أن عدد الضحايا المدنيين في هذه الحرب يراوح بين 173916 شخصا ونصف مليون.