قناعة أحد الطرفين بالآخر (الزوج أو الزوجة) هي أفضل طريق لاستمرار العلاقة الزوجية. فهي تعمل على تقوية العلاقة وتساعد على تجاوز أخطاء الطرف الآخر. في علاقاتنا الأسرية لا يمكن أن نكون منزّهين عن الأخطاء ولا يمكن أن يكون هناك زوج مثالي أو زوجة مثالية بكل المقاييس، ومخطئ من يعتقد أن هناك أسرة خالية من الأخطاء والثغرات والمشكلات، ولكن قوة الزوج الحكيم والزوجة الحكيمة تكمن في مدى قدرتهما على استيعاب مثل هذه الأخطاء بعيدا عن تضخيمها والنفخ فيها بطريقة قد تحولها إلى «كارثة زوجية» في حين هي لا تعدو أن تكون مشكلة بسيطة طارئة يمكن استيعابها وبأقل كلفة من دون الوقوف أمامها كثيرا وبذلك يتحقق الزواج الناجح. فالزواج الناجح يعني أن تعتبر الكوارث حوادث لا العكس. أما الذين يضخمون القضايا الأسرية ويحولونها إلى فضائح عند الأهل والجيران والأصدقاء، فتُحول إلى عقد أسرية، هم بذلك «يخربون بيتهم بأيديهم» من دون أن يشعروا بذلك.
فالاسلام يركز على الزوجين البحث عن المواضع المضيئة والايجابية في كل منهما ساعة العتاب أو التقييم حتى لا يكونا سوداويين في نظرتهما إلى بعضهما فكل انسان لا يخلو من جوانب مضيئة تشفع له ساعة اغضابه إلى حبيبه، فالشاعر يقول:
اذا الحبيب أتى بذنب واحدٍ
جاءت محاسنه بألف شفيع
فلو أن كلا من الزوج والزوجة ركزا على الجوانب الايجابية ساعة الغضب لاكتشفا الكثير من الايجابيات الخلقية والسلوكية التي يحملها الآخر وهذا ما ركز عليه رسول الله «ص» إذ قال:
«لا يكره مؤمن مؤمنة. ان كره منها خلقا رضى منها آخر». فالطيبة تغلب بساطة الجمال، والصبر على المكروه يشفع لها سرعة الدلال وهكذا.
وهنا يولد البيت السعيد وينتعش كوخ الحب خصوصا إذا ما سكنته القناعة وظلله الصبر؛ لهذا كان الحكيم طاغور يقول: «الانسان الراضي بقدره لا يعرف الخراب». والحياة الزوجية أساسها التسامح وغض الطرف عن الأخطاء العفوية لأن الحياة قائمة على التسامح ولا يمكن أن تستمر إلا بذلك. أما المحاسبة الدقيقة والغيرة الجنونية الزائدة وانشغال الأسرة بالمحاسبة الدائمة وبالرقابة المبالغ فيها والتدقيق والوقوف طويلا أمام كل مسألة وكل مشكلة، فإن كل ذلك يحول المنزل مع مرور الأيام إلى جحيم لا يمكن أن تستمر فيه الحياة، وتتحول الأسرة إلى أسرة نكدية يغلب عليها طابع الصدام والصراخ والمواجهة الدائمة مما يفقدها أهم عنصر فيها وهو الراحة والسكنى... «وجعل بينكم مودة ورحمة» (الروم: 21).
ان الاسلام كان دقيقا في تصوير طبيعة العلاقة بين الزوجين عندما قال: «هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن» (البقرة: 187).
فالزوج بلا امرأة يتحول إلى رجل عارٍ يعيش في العراء وإن كان في قصر منيف. ووجود المرأة ليس المادي فقط وانما المعنوي أيضا يتحقق بإضفائها الرأفة والنعومة والأنوثة والأمومة والحب وتذوق الحياة. فالزوجة اذا اتقنت فن التعامل مع الزوج تتحول الأسرة إلى جنة غنّاء وفردوس جميل وهنا يتحقق اللباس وكذلك بالنسبة إلى الزوج تجاه الزوجة.
لذلك ينبغي على الاثنين التوازن في العلاقة ويجب على الزوجة ألاّ تفرض قبضتها على الزوج بطريقة تخدش وجوده وشخصيته فإن الزوجة ان فرضت قبضتها على الزوج فقدت حبه، لأنه يراها امرأة متسلطة، بلا روح، بلا مشاعر، بلا أنوثة وبلا احسان، فقد يلبي لها كل شيءٍ ولكنها تفقد أعز شيءٍ تبحث عنه كل امرأة وهو الحب والعاطفة وربما ذلك يضطره للتفكير في امرأة أخرى. فالوفاق والتسامح وتجاوز الهفوات عوامل أساسية لاستمرار العلاقة، أما غير ذلك فيعني هبوطا عاطفيا مفاجئا قد يؤدي إلى كارثة لأن انخفاض درجة حرارة أحد الزوجين عاطفيا قد يسبب كارثة غير متوقعة تعمل على هدم الأسرة.
وبذلك يبقى الزوج المحب انفع لربة البيت من جميع الوسائل التي ابتكرت لراحتها.
لهذا الزوجة المثالية هي التي لا ترى شيئا أفضل من زوجها، فهو فوق (اللباس) و(الأكل) و(العمل) و(المال) و(الصديقات) و(الأهل)... فإن الله يحب (الزوجة الذليلة مع زوجها العزيزة مع أهلها) لا العكس، لأن وطن المرأة زوجها، حياتهما مربوطة ببعضهما، لو تمزقت الأسرة فإن مردود ذلك عليهما، لو فشل الأبناء في الدراسة فهما أول المتضررين من هذا الفشل، لهذا يجب أن يعرفا كيف يقودان الأسرة نحو طريق صحيح.
ان الأديب الكبير توفيق الحكيم يقول: «أسعد الزوجات من تعتقد أن زوجها ممتاز». بذلك هي لن ترى غيره، ستقتنع به على أخطائه لأن مزاياه المضيئة ستكون دائما أمام العين، وهنا ستستمر هذه العلاقة. ولا يوجد أفضل من القناعة فهي التي توفر السعادة وتحققها... ينقل لنا التاريخ أن رسول الله (ص) سأل عليّا (ع) بعد زواجه من ابنته فاطمة: كيف وجدت فاطمة يا علي؟ فقال: نعم العون على طاعة الله. ولما سأل فاطمة في علي قالت: خير بعلٍ يا رسول الله.
الأخطاء الزوجية تذلل بالحلول الحكيمة وبالتروي والهدوء خصوصا ساعة الرضا، فعلماء النفس يوصون الأزواج بحل مشكلاتهم عندما يكونون في حال اقبال ورضا عن بعضهما، إذ بإمكان كل واحد تقبّل النقد والمساءلة. أما ساعة اشتداد المشكلة واشتعالها فإن النقاش فيها يزيدها اشتعالا وتعقيدا لأن الغضب شعبة من شعب الجنون. فالزوجان الحكيمان هما من يحاولان عدم فتح العتاب والمحاسبة ساعة تأزم المشكلة.
كثيرون هم الأزواج الحالمون فهم يحلمون قبل الزواج ويستيقظون بعده، بعضهم يرى الزواج مقبرة للحب والبعض الآخر منهم ازداد حبا عندما تزوج. بعض الزوجات رأين أن العمى في الزواج من دون التدقيق الزائد هو الحل لاستمراره، كما أن بعض الأزواج رأى الصمم طريقا سحريا لتجاوز صراخ وهفوات الزوجة... بين هؤلاء وهؤلاء نظرية تفوقهم حكمة وجمالا وصدقا. إن التوازن والوسطية في الحياة، التي منها العلاقات الأسرية، هي الأسلوب الأمثل لبناء أسرةٍ مثالية سعيدة تؤمن بخطر البحر لكنها تبحر، تعلم أن في السفينة ضعفا وأن الربان ليس هو الأفضل وقد تمطرهم السماء ثلجا وتتجاذبهم مياه البحر ولكن كل ذلك يمكن تجاوزه لأن ليس مكتوبا على الانسان أن ينجح بقدر ما عليه أن يسعى، ويبقى التوفيق بيد الله مادام هناك عزم وإرادة وحكمة في التعاطي مع الحياة.
لذلك يخطئ من يعتقد أن الزواج مقبرة للحب بل هو انعاش للحب وتقادم وترسخ لري المشاعر المتبادلة التي انطلقت أول ما انطلقت ساعة اتمام العقد والدخول في مرحلة «الخطوبة». فالحب للزوج أو الزوجة لا يمكن أن يشتعل ساعة العقد لينتهي ويتلاشى ساعة الزواج وانجاب الأبناء مادام هناك وعي وثقافة أسرية يقودان الأسرة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 84 - الخميس 28 نوفمبر 2002م الموافق 23 رمضان 1423هـ