العدد 5344 - الإثنين 24 أبريل 2017م الموافق 27 رجب 1438هـ

عقلية الجميع يربح

جاسم الموالي feedback [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مفهوم عملي طرحه بصورة مفصلة الكاتب والمؤلف الأميركي الشهير ستيفن كوفي والذي توفي العام 2012.

يمكن بيان هذا المفهوم باختصار في أن مواقف الحياة ليست كلها صراع مبني على أن يربح طرف ويخسر طرف آخر. فهناك قضايا كثيرة يمكن إنجازها بربح لجميع الأطراف، فمثلًا تقصد لعيادة طبيب الأسنان فيعالج سنك ويخلصك من الألم مقابل عشرين دينارٍ مثلًا، فتنهي العملية بتحقيق ربح مادي للطبيب، وتحقيق ربح معنوي لك بالتخلص من الألم. يرسم المهندس لك خريطة بناء ويتقاضى منك مبلغًا من المال فيربح هو وتستفيد أنت.

يدخل كثير من الناس تعاملاتهم التجارية والاجتماعية وغيرها وفي نفسيتهم مفهوم أنا أربح ولا يهمني أن يخسر الآخرون أو يربحوا.

يقول ستيفن كوفي أن أي تعامل بمفهوم غير «أنا أربح وأنت تربح»، - أي مفهوم آخر سينتهي بخسارة طرف من الأطراف والذي بدوره إما لن يتم المعاملة، أو سيتمها، ولكن لن يكررها مستقبلًا، ما يعني خسارة لجميع الأطراف.

ولا يخفى على القارئ الكريم أن الحالات الأكثر شيوعًا هي أربع:

أنا أربح وأنت تربح، وأنا أربح وأنت تخسر، وأنا أخسر وأنت تربح، وأنا أخسر وأنت تخسر- وسنضرب مثالًا طريفًا، في نهاية هذا المقال ليوضح مفهوم «أنا أخسر وأنت تخسر». وفي الحديث النبوي الشريف: من واسى الفقير من ماله، وأنصف الناس من نفسه، فذلك المؤمن حقاً. وقال الحبيب المصطفى «ص» أيضًا: «سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله، وذكر الله على كل حال».

قبل عشرين سنة أعطيت هذا الدرس -التصرف بعقلية أنا أربح وأنت تربح- لمجموعة كبيرة من موظفي أكاديمية دلمون، وبعد انتهاء الدرس طلب مني زميل عمل مصري الجنسية، -خلوق وصادق-، وقد عرف أني مسافر في مساء نفس اليوم إلى مِصر. طلب مني توصيل غسَّالة لأهله هناك. فقبلت ممتنًا.

وعند وصولي لمطار القاهرة -وكان ذلك بُعيد غروب الشمس- سألت سواق التاكسي عن سعر التوصيل لمنطقة «وسط البلد»، فقال بعضهم خمسين جنيهًا، وقال البعض الآخر ستين جنيهًا، إلا أن أحدهم عرض عليَّ توصيلي بعشرة جنيهات. قلت له لا أعطيك غيرها؟ قال نعم، فقط عشرة جنيهات.

ركبت معه وبعد أن خرجنا من المطار سألني أين تنوي أن تسكن؟ قلت له في فندق جراند في شارع فؤاد سابقًا. قال لي ما رأيك بفندق أفضل وأرخص؟ قلت له لا أريد. فأردف فما رأيك في أن تسكن شقة ممتازة وبسعر معقول؟ قلت له لا أريد إلا فندق جراند. قال لكن هذا الفندق ليس لديه غرف فارغة، قلت له لدي حجز مسبق، قال وفيه وفد يهودي، قلت له لن يسكن أي منهم معي في الغرفة.

حينها قال لي: إن كلفة البترول من المطار للفندق المذكور وحده تفوق 10 جنيهات، قلت له لكن هذا كان الاتفاق بيننا. قال إنما ظننت أنك تريد فندق آخر أو شقة فأستفيد من العمولة. وأردت أن آخذك من أحضان سواق التاكسي الكثر حينئذٍ.

قلت له والآن؟ قال تعطيني 50 جنيهًا وهذا أقل سعر، فتذكرت ما كنت أدرسه صبيحة ذلك اليوم من مفهوم الربح للجميع، وأن أي تفكير يخالف ذلك سيؤدي إلى خسارة كل الأطراف، فقلت له: أنا موافق، توكل على الله.

وعند وصولنا الفندق دفعت له 50 جنيهًا، ونزل قبلي من السيارة، ولما نزلت أنا رأيته يضرب ويشتم رجلًا -يبدو من لباسه أنه كان صعيديًا- فقلت له ما لك وله؟ إن الله سبحانه وتعالى يقول: وقولوا للناس حسنًا، وأنت تشتمه وتضربه؟ قال سائق التاكسي إنما عملت معه ما ترى لأنه شرع في سرقة إحدى «حقائبك»، ولك أيها القارئ الكريم أن تخمن أي الحقائب كانت! لقد كانت الغسالة، الأمانة المطلوب توصيلها لعائلة زميل العمل. فهل تظن أن زميل العمل سيحسن الظن بي لو سُرقت الغسالة؟ أم أنه ستذهب به الظنون كل مذهب؟.

السؤال المطروح هنا هو: لو أنني لم أعطِ سائق التاكسي إلا 10 جنيهات كما هو الاتفاق الأول، فهل سيحول بين الصعيدي وبين سرقة الغسالة؟

تذكر أيها القارئ الكريم، في كل معاملة، إذا لم يربح جميع الأطراف المشتركة في العملية، فإنه إما أن العملية لن تتم، أو أن الطرف الخاسر لن يكرر التعامل معك، والنهاية هي الخسارة لجميع الأطراف.

فزيادة 40 جنيهًا قد حققت الربح لسائق التاكسي، ولي ولزميل العمل المصري.

ومثال على تصرف «أنا أخسر وأنت تخسر» ذكره ستيفن كوفي في كتابة الرائع «العادات السبع للناس الأكثر فاعلية»، ذكر أنه شوهد رجل يبيع أثاث بيته بثمنٍ بخسٍ، تقريبًا بنصف السعر، فقيل له في ذلك، فقال أعلم أني أبيع بسعر رخيص جدًا، ولكني أفعل ذلك رغبة مني في إلحاق الخسارة بطليقتي، حيث أن القاضي ألزمني بدفع نصف قيمة البيت والأثاث والسيارة لطليقتي. فأنا أحب أن أُلْحِقَ بها خسارة حتى لو خسرت أنا!.

فهل ستتبنى مفهوم الربح للجميع في كل تعاملاتك أيها القارئ الكريم؟

البعض وللأسف، سيظل يتعامل بعقلية أنا أربح ولا يهم أن يخسر الآخرون، وقديمًا قال أبو فراس الحمداني:

مُعَلِّلَتي بالوَصْلِ، والمَوتُ دونَهُ ... إذا مِتُّ ظَمْآناً فلا نَزَلَ القَطْرُ.

إقرأ أيضا لـ "جاسم الموالي"

العدد 5344 - الإثنين 24 أبريل 2017م الموافق 27 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 2:30 م

      مقال رائع، والأسلوب القصصي فيه شيّق
      الدين معاملة ، في ناس ما يبين في عيونهم الخير، مثلا كنت في مصر وأغلبهم شعب طيب وحتى لو طلب زيادة بالحيلة ، يستاهلون اسلوبهم لبق،

    • زائر 6 | 10:17 ص

      استاذ جاسم ذكرتني بالشام قبل 12 سنة وصلنا ليلا إلى محطة الحافلات في منطقة السيدة زينب عليها السلام ، اصحاب سيارات نقل الحمل تقاطرت علينا وكان السعر المطلوب مرتفعا مضت دقيقتين لم يتنازل احد .. وهنا انبرى سائق منهم و وافق على سعر أقل .. ركبنا معه .. وكان التهديد وصل اليه من سائق آخر حيث قال له لقد غرزت مسمار براسك .! ولا ادري ماذا وقع له بعد ذلك

    • زائر 3 | 3:25 ص

      الدين المعاملة
      فالمعاملة الحسنة و المنصفة لجميع المتعاملين تسعد و تطمئن حتى من ليس له علاقة
      السلوك الحسن القائم على مبدء الكل رابح يصون المجتمع من الضغينة و الكراهية و الغل و يشجع على زيادة المعاملة باطمئنان
      هذا ياتي من انصاف الاخرين من نفسك (قل الحق و لو على نفسك) فانت الرابح بالصدق و الاخر رابح بنيل مبتغاه من الامانة منك و بذلك تبنى جسور الثقة والله يحب المحسنيين
      و هذا ينطبق على الامم في حال فرض ضرائب من دون امتيازات تشجع الفرد على العطاء و الشعور بانه رابح ولو بعد حين
      د. حسن الصددي

    • زائر 5 زائر 3 | 8:10 ص

      يبدو من أسلوب الكتابة لدى الأستاذ جاسم الموالي بأنه إداري متميز واكاديمي متمكن وذلك من خلال المواضيع اللتي يكتبها في الجريدة بين وقت وآخر حيث تمتاز بالقوة في التعبير والتركيز في صلب الموضوع .مع خالص تحياتي لشخصه الكريم ..

    • زائر 2 | 2:28 ص

      أسلوب سهل وبسيط وشيق في توصيل الفكرة وهذا ما عودتنا عليه من ربط الفكرة بأمثلة حيه من واقعنا الملموس وياليت الجميع يفكر أثناء تعامله مع الآخرين أن يكون الربح لكافة الأطراف سواء كان الربح مادي أم معنوي

    • زائر 1 | 1:55 ص

      اسلوبك في إيصال المعلومة مقروءة أو مسموعة لا يخطأ هدفه فلا محيص للمتلقي من الفهم. تلك واحدة من الدروس الكثيرة التي تفضلت علي بتعليمها. وعودة لصلب الموضوع ربح كل الأطراف هو المبدأ المتفق مع الدين والإنسانية والمصلحة الشخصية دون ان يكون هناك أي تعارض بينها. شكرا لك أستاذي الكريم ومعلمي الفاضل أخي الأستاذ جاسم الموالي. منصور

اقرأ ايضاً