ذكرنا في الحلقات السابقة بعض المناطق التي توجد على الساحل الغربي للبحرين والتي كانت لها أهمية كبيرة في فترة الدولة العيونية (1077 – 1239 م)، والتي تمتد من صدد وحتى هورة عنقا جنوباً. ومن المناطق الأخرى التي توجد على الساحل الغربي والتي كانت لها أهمية في فترة الدولة العيونية هي كرزكان، والتي تعتبر من أقدم المناطق التي ظهرت بها آثار استيطان في الحقبة الإسلامية على الساحل الغربي؛ حيث تم العثور فيها على لقى أثرية تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، أي بداية الحقبة العيونية في البحرين (Larsen 1983, appendix 2). يذكر أن منطقتي كرزكان والمالكية تعتبران من أوائل المناطق التي سكنت في حقب ما قبل الميلاد، بل من المرجح أن هناك قرية /مدينة دلمونية نشأت على سواحل هذه المنطقة.
يشار إلى أنه عثر في موقع عين جراي في كرزكان على فخار العُبيد، وهو فخار يعود تاريخه لما قبل تأسيس حضارة دلمون (Larsen 1983, appendix II). أما في المالكية فقد عثر في موقع الناصرية على مستوطنة دلمونية تحتوي على ورش لصهر النحاس، ومن المرجح أن هذه المستوطنة كانت تعمل في استيراد النحاس الخام، سواء من حضارة وادي السند أو من حضارة مگن، ومن ثم يتم صهره وتنقيته من الشوائب، وبعدها يتم إعادة تصديره. كما يرجح وجود مرفأ قريب من هذه المستوطنة يقع على ساحل المالكية (صويلح 2009، ص 320 – 321). هذا ولا نعلم شيئاً عن تسلسل الاستيطان في هذه المناطق إلا أن هناك فجوة آثارية ما بين حقبة تايلوس وفترة الدولة العيونية.
العيون الطبيعية ونظام القنوات
يتميز الساحل الغربي بوجود العديد من العيون الطبيعية الضخمة التي ترتبط بنظام القنوات التحت أرضية والتي تعتبر المصدر الأساسي للمياه في المناطق الممتدة من كرزكان شمالاً وحتى دار كليب جنوباً. ومن أهم هذه العيون عين أم جراي وعين المالچية (المالكية)، وكلتاهما مرتبطتان بنظام القنوات التحت أرضية، وتزود منطقتي كرزكان والمالكية بالمياه، وقد ذكرهما لوريمر في دليله (Lorimer 1908, V.2, 231). ومن هذه العيون أيضاً عين صخارى وعين الحكيم واللتان ترتبطان بنظام القنوات أيضاً وتزودان الماء لبقية القرى الأخرى على الساحل الغربي.
وفي الواقع، فإن هذه العيون عبارة عن ينابيع ماء قوية تم بناء جدران ضخمة حولها، فهي كخزانات الماء الضخمة، وقد وصف Bibby إحدى هذه العيون وصفاً جميلاً وذلك في كتابه «Looking for Dilmun» (Bibby 1970, pp. 51-53)، والمرجح أن العين التي وصفها في كتابه هي عين صخارى. وقد وصف Bibby هذه العين، بالعين الضخمة بيضاوية الشكل والتي يبلغ طولها قرابة مئتي ياردة (قرابة 182 متراً) وأن عمقها قد يصل إلى عشرين أو ثلاثين قدماً، ولها، من الداخل، مجموعة درجات تنحدر إلى قاعها. وعندما زار Bibby هذه العين في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي كانت العين قد جف ماؤها ونما بداخلها النخيل والأشجار وأصبحت، بحسب وصف Bibby، كواحة أو حديقة جميلة.
الدولة العيونية
وتطوير نظام القنوات
لا نعلم على وجه الدقة متى بني هذا النظام المائي معقد البناء، غير أننا، في سلسلة مقالات سابقة، رجحنا أن يكون هذا النظام بني في القرون الثلاثة الأخيرة قبل الميلاد. وتشير نتائج عمليات المسح الآثارية إلى أن هذه العيون والقنوات تم ترميمها وتطويرها وإعادة العمل بها في بداية الفترة الإسلامية المتوسطة، أي ضمن فترة الدولة العيونية (Larsen 1983, pp. 87 - 88).
يذكر، أن الدولة العيونية اهتمت اهتماماً كبيراً بالزراعة في كل المناطق التي سيطرت عليها، حيث طورت الزراعة وطرق الري، وحافظت على زراعة محاصيل معينة كالقمح والشعير (الحسين 2006). فهناك تقارير توضح أن القمح والشعير كانا من أبرز المنتجات الزراعية في البحرين منذ القرن الثاني عشر وحتى القرن التاسع عشر حتى أن البوكيرك في العام 1510م وصف أيضاً حقول الشعير في البحرين (Nesbitt 1993).
وبلا شك، فإن أمراء الدولة العيونية طوروا منطقة كرزكان وما حولها من الناحية الزراعية حتى تحولت هذه المناطق إلى قطعة فنية يصعب عليهم فراقها. هذا، وقد ذكر هذه الأراضي الزراعية الشاعر ابن مقرب العيوني، وذلك في نونيته التي كان يتأسف فيها على ضياع أملاك العيونيين في أوال، ويقول فيها (الجنبي وآخرون 2012، ج5، ص 2858):
وَأَمَضُّ شَيءٍ لِلقُلوبِ قَطائِع بِالمَروَزانِ لَهُم وَكَرّزكانِ
موقع القرية الإسلامية في عالي
بالإضافة إلى المناطق المهمة التي توجد على كلا الساحلين الشرقي والغربي للبحرين والتي ناقشناها في الحلقات السابقة، توجد أيضاً مناطق في وسط البحرين، ويرجح أنها كانت ذات أهمية في فترة الدولة العيونية، منها موقع المدينة الإسلامية المبكرة في عالي، والتي تناولناها بالتفصيل في حلقات سابقة، والتي تقع في الشمال الغربي من عالي. يذكر، أن هذه القرية استمرت، بحسب الفخار الذي عثر عليه فيها، حتى القرن الثاني عشر الميلادي بأقل تقدير (Carter 2005). هذا ويعتبر اسم عالي من الأسماء القديمة، وقد ورد الاسم بصورة مركبة وهو اسم منطقة «حويص عالي» وذلك في نقش قديم يرجع تاريخه إلى العام 1374م (Kalus 1990)؛ ما يعني أن اسم عالي معروف قبل هذا التاريخ بكثير.
الخلاصة، من خلال ما عرضناه في الحلقات السابقة يلاحظ وجود العديد من المناطق التي كانت ذات أهمية في فترة الدولة العيونية والتي تقع على كلا الساحلين الشرقي والغربي للبحرين وكذلك في وسط البحرين؛ ما يؤكد التوسع السكاني الكبير الذي حدث في البحرين في فترة الدولة العيونية والتي عملت على توسيع الرقعة السكانية من خلال الاهتمام بالزراعة، وإعادة صيانة وتطوير العيون الطبيعية ونظام القنوات التحت أرضية. هذا، ولم نتطرق بعد إلى المناطق المهمة الأخرى في هذه الفترة والتي تمتد بطول الساحل الشمالي للبحرين، وتمتد جنوباً حتى الأطراف الجنوبية لمنطقة سار، وهذه المناطق سنتناولها بالتفصيل في الحلقات القادمة.
كرزكان وما تحمل من اسرار وما خفي اعظم... كل الشكر والتقدير لصاحب المقال الباحث الله يوفقه
ألف شكر لكم على هذه المعلومات القيمة.. لكن أمانة توني أدري ان كرزكان كانت موجودة لان على حسب علمي هذي نتاج من من قرية المالكية حيث طردت الفئة الغير مرغوبة في القرن الثامن عشر لكرزكان.. وعتبي عليكم فالعنوان يجب أن يذكر فيها اسم المالكية فمعظم الكلام عن المالكية وتم تلصيق كرزكان في الموضوع بسبب خط ماي ما له أثر..
ههههههههههههه
وامض شيء للقلوب قطائع لهم بكرزكان
نتمنى من الاستاذ الباحث مواصلة السفر القيم
وشكرا
عجبني التعليق ياطيب هذا موضوع بحثي عن فترة زمنية لمنطقة القرى الغربية نتيجة بحث وتقصى مو موضوع كرة قدم وفريق المالكية تفوق على فريق الهملة الله يهديك
ومن وين كنت محصل على معلوماتك القيمة عن نشوء كرزكان.. من موالجة كانوا متهاوشين ويا كرازنة في القرن التاسع عشر
خوك اليوم المالجية تلعب ضد النجمة مو تنسى تروح .. بقول لك شي بعد في القرن السادس قبل الميلاد كانت كرزكان تلعب ضد المالجية وكرزكان غلبت 11/1 اذا تحب تتأكد اسألني
اتذكر كان عندنا حفريات لتطوير الخدمات في كرزكان ووجدنا هذا الخط للماء تحت الارض ومازل الماء كان يجري ونقي وكان في سنة ١٩٩٠