كان للعرب شرف قيادة الأمة الإسلامية، وبناء حضارة نشرت علومها في الشرق والغرب، إنها العلوم التي شارك في وضعها علماء من مختلف أقطار الأمة الأسلامية، والتي على إثرها بنى الغرب حضارته. لم يكن بوسع العرب بناء حضارة متقدمة بدون وحدة إسلامية فتحت الحدود بين أقطار الأمة، ومكنت العلماء والباحثين من مختلف الأقطار للالتحاق بمراكز البحوث في القاهرة وبغداد، كمركز بيت الحكمة الذي رعاه الخليفة العباسي هارون الرشيد، واهتم به الخليفة المأمون والخلفاء من بعده. ففي بيت الحكمة كان الباحثون من رعايا الدولة الإسلامية من مسلمين وغيرهم يجرون أبحاثهم في: علوم الفيزياء، والطب، والرياضيات، والفلك، والفلسفة، والترجمة، وغيرها من العلوم، وذلك بتشجيع سخي من بيت مال المسلمين. فلم تكن هناك حواجز جغرافية أو سياسية أو مادية تحول دون التحاق هؤلاء العلماء والباحثين بمراكز العلوم في القاهرة أو بغداد.
هذه الوحدة هي التي مكنت الأمة من الاستفادة من علماء كالخوارزمي والبخاري اللذين قدما من أوزبكستان. وبالقدر ذاته فقد ساهم علماء وباحثون من بلاد فارس وأفغانستان وغيرها من الدول الاسلامية في بناء حضارة عظيمة ومهابة، وذلك بتوحد الأمة على مبادئ التسامح والعدل والمساواة التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف، والتي تركت إرثا عظيما وثقافة متجذرة مازالت ماثلة أمامنا في مختلف أقطار الدول الإسلامية حتى وقتنا الحاضر، على رغم محاولات طمسها من قبل قوى استعمارية عظمى.
لقد تنبهت الولايات المتحدة الأميركية إلى أهمية استقطاب العقول المبدعة من مختلف أنحاء العالم من دون تمييز، وتقديم الإغراءات لهم للاستقرار فيها، وفتح الجامعات ومراكز البحوث أمامهم للمساهمة في تطوير مختلف العلوم. وقد ساهمت هذه العقول في تقدم أميركا في جميع العلوم، واحتلوا قيادات متقدمة في إدارة شركات أميركية كبرى.
فشركة «غوغل» وشركة «مايكروسوفت» وشركة «بيبسي» وشركة «ادوبي» وشركة «ماستركارد» وشركة «سيتي غروب»، كلها ترأسها وتديرها عقول تم استقطابها من الهند، وذلك بفضل قيام أميركا بفتح حدودها لاستقطاب العقول المتميزة من مختلف دول العالم.
من هنا نلاحظ أوجه الشبه مع التجربة الإسلامية إبان نهضتها، والتي سبقت التجربة الأميركية في عصرنا الحاضر. فبدون فتح الحدود لاستقطاب هذه العقول، لم يكن بوسع أميركا أن تتفوق على مختلف الأصعدة الاقتصادية والعلمية. وهذا يعتبر من العوامل المؤثرة التي تحول دون نجاح الرئيس ترامب في تنفيذ سياسته المتعلقة بمنع مواطني بعض الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة الأميركية.
لقد أدركت القوى الاستعمارية أهمية الوحدة في قوة الأمم وتقدمها الحضاري، لهذا السبب سعت هذه القوى إلى تفكيك أواصر الأمة منذ سقوط الدولة العثمانية. فمن خلال تقسيم الأمة، ورسم الحدود الفاصلة بين أقطارها، تمكن الغرب من إضعافها والهيمنة على مقدراتها والحيلولة دون تقدمها. وبضعف الأمة وتخلفها اطمأنت القوى المهيمنة، واستمرت في مسلسل التقسيم وتجزئة المجزأ، فعملت على تنفيذ خطط للاقتتال الداخلي، وفرض عوامل الاختلاف على مستوى الداخل والخارج على قاعدة تضارب المصالح بين مكونات الوطن الواحد، مستخدمة النهج ذاته الذي وحد الأمة والعمل على تسخيره للمساهمة في تفكيك أوصالها.
لهذه الأسباب مجتمعة تحولت أرض العرب إلى ساحات لحروب تصفية حسابات مصالح متضاربة بين الشرق والغرب، وأقحمت فيها حكومات مغلوبة على أمرها لتمويل حروب بالوكالة نيابة عن أعداء أمتها. وخير دليل على ذلك هو حرب الغاز والطاقة بين أميركا وروسيا على الساحة السورية، والتي يستخدم فيها الدين والديمقراطية كمبرر وغطاء لهذه الحرب المدمرة التي يدفع الشعب السوري وبقية العرب والمسلمين أثمانها الباهظة.
إن مسلسل تجزئة الدول العربية والإسلامية لم يتوقف. ففي العراق التي قام المحتل الأميركي بحل جيشها، ليخلق فراغا تملؤه قوى متطرفة قام بإعدادها كبديل من أجل إشعال اقتتال داخلي يؤدي إلى تجزئة العراق إلى مناطق متناحرة، وذلك وفقا للخطة التي وضعها جو بايدن إبان رئاسة بوش وتبناها الكونغرس الأميركي آنذاك.
مثل هذه الخطط يتم تنفيذها في سورية لخلق جيوب كردية وغيرها، إمعانا في مزيد من التفتيت لدول المنطقة التي باتت تحت مقصلة النفوذ الأميركي، الذي لن يستثني أية دولة من دول المنطقة. وما التفكير بمنطق الفئة أو العرق أو المذهب أو الدين كبديل عن الوطن والأمة إلا وسيلة تمهد لمزيد من تقسيم الأوطان، ما ينبئ بمستقبل كارثي على الجميع دون استثناء.
لقد وحدت دول الغرب سياساتها وجيوشها؛ لأنها أدركت أهمية الوحدة في قوة الأمم وسيادتها، فقد تعلمت هذه الدول دروسا من تجاربها، ومن تجارب أمم أخرى سبقتها عانت من المحن والحروب والتقسيم. فالغرب الذي نجح في تقسيمنا وتجزئة دولنا، يدرك تماما أنه بهذا التقسيم يضمن سيطرته على ثرواتنا، ويطمئن إلى هيمنته على مصائر ومستقبل أمتنا. لهذه الأسباب يحول الغرب دون عودة عقارب الساعة إلى الوراء، فيتذكر العرب والمسلمون تاريخهم وأمجادهم العظيمة. ومن أجل تحقيق ذلك فهو يعمل على إجهاض أية محاولة لجمع شمل الأمة. من هنا فإن قيام البعض بممارسة الفرقة باستخدام أدواتها المتمثلة في الفئوية والعنصرية والطائفية، إنما يقدم خدماته لأعداء أمته، ويساهم في تنفيذ مشاريعهم. فأكثر ما يخشاه الغرب هو أن تعود عقارب الساعة للوراء، وتتوحد هذه الأمة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 5346 - الأربعاء 26 أبريل 2017م الموافق 29 رجب 1438هـ
الغرب لايخشي وحدة الأمة
هو يعلم أن هذا مستحيل
ان صحت المقولة لامام علي لو اجتمعت العرب لقتالي لقاتلتهم لستوعبنا ان العرب لن تجتمع ابدا
ام يقل لو اجتمع الفرس او الروم بل العرب لان العرب لم و لن تجتمع لاننا ببساطة اعراب في تفكيرنا و منهجنا
لم يكن للعرب حضارة ابدا نعم هناك اشلاء حضارة اسلامية اتت بمنظومة فكرية و عقائدية و اخلاقية لم تطبق
اندثر الامويون و العباسيون و العثمانيون و غيرهم لانها قامت على سفك دماء و غزو و سبي النساء بينما اصبحت اندونيسيا دولة اسلامية بفضل هجرة المسلمين المسالمين المضطهدين
و التاريخ يعيد نفسه
د. حسن الصددي
رحم الله والديك ...مقال رائع...