منذ إطلاقها مطلع مارس الماضي، نجحت مبادرة "صناع الأمل" في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي. حتى اليوم، تلقت مبادرة "صناع الأمل" أكثر من 65 ألف قصة أمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشاريع ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم، وفق بيان صحافي للمؤسسة أمس الاثنين (24 أبريل/ نيسان 2017).
سعياً لمشاركة الناس هذه القصص كي تكون مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، نستعرض بعض قصص صناع الأمل التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج.
القصة الأولى: أسس شبكة وساطة لتوظيف ذوي الإعاقة
كيف استغل أحمد المالكي معاناته لمساعدة الناس؟
لم يكن أحمد ليدركَ أن معاناته ولحظة اليأس "العابرة" التي مرت في حياته يمكن أن تفتح باباً واسعاً للأمل أمام عدد كبير من رفاق دربه في المعاناة.
بدأ كل شيء حين تخرج أحمد زايد، من الطائف بالمملكة العربية السعودية، من الجامعة. خلال دراسته الجامعية، أظهر أحمد تفوقاً وتميزاً، ونال شهادات عدّة في الكمبيوتر، يحدوه الأمل بأن سوق العمل ستكون في انتظاره. لكنه تفاجأ برفض أصحاب العمل تعيينه لكونه معاقاً. فتدخل أحد أقاربه لمساعدته في الالتحاق بوظيفة تناسب مؤهلاته وتلبّي طموحاته المهنية. لكن أحمد لم يقتنع بأن مشكلته فردية. صحيح أنه حصل في النهاية على وظيفة لائقة مكّنته من استغلال قدراته، لكن هناك العشرات، بل المئات، من أمثاله ممن قد لا يكونون محظوظين مثله أو قد لا تتوفر لهم فرصٌ وظيفية على غرار الفرصة التي توفرت له.
من هنا جاءت فكرة تأسيس شبكة أو موقع إلكتروني يحمل اسم "شبكة وساطة لتوظيف ذوي الإعاقة" وهي مبادرة غير ربحية تسهم في الحد من بطالة ذوي الاحتياجات الخاصة عن طريق إيجاد وظائف تناسب مؤهلاتهم العلمية ونوع الإعاقات التي يعانون منها.
"الموقع عبارة عن حلقة وصل بين الباحثين عن عمل من ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب العمل الباحثين عن موظفين من تلك الفئة "، كما يقول أحمد، بحيث يشكل الموقع طاقة أمل لفئة مجتمعية جعلتها الإعاقة، أياً كان طبيعتها، عضواً ناقصاً أو معطلاً في المجتمع... فئة تريد أن تعمل وتنتج وتعطي لكن أبواب العطاء مغلقة في وجهها.
يعترف أحمد أنه واجه صعوبات في البداية لجهة التعريف بالموقع. وكان التحدي الأكبر بالنسبة له هو كيفية اجتذاب الباحثين عن عمل من ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب العمل للتسجيل في الموقع. لكن خلال أربع سنوات من العمل الحثيث، نجح الموقع في أن يشكل مبادرة مجتمعية رائدة من نوعها.
وتخدم هذه المبادرة جميع المستهدفين من ذوي الاحتياجات الخاصة، سواء كانت إعاقاتهم ذهنية أو حركية أو بصرية أو فكرية أو نفسية وغيرها من الإعاقات الأخرى. يوفر موقع "وساطة" لهذه الفئة الغطاء القانوني، لحمايتهم من الاستغلال ولصون حقوقهم، بحيث يكون الموقع وسيطاً بين الطرفين، أصحاب العمل والباحثين عن العمل، بما يكفل سير عملية التوظيف وفق الأطر القانونية المتبعة. ولقد قام أحمد بالاتفاق مع متخصصين قانونيين (متطوعين) لمراجعة عقود التوظيف والنظر في الشؤون القانونية في حال حدوث أي استغلال في توظيف هذه الفئة أو حدوث فصل تعسفي لهم. هذا ويحرص أحمد شخصياً على التدقيق على جميع إعلانات الوظائف الشاغرة المنشورة في الموقع، للتأكد من ملاءمتها للباحثين عن العمل، لجهة الراتب الشهري، وتوفير مرافق مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وبيئة العمل الآمنة والمناسبة، وغيرها، علماً بأنه يتم نشر جميع الإعلانات على الموقع مجاناً.
نجح موقع "شبكة وساطة لتوظيف ذوي الإعاقة" في نشر رسالته، وأسهم ترشحه لجائزة الملك خالد، كمبادرة متميزة تسهم في تنمية المجتمع، ونيله المركز الثاني في التصفيات النهائية، في تسليط الضوء على الموقع، وفي تطويره وتوسيع نطاق خدماته.
يعرف أحمد أن الأمل صناعة تستلزم إيماناً وجهداً وثباتاً وعملاً دؤوباً ومتواصلاً... ويعرف أكثر أن قيمة هذا الأمل تكون أكبر وأعظم إذا شاع وانتشر، وهو يأمل أن تسهم شبكة وساطة في فتح أبواب الرزق والتيسير لأكبر عدد من المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعه.
القصة الثانية: حملة إنسانية لتقديم المساعدات للأسر المحتاجة
"عطاء"... شباب هدفهم ألا ينام جائع أو محتاج في فلسطين
علاء طميزة شاب فلسطيني يتقاسم مع مجموعة من الشباب المخلصين لوطنهم حلماً هو: المساعدة في انتشال الناس من الحاجة والفقر والعوز، وأول خطوة في سبيل تحقيق هذا الحلم هو طرق أبواب المحتاجين القريبين وتقديم العون لهم، فانطلقوا من بلدتهم "إذنا" الكائنة إلى الغرب من مدينة الخليل في فلسطين، مشكّلين فريقاً تطوعياً يُعرف باسم "إذنا بشبابها". من هذا الفريق انطلقت حملة "عطاء"... حملة أمل محلية لتوفير كل أشكال المساعدة للمحتاجين والأسر المتعففة ورفع جانب من المعاناة عنهم وجعل الحياة أفضل ولو بقدر يسير.
كان ذلك في شهر رمضان قبل أربع سنوات، وسرعان ما تواصلت حملة "عطاء" بعد رمضان، لتكتسب زخماً أكبر عاماً تلو الآخر، ولتحظى بثقة المجتمع المحلي ممن رأوا في شباب فريق "إذنا بشبابها" التطوعي حماسةً أصيلة ورغبةً في نشر الخير وإغاثة كل محتاج في البلدة الصغيرة.
يؤكد علاء، منسق حملة "عطاء"، أن سر نجاح الحملة هو الثقة الكبيرة التي اكتسبوها في مجتمعهم المحلي، وهي ثقة تكللت بدعم معنوي كبير من الناس لأنشطتهم وبرامجهم التطوعية، حيث يحرص عدد كبير من أهالي البلدة المقتدرين أو ميسوري الحال على التواصل معهم عارضين المشاركة معهم ودعم حملتهم إما بتقديم التبرعات العينية أو الخدمية وحتى النقدية، موضحاً في هذا الجانب بالقول: "لعلّ ثقة الناس فينا سببها في واقع الأمر أننا حريصون في حملة عطاء على استهداف العائلات المستورة والمحتاجة التي يتم اختيارها بدقة بعد الاطلاع على ظروفها الحياتية. ليس هذا فقط بل نستهدف هؤلاء المحتاجين بصورة مباشرة دون وسيط ودون اللجوء إلى جهات أو منظمات بعينها، لضمان وصول المساعدة إلى مستحقيها".
تقوم حملة "عطاء" بتوزيع الطرود الغذائية والمساعدات العينية المختلفة على الأسر المعوزة، وهي مساعدات متواصلة على مدار العام لكن التركيز يكون أكبر في شهر رمضان.
بيد أن نشاط "عطاء" لا يقتصر على توزيع الطرود الغذائية أو التبرعات العينية، بل يشمل أيضاً ترميم بيوت البلدة، من خلال استقطاب متطوعين في أعمال البناء، بالإضافة إلى توفير خدمات صحية وعلاجية للمرضى المحتاجين سواء بنقلهم إلى المستشفيات أو بتوفير الأدوية لهم أو توفير بعض المعدات والأدوات الطبية اللازمة مثل الكراسي المتحركة.
علاء ورفاقه يحلمون بأن تكبر حملة "العطاء"، وأن تتخطى حدود بلدتهم إذنا ليشمل نشاطها الخيري والإنساني قرى وبلدات عدة، ولديهم هدف يعرفون أنه ليس مستحيلاً مع الإرادة والأمل، هو: ألا ينام جائع أو محتاج في فلسطين.
القصة الثالثة: معاناته الشخصية ألهمته لإطلاق مؤسسة "حياة" لذوي القدرات الخاصة في مصر
كيف منح شريف شاهين حياةً جديدةً لأكثر من 1500 من فاقدي الأطراف؟
يكفي أن تسير في الرواق الرئيسي لمؤسسة "حياة" لذوي القدرات الخاصة حتى تنتابك مشاعر التفاؤل، وتستمد طاقةً إيجابيةً من كل صورة وقصة نجاح معلقة على جدران المؤسسة، تعطيك أملاً بأن الحياة لا تتوقف عند مشكلة مهما كان تأثيرها ولا تتراجع أمام تحدٍّ مهما عظم أمره، فالأمل سلاح قوي بيد الراغبين في ترك بصمة نجاح في سجل البشرية.
المؤسس والمدير التنفيذي لمؤسسة "حياة" لذوي القدرات الخاصة في مصر شريف شاهين، يمثل قصة كفاح لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة وقصة نجاح ملهمة لكل طفل وشاب في بلده وفي عموم المنطقة. عندما كان طفلاً رضيعاً لم يتم عامه الثاني بُترت ساق شريف من فوق الركبة في حادث سير أليم، ليعيش طفولته متأقلماً مع حالة العجز التي أصابته. لكنه أصر على التمسك بالحياة، فتمسكت الحياة به، وجعل مصابه حافزاً للتقدم والنجاح.
تلك الحادثة جعلت شريف أقدر عل الإحساس بمعاناة فاقدي الأطراف، خصوصاً بعد تخرّجه من كلية الهندسة، حيث وجد صعوبةً في إيجاد وظيفة في مجاله كمهندس، كون معظم الوظائف المتاحة خارجية وتحتاج إلى قوة بدنية. فعمل لمدة 8 سنوات في جامعة المنصورة في مجال البرمجة، قبل أن يتمكن من استخدام مدخراته لتأسيس مشروعه الخاص الهادف لدعم ذوي القدرات الخاصة نفسياً وبدنياً، مستنداً إلى قناعة بضرورة دعم فاقدي الأطراف كي يتمكنوا من مواصلة حياتهم واستكشاف قدراتهم الخاصة التي تفيد المجتمع وتسهم في تطوره.
اليوم يقدم شريف من خلال مؤسسة "حياة" جميع الفحوصات والاستشارات لفاقدي الأطراف مجاناً. كما يجمع التبرعات للذين لا يستطيعون تحمل التكلفة لشراء الأطراف الصناعية، في حين يدفع المقتدرون قيمة الطرف الصناعي، وهذا هو عنصر استمرار المشروع لمساعدة المحتاجين.
ولتطوير نشاط مؤسسته، صمم شريف برنامجاً خاصاً لمتابعة الحالات عبر الهاتف وموقع "الفيسبوك" للتواصل الاجتماعي، وتوفير مواعيد الصيانة الدورية للأطراف الاصطناعية. وينظم شريف حالياً قوافل طبية للكشف عن حالات الإعاقة البدنية، ويعمل على ربطها بوزارة الصحة لمتابعتها.
يعمل مع شريف في "حياة" أكثر من 20 طبيباً واختصاصياً، إلى جانب 5 متطوعين، ساهموا جميعاً في دعم أكثر من 1500 شخص عبر تزويدهم بالأطراف الصناعية بصورة مباشرة.
وفي اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة الذي يحل في ديسمبر من كل عام، يقوم شريف بتنظيم مجموعة من الفعاليات السنوية الهادفة لاكتشاف مواهب "ذوي القدرات الخاصة" أطلق عليها اسم "حياة غوت تالنت"، حيث تسعى الفعالية إلى دعم فاقدي الأطراف وتمكينهم من ممارسة هوايات متعدد كالفنون المسرحية والغناء وكتابة الشعر وإلقائه، هذا إلى جانب تنظيم ماراثون "قادرين" بالأطراف الصناعية والكراسي المتحركة، كما يتخلل الفعالية توفير صيانة مجانية للأطراف الصناعية.
انطلق شريف من معاناته، التي وجد فيها مصدر إلهام، ليسهم في تحويل الإعاقة من حاجز إلى معول يساهم في بناء الوطن، حيث الكلمة الأولى أولاً وأخيراً للأمل.