العدد 85 - الجمعة 29 نوفمبر 2002م الموافق 24 رمضان 1423هـ

معارضو الحرب على العراق: خلفيات متنوعة قومية ودينية وإنسانية

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تكشف الوقائع المتصلة بموضوع الحرب على العراق، ان العالم يشهد معارضة واسعة للحرب، وهي معارضة، دولا تشمل قطاعات الرأي العام العالمي بتعبيراتها المختلفة بما فيها من هيئات وأحزاب ومنظمات، بل تشمل ايضا لا وحكومات كثيرة، سواء تلك التي امتلكت الجرأة في اعلان موقفها، او تلك التي تعارض الحرب بصورة مستترة لمسايرة الولايات المتحدة وانصار الحرب على العراق.

وتبدو تعبيرات معارضة في أوساط الرأي العام واضحة في الاعتصامات والمسيرات المعارضة للحرب، التي شهدتها خلال الأشهر الماضية العواصم والمدن العالمية بما فيها العاصمتان الاميركية والبريطانية. وكذلك في مواقف الاحزاب والجماعات السياسية فعاليات الرأي العام في الدول المختلفة، التي اعلنت معارضتها للحرب بأشكال مختلفة بينها بيانات وخطب ومقالات.

ومعارضة الرأي العام للحرب، تستند الى خلفيات متعددة بحكم تنوع الفئات التي تشكل قوى الرأي العام، ويمكن حصرها في ثلاثة اتجاهات، اولها الرأي العام العربي، وهو يستند في معارضة الحرب الى خلفية قومية، اساسها ان العراق بلد عربي، لا يجوز ان يتعرض لهجمات من جانب الولايات المتحدة وأنصارها، وقد عبر الرأي العام العربي عن هذه التوجهات قبل اندلاع حرب الخليج الثانية العام 1991، واستمر في التعبير عنها في السنوات التالية خلاف تحركات شهدتها البلدان العربية، وان يكن بمستويات مختلفة.

وثاني اتجاهات الرأي العام المعارض للحرب، هو الرأي العام الاسلاميا، والمستند الى خلفية دينية، تنطلق من اعتبار العراق بلدا اسلاميا. وظهرت مستويات متفاوتة في تعبيرات هذا الاتجاه عن معارضته الحرب، الامر الذي جعل معارضته تبدو اقل قوة، مما هي عليه معارضة الاتجاه العربي.

والشكل الثالث، يمثله الرأي العام في دول العالم الاخرى من غير العربية والاسلامية، ولعل الاهم في هذا المجال، مواقف الرأي العام في الدول الغربية، واستندت معارضة الحرب في هذه البلدان الى خليط من الخلفيات القومية والدينية والانسانية، وتداخلت في أسسها الاعتبارات السياسية والاقتصادية والثقافية. والسبب الرئيس لهذا التداخل مستند إلى الصيغة الائتلافية أو التحالفية، التي جمعت قطاعات من ابناء تلك البلدان الى جانب مهاجرين وذوي أصول عربية واسلامية للدخول في تحالف معارض للحرب على العراق، وهو ما حصل خصوصا في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

شكلت المعارضة التي اظهرها الرأي العام للحرب عامل ضغط على سياسات ومواقف الدول بصدد العراق، غير ان تلك المعارضة لم تكن الموجه النهائي لقرارات الدول والحكومات في مواقفها، وهو أمر ينطبق على معظم الحكومات والبلدان العربية والاسلامية، إذ تنعدم، او تكاد تأثيرات الرأي العام على القرار الرسمي، بخلاف ما هو عليه الحال في بعض الدول الديمقراطية، التي تأخذ في الاعتبار مواقف الرأي العام في قراراتها وسياساتها، من دون ان يكون ذلك هو العامل الحاسم والنهائي في السياسة.

ان الاساس في مواقف الحكومات والبلدان ازاء القضايا، يستند الى جملة المصالح وخصوصا المصالح المباشرة، وفي حال مواقف الدول من الحرب على العراق، يمكن القول، ان المصالح الاقتصادية هي التي استندت اليها معارضة هذه الدول للحرب، كما في حال المعارضتين الروسية والفرنسية، وكذلك الحال في معارضة كل من تركيا وسورية. وارتبطت معظم الدول التي تعارض الحرب باتفاقات اقتصادية وتجارية ذات قيمة عالية مع العراق في السنوات الاخيرة، وتم ذلك بمبادرة محسوبة من الدولة العراقية وبرضى شديد من جانب تلك الدول، ومعظمها رأى في تلك الاتفاقات مخرجا له من بعض أزماته الاقتصادية القائمة.

ولا يعني وجود المصالح الاقتصادية في خلفيات مواقف الدول المعارضة للحرب، عدم وجود اسباب اخرى، وخصوصا الاسباب السياسية، بل ان الاخيرة ماثلة في خلفيات معارضة الحرب. ففي الحال الروسية مثلا، هنالك رغبة سياسية ثابتة من جانب موسكو في بقاء العلاقات الروسية - العراقية في سياق تقليدي، يستند الى تاريخ طويل من علاقات التعاون نسجت في نهاية الخمسينات. وفي المثال الفرنسي، هناك رغبة سياسية فرنسية في عدم رؤية الولايات المتحدة وبريطانيا تستأثران بالسيطرة على منطقة الخليج. وما يهم سورية، ان لا تحكم الولايات المتحدة قبضتها على العراق، وهي حال تطمح اليها ايران من خلال معارضتها للحرب.

خلاصة القول، ان ثمة افتراقات وتقاطعات في الخلفيات التي تستند اليها معارضة الحرب من اوساط الرأي العام والدول، وهي تجعل من تلك المعارضة محدودة النتائج والفعالية على المستوى العالمي، الأمر الذي يتطلب بصورة عملية، تنسيقا وتجاوبا بين معارضي الحرب، ولاسيما الذين يرون في الحرب أضرارا تتجاوز مصالح بعض قطاعات الرأي العام والدول إلى الإضرار بمصالح العالم كله، والحرب على العراق لها هذه الصفة

العدد 85 - الجمعة 29 نوفمبر 2002م الموافق 24 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً