احتجاج اصحاب الفنادق على القرارات الفجائية وغير المدروسة (بحسب رأيهم) ليس بعيدا عن احتجاج علماء الآثار على اعمال الترميم والدفن (التخريب بحسب رأيهم) الجارية حول قلعة البحرين، وكل تلك الاحتجاجات ليست بعيدة عن الاحتجاجات في انحاء العالم الناتجة عن تضارب المصالح الاقتصادية مع القيم الدينية أو التراث/ الآثار أو حقوق الانسان أو البيئة. فعلى المستوى الدولي هناك مداولات فكرية وسياسية واقتصادية وقانونية حول مجمل هذه الأمور.
فالمصالح الاقتصادية لشركة معينة قد تقتضي تدمير غابة من الاشجار لبيعها، أو قد تقتضي اصطياد الأسماك بواسطة شباك صنعت لاصطياد كل شيء حتى بيض السمك، وبالتالي فإن ارباح الشركة تزداد، ولكن السمك يختفي من تلك المنطقة بعد فترة.
ولو تركت الأعمال التجارية والاقتصادية من دون ضوابط فإن السعي وراء الربح المباشر قد يقضي على البيئة البرية والبحرية ويلوث الجو، وقد يعني استخدام الاطفال في المصانع بأجور زهيدة، وقد يعني تدمير الآثار واستملاك او بيع ما تبقى منها، وقد يعني عدم احترام القيم الدينية لمجتمع ما. ومن هنا فإن القانون هو الذي يضبط المعادلة بصورة متوازنة، بحيث لا يخسر التجار ولا تتوقف عجلة الاقتصاد، ولكن ايضا لا يتم تدمير البيئة ولا يتم الاعتداء على حقوق الانسان ولا يتم التعدي على التراث ويتم احترام القيم الدينية. ولكي يكون القانون متوازنا يستلزم الامر عقلنة النقاش والحوار واستشارة جميع الاطراف المعنية قبل اصدار التعليمات التي ربما تصدر لتلبية مطلب معين ولكنها قد تضر بالحركة التجارية بصورة سلبية دائمة. وفي كثير من الأحيان تكون عملية التوازن سهلة المنال، إلا ان الامور تتعقد نوعا ما عندما لا يكون هناك فهم مشترك حول طبيعة الامور ولا يمكن للاطراف المختلفة ابداء وجهة نظرها بصورة متوازنة.
والمسلمون تاريخيا كانوا من انجح الامم في التجارة ولم يمنعهم التزامهم بدينهم من ايصال حضارتهم إلى مشارق الارض ومغاربها عبر التجارة. بل ان هناك شعوبا كبرى ( مثل اندونيسيا وماليزيا) اسلمت على يد التجار العرب الذين كانوا يسافرون إلى تلك المناطق بحرا من اجل التبادل التجاري. على ان المسلمين قد خسروا بعض الامور عندما لم يستكملوا التفكير. فالسوق المالية في البلاد الاسلامية كانت مجال شك لكثير من المسلمين الذين ابتعدوا عن المتاجرة بالمال والصرافة في فترة من الفترات لخوفهم من الدخول في معاملات «ربوية». ويعزو بعض المفكرين تسلم اليهود لمهنة الصرافة إلى ان المسلمين كانوا أول من اودع اموالهم لدى اليهود لانهم لم تكن لديهم عوائق من التعامل بالمال. وكان المسلمون، ومنذ ايام الحروب الصليبية حتى مئة عام مضت، يتعاملون مع اليهود في الشأن المالي اكثر من غيرهم خصوصا وأن العداء كان بين المسلمين والنصارى قبل الف سنة على اشده بسبب الغزوات الصليبية آنذاك. هذا كله مكن اليهود من مهنة المال والصرافة وآثار ذلك شاهدة إلى يومنا هذا. غير أن المسلمين عندما أعملوا عقولهم منذ مطلع الستينات من القرن المنصرم وجدوا ان المعاملات المصرفية يمكن الدخول فيها من دون الابتلاء بالربا، وبالتالي نشأت السوق المالية الاسلامية التي تعتبر من انجح الاجتهادات العصرية للمسلمين. وحاليا اصبح الجميع يتجه للمصارف الاسلامية ويفتتح فروعا للصرافة الاسلامية من دون حرج.
ينطبق الأمر ذاته على مسألة الطباعة والنشر، فالدولة العثمانية حرمت على المسلمين في نهاية القرن الخامس عشر طباعة الكتب في المطابع التي اخترعت في ذلك القرن. وكان التفسير الديني هو ان المطابع ستحرق كتاب الله، ولم يسمح إلا لليهود في الدولة العثمانية بامتلاك المطابع وطباعة الكتب لانهم غير مسلمين وغير ملزمين بتعاليم الاسلام. وهكذا ايضا سيطر اليهود على صناعة الطباعة والنشر بسبب فهم ديني خاطئ لدى بعض المسلمين.
إن ما نحتاج إليه هو إعمال العقل لكي نجد الحلول التي لا تضر بالتجارة ولكنها ايضا لا تضر بالقيم الدينية أو بالتراث أو بحقوق الانسان أو بالبيئة. والتاريخ يقول لنا إن ذلك ممكن اذا تشاورنا بصورة صحيحة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 84 - الخميس 28 نوفمبر 2002م الموافق 23 رمضان 1423هـ