أثار المرسوم بقانون رقم (16) بشأن نقل وزراعة الأعضاء البشرية في البحرين جدلا واسعا بين الأوساط الطبية والقانونية والشرعية وذلك في ندوة مجلة «البحرين الطبية» السنوية لهذا العام. وتناولت ندوة المجلة الرمضانية موضوع «رفض الأقارب التبرع بأعضاء المتوفى دماغيا» والتي أقيمت في جامعة الخليج العربي الأسبوع الماضي.
وقال رئيس تحرير مجلة «البحرين الطبية» ومقدم الندوة جعفر الابريق إنه تم اختيار هذا الموضوع بالذات من أجل إثارة المناقشات الجدلية التي تكتنف مجموعة من الموضوعات والتي دأبت المجلة على اختيارها في ندواتها الرمضانية. وجاء موضوع هذا العام من اكتشافهم أنه منذ استحداث قانون التبرع بالأعضاء منذ 20 سنة وحتى الآن لم يتقدم أي من البحرينيين للتبرع بأعضاء المتوفين دماغيا الأمر الذي يثير الكثير من الجدل والتساؤل.
استضافت الندوة رئيسة جامعة الخليج العربي رفيعة غباش، واستشاري زراعة الأعضاء عبدالله المالكي، واختصاصي جراحة التجميل صادق عبدالله، ونائب رئيس جمعية أصدقاء مرضى الكلى الاستشاري أحمد سالم العريض، واختصاصي أمراض العيون حسن العريض، وعائشة الغيثي للحديث عن رفض الأقارب، والمحامي علي العريض للحديث عن رأي القانون في هذه القضية، بينما تمت استضافة محب الساسي والشيخ محسن العصفور للحديث عن رأي الشريعة الإسلامية في ذلك.
وقد تم الاعتماد على المرسوم بقانون رقم (16) للسنة 1998 بشأن نقل وزراعة الأعضاء البشرية في البحرين لتقييم أدائه طوال السنوات التي طبق فيها.
وفي حديثه مع «الوسط» استعرض المحامي علي سالم العريض مجموعة من انتقاداته على هذا القانون تحديدا في كونه يضع شروطا خاصة بشأن نقل وزراعة الأعضاء اعتبر فيها أن الميت اكلينيكيا (دماغيا) هو ميت شرعيا ما جعله يعتمد على رأي الأقارب في مسألة الموافقة على التبرع من عدمها وهذا أمر غير صحيح في رأيه. لأن هذه الأعضاء المنقولة لا شك في أنها حية وإلا لما نشأت الحاجة لنقلها، ما يجعل الميت المنقولة منه والذي يعتبر متوفى اكلينيكيا لا تنطبق عليه مواد القانون بخصوص الموتى شرعيا.
والأمر الذي يجعله فاقدا الأهلية هو حكم وقوعه تحت ولاية السلطان في هذه الحال. والسلطان في عصرنا هذا هو وزير الصحة بالنسبة للمواطنين وسفير الدولة بالنسبة للأجانب. الأمر الذي يجعل موافقة الأقارب من عدمها غير قانوني.
ومن جهة أخرى فإن الأعضاء البشرية لا تعتبر في القانون مالا ينتقل من ذمة إلى ذمة بل لا يملك صاحبها إلا على وجه القياس الحكمي التبرع بها لأنها من عطايا الإله الملتصقة بالمخلوق لاستعمالها وليس للتصرف فيها. فإن لم يكن يملك التصرف فيها وهو حي فكيف يجوز لأقاربه أن يملكوه وهو ميت دماغيا؟
أما الحقوق التي تنصب على الأشياء فهي تنقسم إلى مادية ومعنوية. ويبين العريض أولا أن الأعضاء ليست أشياء بالمعنى المالي الذي تنطبق عليه الوراثة. ومن الناحية المعنوية فإن نقل عضو من إنسان ميت دماغيا إلى آخر يحتاج إليه هو تكريم لهذا الإنسان وليس إهانة أو مثلة ويظهر ذلك في قوله تعالى «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، (المائدة: 32).
وقد جاء في القانون البحريني أن يعتد برأي الأقارب حتى الدرجة الثانية في الموافقة على التبرع وهي مسألة تعسر نقل العضو الذي لا يستمر في بقائه أكثر من 48 ساعة خصوصا في حوادث الطرقات والتي يستمر الدم منها نازفا بكميات كبيرة، ما يجعل القانون يقف حجر عثرة أمام الطب الحديث في معالجة أشخاص هم بحاجة إلى الدقيقة قبل الساعة في النقل. ويقترح العريض معاودة النظر في خصوصية هذا الجانب من الناحية التشريعية.
أما منظمة الصحة العالمية فقد وضعت لأعضائها قانونا اعتمد على مبدأ (أمنا الأرض ونحن أشجار تتلاقى فروعنا وتتكامل) بغض النظر عن الأعراف والأديان والألوان وذلك في تأكيدها على أهمية التبرع بالأعضاء. كما أسهمت المنظمة في وضع ما يشبه التنظيم لأعضائها في مسألة نقل الأعضاء بحيث اعتمد مبدأ عدم الرد من المسئولين عن الرد في التبرع خلال 48 ساعة باعتباره موافقة. واعتبر العريض هذا المبدأ تطورا إنسانيا تشكر عليه المنظمة. بل إنها أعطت الصلاحية المطلقة للمستشفيات المعنية بالأمر بأن تقوم باجراءات النقل في أسرع وقت ممكن حفاظا على سلامة العضو المنقول والشخص الذي ينقل إليه. إلا أن قرارات المنظمة ليست إجبارية ولا يعتبر كل أعضاء جمعية الأمم المتحدة منضوين تحتها.
غير أن هناك نوعا من الإلزام الإداري والمعنوي في القانون الدولي يضع جميع الدول تحت التنظيمات الدولية وتحت طائلة المقاطعة التجارية وقطع المعونات الاقتصادية والتبرعات وعدم التبادل الفكري والثقافي بحيث يجبرون على الانصياع لقرارات المنظمة فعليا.
أما حال الدول العربية فليس بأفضل من حال البحرين إذ تملك معظمها قوانين مشابهة. ولكن من الدول المميزة في هذا المجال الولايات المتحدة الأميركية إذ يوضع لجميع سائقي السيارات في رخصة القيادة بند صريح بأنه في حال إصابة صاحب المركبة بأي حادث بسبب الوفاة الدماغية تعطى الصلاحية للجهات المختصة بالتبرع بأعضائه باعتبارها منفعة له.
ويضيف العريض أنه تكاد تكون حال نقل العضو من شخص إلى شخص آخر سواء كان هذين الشخصين من الجنسية نفسها أو من جنسيات مختلفة من أعقد الأمور التي عالجها القانون لتداخل اختصاصاتها. فيتداخل فيها القانون الدولي الخاص والجنائي والمدني. ويتباين هذا التداخل في الاختصاص بالرجوع إلى عدة أمور منها سن الرشد المدني للناقل والمنقول. فإذا بلغ الاثنان سن الرشد كانت الأوضاع باعتبار القبول لكليهما بهذا المنطق الذي قدمته الحضارة الحديثة لحياة المحتاجين. لكن عند وجود قاصر يتدخل رأي الأقارب لكون ولاية الأهل مستمرة في الحياة وبعد الموت الدماغي على اعتبار أنه ليس الموت الشرعي.
العامل الثاني هو جنسية كلا منهما فقد تحرم بعض القوانين نقل الأعضاء لدى بعض الجنسيات بحسب نوازع عرقية ودينية ولكن وضع منظمة الصحة في حال عدم الرد خلال 48 ساعة من توجيه الخطاب للسفارة للقبول حل هذه المشكلة.
العامل التالي هو الحال العقلية للمنقولة منه الأعضاء وأثرها الصحي على العضو. وفي القبول يعتد برأي وزير الصحة على اعتبار أنه قاطع. كما أن أثرها الطبي يتحلل من كل تبعاته السلبية.
ويأتي الحادث المفضي للوفاة عاملا تاليا سواء كان مرضيا أم قسريا لما هو معروف من أن الوفاة المرضية تستهلك الأعضاء ما يجعل مسئولية الطب تقل كثيرا.
ديانة الطرفين عامل آخر إذ أن بعض الديانات تحرم قطعا نقل الأعضاء من أصحاب الديانات الأخرى، وقد أوصى العريض بعدم الإفصاح عن ديانة المنقول منه حتى إتمام العملية.
وجود أقارب للطرفين في البلد الذي تتم في عملية النقل أمر مهم إذ وضع القانون البحريني حلا جيدا لذلك. بينما وضع الحال الاضطرارية للمنقولة إليه مبررا لتجاوز المهن حسب العلوم الطبية وحال الخطر عندما تتصل بالوفاة في غضون 24 ساعة وهذا التجاوز تقره منظمة الصحة العالمية.
وتأتي مسئولية الطب في فحص سلامة الأعضاء المنقولة في أدنى مستوياتها نظرا إلى الحال الظرفية التي يعاني منها المنقولة منه وإليه. كما أن وجود الأجهزة الطبية الملائمة عامل مهم حيث أن منظمة الصحة العالمية تملك مواصفات للأجهزة المطلوبة لإقامة العمليات. فإن تدنت عن المستوى المطلوب بالنسبة للدولة فقدت الدعم القانوني للجهة الناقلة.
إضافة إلى وجود الجهة الطبية الملائمة و الحق العام الوطني، فهناك ما يسمى بالقانون الإنساني الذي يلتصق بالمواطن ويدفع على أساسه ضريبة الهواء والماء على الأرض.
ويقول العريض إنه على اعتبار أن الحياة هي من الحقوق الأولية التي أتت الأديان لتحميها فقد دافعت شرائع حقوق الإنسان عنها، كما دافعت عنها المنظمات الدولية وجعلت الحق العام في الدولة الناقلة نوع من التدخل والتصرف السريع لحماية الحياة التي هي من أقدس الحقوق التي يتمتع بها البشر وحمايتها من الأخطار الدائمة والمحيطة.
العامل التالي الذي ركز عليه العريض في حديثه هو الحق العام الدولي وهو ما درجت عليه الدول المنشئة للحضارات المتقدمة على اعتبار أن الإنسان هو أقدس قيمة أخلاقية ومادية مقارنة مع غيره من القيم حتى لو كانت عددية أو أخلاقية.
وأما في مجال الحديث عن التعويضات المالية فيرى العريض أن القانون البحريني وقع في خطأ فادح حينما حرم دفع مقابل للأعضاء ومنع الأطباء من ممارسة النقل في حال اكتشافهم ذلك. فوجود حقوق للأقارب تقررها بعض القوانين التي لا يمكن تجاوزها يجعل الطبيب بل وأهل المنقول إليه في وضع حرج بين موافقة القانون البحريني وفقدان حياة قريبهم وهذا الحرج الذي وضعته المادة يجب رفعه مهما كانت الأسباب الأخلاقية التي دعت إليه.
وفي مجال الحديث عن الرأي الشرعي رفض الشيخ محسن العصفور ما ذكره العريض في نفي وجود أية سلطة على الأعضاء، وأكد وجود ثوابت نصت عليها الشريعة الإسلامية في قوله تعالى «ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا»، (الآية 32: الإسراء)، الأمر الذي يؤكد ولاية الأقارب على الميت في حال المطالبة بالقصاص. إضافة إلى حديث نبوي ينص على حرمة الميت المسلم كحرمته حيا وهو حديث مستفيض عند جميع المذاهب الاسلامية وأفتى به جميع الفقهاء. أما الحرمة والقيمة الاعتبارية للمسلم فهي مستمرة بعد وفاته وأي اعتداء على الجثة تترتب عليه مؤاخذة شرعية. ويرى العصفور أن الشريعة الإسلامية وضعت تقديرات شرعية معينة في حال الاعتداء على جثة الميت مثل الاعتداء على الحي، وفي تقديره فإن دية الميت هي عُشر دية الحي وبالتطبيق على الدينار البحريني تصبح دية الحي 30 ألف دينار ودية الميت 3 آلاف دينار وهو المبلغ الذي نص عليه القانون البحريني.
أما دليل حرمة المسلم فهو تشويه الجثة الذي يعتبر من باب المثلة في الحديث الشريف «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور». فاقتطاع بعض أجزاء الجسم المؤدي إلى تشويه الهيئة محرم شرعا والأصل هو حرمة الميت.
وقد بين العصفور في حديث له إلى «الوسط» أنه قد شارك في وضع المرسوم بقانون رقم (16) المذكور وركز في وضعه على تضمينه عدة أمور شرعية منها اشتراط الوفاة القاطعة وتحديد الدية في حال المخالفة إضافة إلى اشتراط موافقة الأقارب حتى الدرجة الثانية.
وقال إن هناك فرقا بين المتوفى دماغيا وبين المتوفى قلبيا في الشرع، فالاصطلاح الفقهي يبين أن الوفاة الحقيقية تشترط توقف ضربات القلب. وقد حصل خلاف بين الأطباء في السابق بشأن مفهوم الوفاة وتم الاتفاق حاليا على اعتبار المتوفي دماغيا متوفي فعليا ويخول لهم استصدار شهادة، غير أن العصفور يؤكد أنها وفاة لا يقبلها الشرع. لأنه يعتمد على تحقق الوفاة بموت الدماغ مع توقف ضربات القلب وتتفق على ذلك جميع المذاهب الإسلامية. كما حصل في حالات نادرة أن عاد المتوفى دماغيا إلى الحياة على اعتبار أن الروح مازالت موجودة في الجسم وموت الدماغ لا يعني الوفاة الشرعية.
وبناء على ذلك يعتبر الطبيب الذي قام بالتصرف بأعضاء جسم المتوفى دماغيا قاتلا، لأن الوفاة لا تتحقق إلا بتوقف ضربات القلب. ويحق للورثة المطالبة بالقصاص أو الدية من الطبيب. وقد جاءت معظم مواد القانون البحريني لحماية الطبيب من هذا القصاص.
وفي مجال الحديث عن شرعية توصية المسلم بأعضائه بعد الوفاة يقول العصفور إن هناك بعض الفتاوى الشرعية الشاذة التي وضعها بعض الفقهاء والتي لا تحسم الخلاف.
وتأتي الإشارة إلى وجود عوامل عاطفية وعرقية واجتماعية عند الأقارب من الدرجة الأولى ترفض لمس الجثة وهو أمر لا يمكن التدخل فيه أو تغييره.
وتأتي عدم شرعية مثل هذه الأمور عند جمهور الفقهاء إلى عدم وجود صيغة شرعية إلزامية في وصية المتوفى بالتصرف في الأعضاء بعد الوفاة إذ أنه لا يملكه حقيقة وإنما هي وديعة استرجعت بعد الوفاة.
وأكد العصفور أن المادة التي تنص على ضرورة التحقق من الوفاة بصورة قطعية في القانون جاءت لنفي المؤاخذة عن الطبيب وأصحاب الأعضاء بعد عملية النقل.
كما جاء جواز التصرف في الأعضاء بناء على وجود ضرورة ملزمة ملجئة قصوى للحاجة إلى أعضاء الميت.
وقد وضع العصفور مجموعة من المخارج والحلول للمجتمع في هذا الجانب تمثلت في تشجيع غير المسلمين على التبرع بالأعضاء المختلفة لكونهم لا يعتقدون بحرمة أجسامهم كاعتقاد المسلمين. والتركيز على البدائل الصناعية والتكنولوجية والحيوانات المعدلة وراثيا كبدائل شرعية للتبرع بالأعضاء. إضافة إلى التركيز على إجراء مختبرات علمية لإيجاد قطع غيار للإنسان بعد رصد ميزانية ضخمة لدعم البحث العلمي في هذا المجال.
مادة (1): يجوز للأطباء المتخصصين، إجراء عمليات استئصال الأعضاء من جسم حي أو جثة متوفى وزرعها في جسم شخص حي آخر بقصد العلاج للمحافظة على حياته.
مادة (2): يجوز للشخص أن يتبرع أو يوصي بأحد أعضاء أعضاء جسمه على أن يكون كامل الأهلية قانونا ويكون التبرع بموجب إقرار كتابي.
مادة (3): لا يجوز نقل عضو من جسم شخص حي ولو كان ذلك بموافقته، إذا كان استئصال هذا العضو يفضي إلى موت صاحبه أو فيه تعطيل له عن واجب.
مادة (5): يجوز نقل الأعضاء من جثة متوفى بشرط الحصول على موافقة أقرب الأشخاص إليه حتى الدرجة الثانية، فإذا تعدد الأقارب في مرتبة واحدة، وجبت موافقة غالبيتهم... وذلك بالشروط التالية:
1- التحقق من الوفاة بصورة قاطعة، بواسطة لجنة طبية تشكل من 3 أطباء متخصصين من بينهم طبيب متخصص في الأمراض العصبية، على ألا يكون من بين أعضاء اللجنة الطبيب المنفذ للعملية.
2- ألا يكون الشخص المتوفى قد أوصى حال حياته بعدم استئصال أي عضو من جسمه بموجب إقرار كتابي.
مادة (6): يجوز بناء على توصية من 3 أطباء اختصاصيين على الأقل نقل عضو من جثة متوفي سواء كان معلوم الشخصية أو مجهولها لزرعه في جسم حي في حاجة ضرورية لإنقاذ حياته وذلك بعد موافقة وزير الصحة، بشرط ألا يكون المتوفى قد اعترض على النقل حال حياته أو لا يكون أقاربه قد وافقوا على النقل.
مادة (7): يحظر بيع وشراء أعضاء الجسم بأية وسيلة كانت أو تقاضي أي مقابل مادي عنها، ويحظر على الطبيب المتخصص إجراء العملية عند علمه بذلك.
مادة (10): يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون... بالحبس وبغرامة لا تزيد على 3 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين
العدد 85 - الجمعة 29 نوفمبر 2002م الموافق 24 رمضان 1423هـ