ضجيج أهل الحي ذبذبات تعبث بجسدي وصراخ أحفادي الصغار يحرق قلبي ونحيب أبنائي طنين نحاسي يمزقني ويهز سريري... وشبح أبيض يمد يده يقبض على معصمي... يقول بصوت خفيض:
- دعوه... دعوه إنه مفارق... لحظات ويرحل.
أجدني الآن كثور قعيد خواره أنين مكتوم وضباب كثيف أجتازه لأجد أمي تقول لي:
- يا ولد لا تطأ سجادة الصلاة أبوك يصلي.
لم أسمع كلام أمي ولعنادي ضربتني؛ وبعدما فرغ أبى من تمام الصلاة؛ طيب خاطري وأقسم أن يأخذني معه في رحلة صيد صباح إجازة الغد بعد وعد مني ألَّا أطأ أي سجادة صلاة لأحد يصلي.
لم أنم تلك الليلة فالأسماك القرمزية تطل برؤوسها من سقف الحجرة تنطلق أسراباً في الفضاء... وأصوات الموج وهي ترتطم بحواف سريري تؤرقني. وفي الصباح كنا عند النهر. أوقد أبي الكوالح وركن عليها براد الشاي قائلاً لي:
- انتبه للشاي... عندما يغلي نادِني.
كنت أتأمل أبي وهو يصيد... أتلهف لخروج سمكة... غمزت السنارة. قبض أبي على السمكة وضعها في الصندوق مبتسماً. نسيت الشاي وفتحت الصندوق أتأمل السمكة... كانت تصارع الهواء بذيلها... أنفاسها لاهثة ولونها الزاهي ينطفئ رويداَ رويداَ وعندما سكنت أنفاسها صارت باهتة شاحبة نسيت الشاي وسألت أبي:
- أبي... هل سأكون كالســ؟!
أجهض أبي سؤالي صارخاً في وجهي:
- الشاي... الشاي تبخر والبراد شاط
ما أروعك تناولت بحرفية رائعة لحظة صعبة جدا وهى لحظات الاحتضار كما لو انك ترسم لوحة مستخدما تكنيكات القصة الحديثة .... لم تتطرق له القصص القصيرة جدا ... الله عليك ... حقيقى كاتب متمكن من ادواتك