على وقع الاعتداءات الإسرائيلية اليومية ضد الفلسطينيين، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية انها تعد لاستقبال اجتماع للجنة الرباعية (الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) لبحث النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في 20 ديسمبر/ كانون الأول المقبل في واشنطن. لكن لن يكون بمقدورها مناقشة النسخة النهائية لخطة «خريطة الطريق» التي لن تكون جاهزة بحلول هذا الموعد، بينما أعلنت حكومة آرييل شارون تمسكها بمواصلة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وذلك ردا على رسالة أميركية تعارض ما يسميه الإسرائيليون البناء لمواجهة النمو الطبيعي في المستوطنات.
ولفت هيرب كينون في «جيروزاليم بوست»، إلى ضرورة أن تعطي إسرائيل «خريطة الطريق» المزيد من الاهتمام، بعد الانتهاء من انتخابات حزب الليكود الأسبوع الجاري. وإلاّ فإنها ستعاني من العواقب عندما يتم إعلان النسخة الأخيرة من الخريطة، وخصوصا ان الفلسطينيين يحاولون منذ بدأت المحادثات بهذا الشأن بين أعضاء اللجنة الرباعية، الاستفادة من غياب إسرائيل. إلاّ ان ألوف بن في «هآرتس»، كشف ان مستشارة الأمن القومي الأميركي غونداليزا رايس، أعلمت رئيس «مكتب شارون»، دوف ويغلاس، ان الولايات المتحدة مستعدة لمناقشة النسخة المعدلة من «خريطة الطريق» الأميركية مع الحكومة الإسرائيلية ومستعدة لأخذ ملاحظات إسرائيل عليها في الاعتبار قبل أن تضع المسودة النهائية للخريطة، أما إذا قررت إسرائيل تأجيل البحث في الخريطة إلى ما بعد الانتخابات العامة الإسرائيلية فإن الولايات المتحدة ستتفهم ذلك إلاّ انها ستتابع جهودها لوضع اللمسات الأخيرة على مسودة «خريطة الطرق» كي تتمكن من عرضها أمام اللجنة الرباعية في 20 ديسمبر، الأمر الذي يشير بحسب بن، إلى ان واشنطن تنوي الاستمرار في البحث عن سبل تفعيل «خريطة الطريق» من أجل التوصل إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة... وكان ألوف بن، أول من أشار إلى ان الإدارة الأميركية، لا تعترف بالتفاهم الذي تم التوصل إليه في يونيو/حزيران2001، بين شمعون بيريز وكولن باول، بشأن «النمو الطبيعي» للمستوطنات الإسرائيلية. كاشفا عن ان مسئولا أميركيا رفيع المستوى، لم يحدد هويته، أبلغ رسالة أميركية إلى إسرائيل، مفادها ان التفاهم «ألغي». ورأى بن، ان هذه الرسالة الأميركية تتضمن إشارة واضحة إلى ان واشنطن، تنوي المضي قدما في مبادرة «خريطة الطريق الأميركية». لكنه لاحظ ان الإدارة الأميركية منقسمة إزاء طلب رئيس حكومة إسرائيل شارون، تأجيل المحادثات بشأن مبادرة «خريطة الطريق» إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في 28 يناير/ كانون الثاني. وبدا لبن، ان البيت الأبيض ينحو باتجاه تأجيل المباحثات بهذا الشأن إلى ما بعد الانتخابات تلبية لطلب شارون. ونصح برنت سكوكروفت (مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس السابق جورج بوش الأب) في «واشنطن بوست»، الإدارة الأميركية، بأن تدفع بقوة في اتجاه وضع هذه الخريطة موضع التنفيذ. ورأى انه إذا قامت الولايات المتحدة بإعلان رؤيتها في هذا الوقت بالذات، في إشارة منه إلى اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية والفلسطينية، فإن هذا الأمر سيوسع آفاق الناخبين الفلسطينيين والإسرائيليين، وستأتي نتائج الانتخابات في صالح القوى الداعية إلى السلام. وخلص إلى ان النجاح الدبلوماسي الأميركي في العراق، بالإضافة إلى النجاح في تحقيق تقدم ما على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قد يفتح الطريق أمام حصول تغيير شامل في المنطقة يصب في صالح التطلعات الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط. وكان وزير الخارجية الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقال نشرته «معاريف»، واضحا في موقفه من قيام الدولة الفلسطينية، حين أكد ان السياسة الاسرائيلية يجب أن تظل قائمة على أسس حديد ثلاثة: معارضة قيام دولة فلسطينية، والاستعداد للتوصل إلى تسوية مع زعامة فلسطينية تتنكر للارهاب ولمبدأ تدمير إسرائيل، ودعم تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين تمنحهم حكما ذاتيا كاملا من دون صلاحيات تهدد وجود الدولة العبرية. بينما انتقد موتي باسوك في «هآرتس»، التغيب الكامل لبعض الوزراء عن وزاراتهم بسبب انشغالهم بالتحضير للحملات الانتخابية، معتبرا ان ذلك ينعكس على الوضع الاقتصادي الصعب والمؤلم. ورأى انه من الواضح ان الوضع الاقتصادي في «إسرائيل» سيبقى مجمدا إلى ما بعد الانتخابات العامة وفي الوقت الحاضر فإن الشعب الإسرائيلي هو من يدفع الثمن. وأشار مايلز بومبر في «نت ماغازين» (مجلة أميركية على الإنترنت)، إلى ان الزعماء الإسرائيليين، لطالما قاموا باستغلال علاقاتهم القوية بالرؤساء الأميركيين لكسب الدعم الشعبي في حملاتهم الداخلية الانتخابية. لافتا إلى انه من الواضح ان رئيس حكومة إسرائيل، يحاول اليوم بدوره لعب الورقة الأميركية. مشيرا إلى ان مصادر مقربة منه، قالت ان طلب إسرائيل من الولايات المتحدة الحصول على ضمانات قروض بقيمة 10 مليارات دولار على الأقل، وغيرها من المساعدات حظي بدعم إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش. إلاّ ان بومبر، لفت إلى ان البيت الأبيض قلق من أن تبدو هذه المساعدات، وكأنها تدخل في الانتخابات الداخلية لحزب الليكود. كما ان أي محاولة من الرئيس بوش، لتسريع حصول «إسرائيل»، على هذه المساعدات قبل الانتخابات العامة الإسرائيلية في فبراير/شباط المقبل، ستؤدي إلى مشكلات مع الديمقراطيين في الكابيتول هيل. موضحا ان بعض الديمقراطيين يطالبون بتجميد المساعدات الأميركية عن «إسرائيل»، في حال استمر شارون، بالإصرار على توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. من جهة أخرى، نقل بومبر، عن مصادر إسرائيلية مسئولة، ان الإدارة الأميركية تسعى من خلال هذه المساعدات إلى ضمان بقاء «إسرائيل» على الحياد خلال الحرب الأميركية المتوقعة ضدّ العراق. وأشارت المصادر إلى ان شارون لم يقم بأي تعهدات حيال هذه المسألة، إلاّ انهم رأوا ان طلب شارون، الحصول على هذه المساعدات، هو جزء من تصميم الأخير على عدم تعريض علاقاته بإدارة بوش للخطر. لكن وليام سافير في «نيويورك تايمز»، طمأن الجميع إلى ان بوش يثق بشارون... وان فرص آرييل شارون ستكون الأعلى لكسب معركة رئاسة الليكود ولكسب الانتخابات العامة في «إسرائيل» في فبراير المقبل.
ألقى سافير، الضوء على انتخابات حزب الليكود الإسرائيلي المتشدد، التي ستجرى هذا الأسبوع الجاري لاختيار رئيس للحزب اليميني. وأوضح سافير، ان أمام الناخبين الليكود البالغ عددهم 300 ألف عضو خيارين: رئيس الوزراء شارون، ووزير الخارجية بنيامين نتنياهو. ولاحظ سافير، ان ننتنياهو، يحاول انتزاع السلطة من شارون، عن طريق التركيز على إعادة بناء «اقتصاد إسرائيل»، ومن خلال اتخاذ مواقف متشددة أكثر من مواقف شارون نفسه. فنتنياهو، لا يكتفي فقط بإعلان نيته ترحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بل هو يرفض بشكل قاطع رؤية شارون، القاضية بقيام دولة فلسطينية بعد وقف «الإرهاب». لكن سافير، لاحظ ان استراتيجية نتنياهو، لا يبدو انها ناجحة. إذ ان كل استطلاعات الرأي تشير إلى تفوق شارون، على خصمه بنسبة كبيرة. فعلى رغم ان لنتنياهو، أصدقاء كثر، وعلى رغم انه يبدو أشدّ إقناعا من شارون، حين يتحدث الإنجليزية بطلاقة على شاشات التلفزة، إلاّ ان لشارون، ميزات أخرى أكثر أهمية. فشارون، يحظى بثقة عدد كبير من الإسرائيليين الذين يعرفون، بأنه يعني ما يقول. كما ان الفلسطينيين الذين يسعون للحصول على دولة فلسطينية ديمقراطية، يدركون انه إذا عقد شارون، اتفاق سلام مع الفلسطينييين، فهذا الاتفاق سيكون مبنيا على أساس استفتاء شعبي.
وأضاف سافير، ان الرئيس بوش، يثق بشارون، أيضا، حتى انه لم يسبق أن كانت العلاقات الأميركية - الإسرائيلية متينة كما هي الآن. وأعرب سافير عن اعتقاده، ان فرص آرييل شارون، ستكون الأعلى لكسب معركة رئاسة الليكود، ولكسب الانتخابات العامة في إسرائيل في فبراير المقبل. وأضاف قائلا بلهجة متهكمة، انه عندما يصل شارون إلى رئاسة الحكومة مجددا، فإنه يودّ أن يرى نتنياهو، حينها في وزارة المالية يمدّ يده ليخرج إسرائيل، من ركودها الاقتصادي. أما هيرب كينون في «جيروزاليم بوست»، فقد نقل تمني مصادر دبلوماسية إسرائيلية وصفها بأنها رفيعة المستوى، من أن تتمكن إسرائيل من أن تعطي «خريطة الطريق الأميركية» المزيد من الاهتمام، بعد الانتهاء من انتخابات حزب الليكود الأسبوع الجاري. ولفتت المصادر، إلى ان الاتحاد الأوروبي، وروسيا، يمارسان ضغوطا على الولايات المتحدة، للخروج بأسرع وقت ممكن بصيغة نهائية لـ «خريطة الطريق»، على رغم ان «إسرائيل»، تأمل في أن يتم تجميد هذه المسألة حتى 28 يناير المقبل، أي إلى ما بعد الانتخابات العامة الإسرائيلية. ولفتت المصادر، إلى ان «إسرائيل» لم تتعاط مع هذه المسألة (خريطة الطريق) بجديّة، منذ أن أطلق شارون، الدعوة إلى إجراء انتخابات عامة. ورأت المصادر انه لا يوجد أي مبرر يدعو إلى تجاهل هذه المسألة ما ان تنتهي انتخابات الليكود. وحذرت المصادر من انه يجب على «إسرائيل»، أن تعمل بفاعلية حيال هذه المسألة، وإلاّ فإنها ستعاني من العواقب عندما يتم إعلان النسخة الأخيرة من الخريطة، وخصوصا ان الفلسطينيين يحاولون منذ بدأت المحادثات بهذا الشأن بين أعضاء اللجنة الرباعية، الاستفادة من غياب «إسرائيل».
على المقلب الآخر، ناقشت القيادة الفلسطينية «خريطة الطريق» في اجتماع لها في رام الله وصفه وزير الداخلية الفلسطيني هاني الحسن بأنه اجتماع مهم. أما على مستوى الاتصالات الخارجية، فقد توجه الوزير الفلسطيني نبيل شعث، إلى واشنطن لإطلاع المسئولين الأميركيين على التعديلات الفلسطينية المطلوبة على خطة «خريطة الطريق» الأميركية والتي من المرتقب أن تعلن في 20 ديسمبر المقبل. وإذ قال في حديث إلى «القدس» (الفلسطينية) إلى ان السلطة لم توجه إلى الإدارة الأميركية بعد أية رسالة «تعلن قبولنا الخطة الأميركية» أعلن «ان التحفظات الفلسطينية عن الخطة تتركز على الإنهاء المبكر للنشاطات الاستيطانية. كما ان قضية القدس غير مشار إليها في الخطة الأميركية ولم تتعرض الخطة للانسحاب من المدن الفلسطينية التي أعيد احتلالها وإرسال مراقبين دوليين إلى الأراضي الفلسطينية».
ماذا ستختار الولايات المتحدة بشأن «خريطة الطرق»؟ انتظار الدولة العبرية إلى أن تفرغ من انتخاباتها العامة أم ستعتمد الموعد الذي وعدت به اللجنة الرباعية في 20 ديسمبر؟ أم ان السؤال الحقيقي لماذا تسارع الإدارة الأميركية الخطى في إثارة النقاش عن «خريطة الطريق» في وقت تعد غزو العراق؟ وقد تأتي الإجابة في النصيحة التي أسداها برنت سكوكروفت (مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد بوش الأب) في مقال نشرته «واشنطن بوست»، بضرورة أن تدفع الإدارة الأميركية، بقوة في اتجاه وضع هذه الخريطة موضع التنفيذ. وهو إذ لاحظ ان الدبلوماسية الأميركية نجحت حديثا في الحصول على قرار من مجلس الأمن، قد يؤدي إلى حلّ المسألة العراقية بالطرق السلمية. ورأى ان الإدارة الأميركية ومن خلال تخليها عن خيار شن حرب أحادية ضدّ العراق، فإنها استطاعت تحقيق هدفين: الأول انها أقنعت مجلس الأمن الدولي بمواجهة مسئولياته بنفسه. والثاني، ان إعلان الولايات المتحدة ان المسألة العراقية لن تحلّ إلاّ عبر تغيير النظام العراقي، سيدفع بصدام حسين، إلى أخذ التهديدات الأميركية على محمل الجد، وإلى القبول بشروط مجلس الأمن، كي يستطيع تجنب مواجهات لا يمكن حصر عواقبها على منطقة الشرق الأوسط. ورأى سكوكروفت، ان صدام الذي وافق على قرار مجلس الأمن 1441، يواجه اليوم خيارين: فإما أن يتعاون ويذعن بشكل كامل للقرار الدولي. وإما أن يحاول شراء الوقت من خلال التطبيق البطيء والجزئي لقرار مجلس الأمن. ورأى سكوكروفت، انه في انتظار نتائج تقارير المفتشين الدوليين في شأن العراق، فإن على الولايات المتحدة أن تطلق مبادرة دبلوماسية أخرى على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلي. لافتا إلى ان الولايات المتحدة، خطت خطوة أولى في هذا المجال مع شركائها في اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وروسيا) من خلال وضع «خريطة طرق» تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة في العام 2005، داعيا الإدارة الأميركية إلى أن تدفع بقوة في اتجاه وضع هذه الخريطة موضع التنفيذ. ورأى سكوكروفت انه إذا قامت الولايات المتحدة بإعلان رؤيتها في هذا الوقت بالذات، في إشارة منه إلى اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية والفلسطينية، فإن هذا الأمر سيوسع آفاق الناخبين الفلسطينيين والإسرائيليين، وستأتي نتائج الانتخابات في صالح القوى الداعية إلى السلام. وخلص إلى ان النجاح الدبلوماسي الأميركي في العراق، بالإضافة إلى النجاح في تحقيق تقدم ما على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قد يفتح الطريق أمام حصول تغيير شامل في المنطقة يصب في صالح التطلعات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط
العدد 84 - الخميس 28 نوفمبر 2002م الموافق 23 رمضان 1423هـ