العدد 5345 - الثلثاء 25 أبريل 2017م الموافق 28 رجب 1438هـ

المفكر الإماراتي الحسن: «الإرادة السياسية» و«المواطنة المتكاملة» مفتاح وحدة «دولنا الوطنية»

في قراءته كتاب الأنصاري «تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية»...

المفكر الإماراتي يوسف الحسن (يسار) متحدثاً في فعالية منتدى البحرين للكتاب - تصوير أحمد ال حيدر
المفكر الإماراتي يوسف الحسن (يسار) متحدثاً في فعالية منتدى البحرين للكتاب - تصوير أحمد ال حيدر

الجفير - حسن المدحوب 

تحديث: 12 مايو 2017

شدد المفكر الإماراتي يوسف الحسن على أن «المواطنة المتكاملة وامتلاك الإرادة السياسية هو التأشيرة الصالحة لدخول المستقبل، وحماية دولنا الوطنية».

وذكر المفكر الحسن في قراءة قدمها لكتاب «تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية»، للمفكر محمد جابر الأنصاري، ضمن أولى فعاليات منتدى البحرين للكتاب، التي عقدت في مركز عيسى الثقافي في الجفير، مساء الاثنين (24 ابريل/ نيسان 2017)، «نحن نظرنا الى الدولة القطرية باعتبارها صناعة استعمارية، والحقيقة أننا لم نكن نستوعب الواقع ولا القوانين المؤثرة فيه، وها نحن اليوم نذود عن هذه الدولة القطرية ونبكي عنها، بعد أن كان الكثير منا يرفضها تحت شعار الوحدة العربية ورفض الدولة القطرية».

وفي مستهل حديثه، قال: «عرفت الصديق المفكر محمد جابر الأنصاري شغوفاً على الأقل في مرحلة معينة، بالوحدة العربية، ووجدت فيه مشروع مفكر يسعى ويبلور مشروعاً فكرياً في مملكة البحرين والخليج العربي، وكنا سعداء بتبلور هذا المشروع للتنوير العربي، وفي قضايا اوسع من الدولة القطرية الصغيرة».

وأضاف «لاحظوا معي أن الانصاري يستخدم مصطلح الدولة القطرية في هذا الكتاب، وهو مصطلح أيديولوجي استخدمته الاحزاب العربية في مرحلة سابقة، واعتقد ان هذا المصطلح تلاشى اليوم وبات يستخدم مكانه لفظ (الدولة الوطنية) وليس القطرية، وان كان اللفظان يحملان ذات المعنى».

وأردف «لقد لمست في كتابات المفكر الانصاري الصفاء التعبيري ولغة حوارية بليغة، لا يوجد فيها حدة في الرأي ولكنه يورد الرأي والرأي الآخر بنفس وطني، واتذكر انه كان له دور مع كثير من المثقفين في بلورة فكرة عروبة المنطقة الخليجية في مواجهة التركيبة السكانية والهجرات غير الشرعية التي كانت سائدة آنذاك».

وتابع المفكر الحسن «علينا أن نتذكر أن الأنصاري انفتح على ثقافات آسيوية وخاصة اليابان، وكتب في هذا المجال أيضاً، وسنوات التسعينات التي كتب فيها هذا الكتاب، هي سنوات بالنسبة إلى دول الخليج كانت سنوات أزمة حادة، مرتبطة باحتلال الكويت وتحريرها في مرحلة لاحقة، لقد كانت أزمة حادة أصابت المشروع العربي في مقتل».

وأردف «الانصاري كان يتساءل لماذا نمتلك احسن المبادئ ولكن نعيش أسوأ الأوضاع، هذه المقولة ذكرتني بمقولة ذاك الشخص الذي قال عندما زار الغرب «لقد وجدت إسلاما ولم أجد مسلمين»، أعتقد أن كليهما يريان ايضا ان هناك التباسا في الذات وفي الآخر».

وأفاد «يتجه الانصاري في كتاباته الى البحث عن المعرفة، اكثر من بحثه في مسائل الايدولوجيا، واحد المفكرين العرب بلور فكره، في قاعدة اسمها «القاعدة الانصارية» على شكل اشكالية رباعية تتمحور حول العقل والايمان، الدين والدولة، والقومية واللاقومية، والنظرة الى الآخر، وكان يقصد بالآخر الغرب، أكثر من الآخر الموجود في بلداننا العربية».

وواصل «لقد قدم الانصاري رؤية نقدية للذات والآخر والتاريخ والواقع، وهو يعيد ازمة الفكر السياسي العربي، الى مرحلة صدر الاسلام، هو يقول ان هناك ازمات في النظم التقليدية او غير ذلك، تعيد انتاج الازمات ازمة بعد ازمة، بفعل عوامل بعضها خاص وبعضها بتأثير خارجي».

وأكمل «أجد ان الخطاب السياسي للمدارس الفكرية اغفل العوامل الموضوعية المسببة لهذه الازمات، وبالتالي مجمل الكتاب يبحث في العوامل الموضوعية المسببة لازمات الانسان العربي او الرؤية العربية بشكل عام، فهذه الخطابات افرطت في التنظير المبتعد عن الواقع، لذلك لابد ان نسلط الضوء على الخصوصية التاريخية للوطن العربي، وتأثير هذه الخصوصيات على شعوبها وانظمتها».

وأشار الى أن «الخصوصية الاولى التي اوردها الانصاري تتأتى من خصائص المكان الجغرافي العربي، وموقعه العالمي، وهو يعود بنا الى حروب الردة ولغاية نهاية الحكم العثماني ومن خلاصاته ان البادية والصحراء هي التي كانت تسيطر على المدينة العربية».

وأضاف «الخلاصة الثانية يتحدث فيها الانصاري عن الدولة القطرية، فيقول ان الاطار الفضفاض للخلافة العربية جعل من الدولة القطرية اول محاولة عربية لإنشاء الدولة».

وتابع المفكر الحسن «الخلاصة الثالثة هي ان الوعي السياسي العربي مطلوب منه ان يدرك اشكاليات النظم السياسية القطرية، وليس الدولة القطرية، وهو يعتقد ان تأسيس الدولة القطرية الراهنة هو بداية الدولة العربية الموحدة».

وذكر «الآن اعتقد ان السؤال الهام، وبعد مرور ربع قرن على هذا الكتاب، كم من الزمن نحتاج للدخول الى بوابة الاصلاح في دولنا الوطنية؟ وهل اشكاليات الدولة القطرية وقتها تشابه اشكاليات اليوم في ظل هذه الكوميديا السوداء والهويات الصغرى القاتلة والمتقاتلة، وهذا العنف الذي يعم الوطن العربي؟ وخاصة ان هذا الكتاب كتبه في ظل الازمة الكويتية المتمثلة في احتلال العراق لها في التسعينات».

وواصل «كتب الانصاري انه منذ وفاة الرسول، كان السؤال الملح بين المسلمين هو من يحكم، من اي عشير او قبيلة، كانت تلك اشارة الى ما جرى في سقيفة بني ساعدة، هل سيكون من المهاجرين او الانصار، وليس عن نظام الحكم، وعن ذلك يقول الانصاري «سؤال كيف يكون الحكم وما هو المنهج لم يكن مطروحا في صدر الاسلام، لقد مورس العنف في صدر الاسلام حتى في عهد الخلفاء الراشدين، وظل صلاح الحاكم مسألة ضميرية، وظل الأمر على حاله».

وأوضح «رغم ان الحضارة العربية الاسلامية على مدى 7 قرون كانت غنية بعطائها الفكري والروحي، وكانت هناك خصوبة علمية وتعددية فكرية، ولكن هذه المزايا لم تكن متسقة في البيئات العربية، وتفاعلت هذه الحضارة مع بيئات مختلفة وتغيرت عواصمها من عاصمة الى اخرى، وبالتالي لم تتح للعرب بأن تكون لهم مركزية واحدة على مر التاريخ».

وبين أن «كلمة سياسة كانت شيئا غير محبب عند العرب، ويذكر الانصاري ان الامام الغزالي، اي اننا نتحدث عن تاريخ يعود الى 5 قرون من صدر الاسلام، دعا اتباعه الا يخالطوا الامراء ولا السلاطين لان مخالطتهم مفسدة، كما أشار الى ان الشيخ محمد عبده تعوذ من السياسة وشئونها، وان الشيخ بن تيمية عندما يئس من العدل المنتظر في الدول التي عاصرها قال: «ان الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وان كانت مؤمنة»، وكذلك فإن ما ذكره ابن خلدون ليس بعيدا عما أراد الانصاري الاستشهاد به من كره العرب السياسة».

وأشار الى أن «السلوك السياسي العربي السائد شعبيا نادرا ما يقبل على التوافق والاخذ والعطاء، مفهوم العمل السياسي تجمد في مفهوم المواجهة والحماسة ووظف الدين لأغراض السياسة، ولكن لابد من تحفظ اورده الانصاري مفاده انه لم يخل العمل السياسي العربي من قادة وساسة امتازوا بالحكمة في التعامل، ولكن المهم هو التشكيل الجماعي المجتمعي ككل، وليس حالات منفردة للحكم على النسق العربي».

وبين أنه «في الفصل الثاني من الكتاب تكمن الاطروحة الاساسية عن العوامل الموضوعية التي عطلت الوحدة العربية، وهي 5: وعلى رأسها الحاجز الصحراوي، إذ اعتبر أن الصحراء العربية شكلت قطيعة مكانية وعزلة ومنعت تشكيل نسيج متكامل وفرخت كيانات وهويات متفرقة».

وشرح أن «العامل الآخر هو غياب تضامن اجتماعي حضري لتوليد السلطة السياسية، مما اجبرها ان تحتاج حماية من الخارج، اما العامل الذي يتلوه فهو ضعف مشاركة العرب في حكم الدولة العربية الاسلامية خلال الالف سنة الاخيرة، نظرا لاحتكار القوى الآسيوية العديدة للحكم، حيث كان العرب رعية يعيشون في حالة بائسة، بمعنى ان العرب لم يمارسوا السلطة فعليا طوال قرون من الزمان».

وأكمل «السبب الأخير الذي اورده الانصاري هو غياب نظام الاقطاع في الوطن العربي، بسبب اعتقاده ان الاقطاع الاوروبي له اسهام كبير في بناء الدولة القطرية، حيث يبرز الاقطاع كآلية تبرز القومية في هذا المجال».

وتابع الحسن «وذكر الانصاري ان العرب لم يعيشوا حالة حكم في العصر العثماني، عدا بعض الوحدات التي لم تكن مرتبطة بالدولة العثمانية، وحتى هذه الكيانات كانت مرتبطة بالدولة العثمانية بالضرائب والولاء».

وأضاف «أما ملاحظاتي على كتاب الانصاري، فهي ان ما كتبه هنا يمثل مشروعا فكريا نهضويا، ولكن الصعوبة في هذا المشروع ان الوطن العربي لا يخضع لتماثل واحد، هناك تباين جغرافي وتاريخي واقتصادي وحروب كثيرة حتى داخل القطر الواحد، وهناك أيضا بيئات مختلفة».

وشدد على أن «وضع المنطقة العربية في سلة واحدة لم يكن موفقا في تقديم هذه الوحدة، ويمكن القول ان التعدد هو اثراء للوطن العربي، الحضارة العربية الاسلامية كان فيها الكل، العرب وغير العرب، ولم تكن صناعة عربية بحتة، وهذا التنوع هو الذي صنع هذه الحضارة، وتحويل هذه الاثراء على الواقع يتوقف على الارادة السياسية».

وأفاد «تأملوا معي الآن حال الجامعة العربية ومجلس التعاون، التكامل هنا او هناك لايزال اقل من المأمول، لا لنقص في الاستراتيجيات ولا البرامج والمشروعات، المشكلة الرئيسية تكمن لا في الصحراء ولا النظم، بل لأن الارادة السياسية في الاتحاد والتكامل ليست متوافرة، ووجود انفصام بين القول والفعل، هذا هو العامل الاول الذي يحكم خصوصيات التاريخ والجغرافيا».

وتابع «كما ان وضع وزن الصحراء كأقوى وزن لهذه الخصوصيات واعتبرها حاجزا عازلا، ولكن باعتقادي ان الصحراء ليست عاملا في نشر المذاهب والقبلية، فهي لم تعق توحيد المملكة العربية السعودية وكذلك المملكة الليبية وقتها وكذلك العراق، ولم تعق ان توحد 7 امارات كانت متنازعة، لأنه عندما توافرت الارادة السياسية بالدرجة الاولى حلت الكثير من القضايا».

وقال: «كذلك فإن مصر اغلب مساحتها صحراء، المساحة المأهولة في مصر لم تزد عن 8 في المئة، ولكنها لم تحل دون توحد القطر المصري، نعم قد تكون قطيعة المكان او موجبات التصحر قد تسبب اعاقة في سرعة تطور الاماكن، ولكنها لا تحول دون التواصل التجاري والحضاري، هناك عوامل اخرى تتعلق بالخلافات السياسية والدينية».

وأردف «الموضوع الثالث الذي أورد ملاحظتي عليه هو موضوع الاقطاع، نحن بالمفهوم الاوروبي لم يكن لدينا اقطاع، وحتى لو كان لدينا اقطاع فلا اعتقد انه سينتج دولا وطنية، لان وجود الاقطاع في اوروبا لم يمنع نشوء حروب فيها، بعضها امتد الى مئة عام بين الدول الاوروبية، وهناك ايضا حربان عالميتان خلفتا ملايين الضحايا».

وقرر الحسن «إذاً الحل ليس ان نخلق اقطاعا لكي نتوحد، واعتقد الاقتصاد الانتاجي هو البديل عن هذا الاقطاع، والتفكير النقدي والمواطنة المتكاملة وامتلاك الارادة السياسية هو التأشيرة الصالحة لدخول المستقبل».

وواصل «لقد قدم الانصاري رواية واحدة للدولة القطرية، رغم ان هناك عدة اقاليم ولكل اقليم له نشأته وتاريخه، ما اغفله الانصاري هو الحديث عن العامل الخارجي في نشأة هذه الدول، واخص بالذكر اتفاقية سايكس بيكو، ودورها في تأسيس الدول القطرية في الوطن العربي».

وأضاف «الملاحظة الاخيرة التي مر بها الانصاري مرورا سريعا، وهي الازمات التي تعيشها الدول القطرية، وانا اعتقد انها ازمة مركبة تتعلق بالشرعية والانجاز الوطني والهوية والهشاشة والصلابة وحكم القانون، ووجود قوى غير «دولاتية»، واثر المحيط والاقليم، ومدى تأثرها بهذا المحيط».

وأكمل «في ظل الدولة العربية القطرية الراهنة وقد تصدع بعضها، بفعل الفشل في حسن تدبير الحكم والعجز عن احتواء التنوع وتنامي الفكر الظلامي وارتفاع منسوب الولاء المزدوج على حساب الولاء للهوية الوطنية، نحن نظرنا الى الدولة القطرية باعتبارها صناعة استعمارية، والحقيقة لم نكن نستوعب الواقع ولا القوانين المؤثرة فيها، وها نحن اليوم نذود عنها ونبكي عنها».

وختم المفكر الحسن «علينا ان نبحث عن غير لعن الاستعمار ولعن الصحراء، علينا مواجهة التصحر في الارادة السياسية، والعمل لبناء مشروع فكري ونهضوي للدولة القطرية في كل المجالات، ويبقى السؤال لنا كمثقفين ومؤسسات مجتمعية ونخب مثقفة، هل نستطيع ان نقدم صيغا افضل مما افضل قدمه سايكس وزميله بيكو لدولنا الوطنية العربية؟».

 الحضور يتابعون ندوة الحسن في مركز عيسى الثقافي
 الحضور يتابعون ندوة الحسن في مركز عيسى الثقافي




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً