العدد 83 - الأربعاء 27 نوفمبر 2002م الموافق 22 رمضان 1423هـ

التداعيات والآثار الاقتصادية المحتملة للحرب الأميركية ـ البريطانية العدوانية على العراق

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

حددت الشرائع والقوانين في ميثاق الأمم المتحدة وفي القرارات الدولية الناظمة لأسس التعامل بين الدول في حالات السلم والحرب الشروط التي تضمن الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يفسح المجال أمام التعاون البناء وتلاقي الحضارات...

فهل الحرب المحتملة في الشرق الأوسط تحافظ بجدية على هذه الشروط التي تكفل حياة البشر وسعادتهم؟ هل من المقبول دوليا أن تعطي الولايات المتحدة الأميركية لنفسها صفة المراقب والشرطي الدوليين؟ وهل لها الحق وحدها في اتخاذ القرارات الدولية والتحكم بمصائر الآخرين وفق رغباتها التوسعية، السياسية والاقتصادية، بما يتناسب مع مصالحها وحدها؟ من دون النظر إلى حقوق بلدان العالم، ولاسيما البلدان النامية، ومن دون إعارة أي اهتمام للشرعية الدولية ممثلة في هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، بما فيها الأمن الدولي والفصل السابع من قوانينه.

سياسة القوة والجبروت

يبدو أن هذه الأسس الثابتة قد غابت نهائيا عن ساحات العمل السياسي لدى الولايات المتحدة الأميركية، وحلت مكانها شرائع القوة والجبروت والهيمنة وتجميد ثروات الآخرين والسيطرة على مقدراتهم، والتدخل في شئونهم الداخلية ووضعهم تحت الوصاية.

لقد استغلت الولايات المتحدة الأميركية الظروف والمعطيات الدولية المستجدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، وذلك لإقامة النظام العالمي الجديد (أمركة العالم)، باستخدام جميع الأساليب المالية والمادية والبشرية والدعائية لتحقيق هذا النظام ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة العسكرية.

وتتعرض في الوقت الحاضر بلدان شرق البحر الأبيض المتوسط، ولاسيما البلدان العربية إلى ضغوط شديدة من جانب الدول التي تخطط لغزو القُطر العراقي الشقيق، وذلك باستخدام القوة العسكرية من دون بيان الأسباب الحقيقية التي تدعو إلى ذلك.

فتارة تدعي وجود أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية تهدد المنطقة بكاملها، ويجب القضاء عليها، وأخرى التخلص من النظام العراقي، وثالثة السيطرة على منابع النفط العراقي الذي يعتبر المصدر الثاني للنفط العربي، وأخيرا تجزئة العراق وإقامة حكومة انتقالية عسكرية قوامها (75) ألف جندي أجنبي تعمل على تقسيم العراق إلى دويلات (كانتونات) يسهل على الإدارة الأميركية إدارتها والتحكم في مصيرها ومستقبلها وتوجهها السياسي.

إن القرارات الأحادية بشأن العراق لم تقترن بموافقة معظم دول العالم الرافضة لأي عمل عسكري، ولا بأكثرية الشعب الأميركي ومؤسساته الدستورية، وقد دعت مجموعة من الدول المحبة للسلام إلى حل سياسي للمسألة العراقية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية الآيلة إلى حل سلمي بين الدول الأعضاء على أساس الحوار السلمي وعدم اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية الغاشمة.

«إسرائيل» أصل البلاء وأساس العلة والداء

الانحياز الأميركي الفاضح لـ «إسرائيل» وتقديم المساعدات والقروض إليها من دون ضمانات بمليارات الدولارات، أسهم في دعم التدخل العسكري في العراق، هذا بالإضافة إلى ما قامت به «إسرائيل» من عمليات القتل والتشريد والتدمير والاغتيال في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة من دون اتخاذ أي إجراء من جانب الولايات المتحدة الأميركية التي أصبحت إدارتها الحالية خاضعة بالمطلق للتأثير الصهيوني وتخطيط السيطرة على بلدان الشرق الأوسط وإعادة هيكلتها وفق المصالح الإسرائيلية وفرض شروطها على الأطراف العربية.

إن تردي الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية، وعدم تحقيق زيادة في الناتج المحلي الإجمالي، وكوارث السوق المالية وإفلاس عدد من الشركات الكبرى، وزيادة معدلات البطالة (8,5)، والسيطرة على النفط والمنطقة، هي أسباب حقيقية تكمن وراء احتمالات غزو العراق.

الآثار الاقتصادية المحتملة للعدوان على العراق

وفي ضوء هذه المعطيات، ما هي تداعيات الحرب المحتملة ضد العراق؟ وما هي النتائج الاقتصادية التي ستقع على عاتق العراق والدول العربية المجاورة له؟ وما هي الأضرار المتوقعة من هذه الحرب؟

1- أولى التداعيات وأخطرها، ستدعو إلى زعزعة الأمن الإقليمي وعدم الاستقرار في المنطقة العربية التي تعتبر طريقا لمصالح دولية لا حصر لها، فاستقرار هذه المنطقة يشكل جسرا للسلام العالمي.

2- إن الحرب المحتملة ضد العراق قد تؤدي إلى حرب إقليمية - وفقا لتوقعات الكثير من قادة الدول والاستراتيجيين - لها تأثيرها المباشر على العلاقات الدولية ومصالح معظم الدول (أوروبا ودول العالم الثالث) بما في ذلك الدول العربية.

3- إن إجراء أي تبدل جغرافي في العراق، أو أية دولة عربية، بهدف تجزئة وحدتها السياسية أو الجغرافية، سينجم عنه تغيير بنيوي في خريطة المنطقة العربية وتنفيذ المشروع التوسعي الصهيوني والسيطرة على النفط العربي بإدارة جديدة تحدد كميات الإنتاج وأسعاره بما يتفق مع مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.

4- التأثير على الوضع الاقتصادي للدول العربية، ما يسبب عجزا في الميزان التجاري، وعمليات الاستيراد والتصدير والخدمات، وانخفاض الموارد المالية بالعملات الأجنبية من قطاع السياحة والاستثمار، ويسبب زيادة في عدد العاطلين عن العمل الذي لا تقل نسبته عن 20 من قوة العمل العربية.

5- ستؤدي الحرب المحتملة إلى تراجع اقتصادي عربي في حجم التجارة البينية التي تبلغ حاليا 8 من حجم التجارة العربية، كما ستؤثر على حركة التجارة العربية الخارجية في الصادرات والواردات مع الدول الأخرى بسبب صعوبات النقل في مختلف أشكاله وارتفاع نفقاته وزيادة أعباء التأمين على السلع ضد أخطار الحرب.

6- استنفاد جزء كبير من الاحتياطي النقدي بالعملات الأجنبية لتمويل مستلزمات الحرب، ما ينعكس على ميزان المدفوعات لدول المنطقة، بالإضافة إلى نقص في مواردها بالعملات الأجنبية.

7- تبدلات خطيرة ومستمرة في الأسواق المالية التي تعتبر المحرك الاقتصادي المالي، والتي تنجم عنها خسائر كبيرة في الأموال العربية المستثمرة خارجيا.

8- تؤدي الحرب المحتملة إلى ارتفاع في أسعار النفط والمواد الأساسية، مما له أثر كبير في استمرار نشاط الصناعات المدنية، وكذلك تأمين حاجات الاستهلاك وعمليات التصنيع، ما يسبب ارتفاع الأسعار والحد من الاستهلاك وتوقيف دولاب الإنتاج بمختلف نشاطاته، وفقدان كثير من السلع والمواد الضرورية المعيشية لتأمين الأمن الغذائي والأمن الصحي ومستلزمات الحرب بسبب الاحتكار والتخزين، ما يتطلب رقابة مستمرة على الأسعار من جانب السلطات الرسمية.

9- تتطلب تغطية النفقات العسكرية ومستلزمات الحرب الحصول على قروض جديدة وبشروط مالية ستزيد من أعباء الدول المعنية، شريطة ألا تكون هذه القروض رهينة للدول المقرضة سياسيا واقتصاديا وماليا.

10- إن التهديد بالحرب يشكل تحديات تعوق تنفيذ البرامج والخطط التنموية وفي زيادة الإنتاج المحلي الإجمالي، والحد من البطالة التي لها آثارها الاجتماعية، وكذلك عدم تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، هذا فضلا عن تحويل جزء من الصناعات المدنية إلى صناعات عسكرية لتأمين مستلزمات الحرب المختلفة وما يترتب على ذلك من أعباء إضافية.

11- إن المنطقة العربية مرشحة للعدوان الذي يستهدف مواردها الذاتية بالدرجة الأولى، وكذلك كيانها واستقلاليتها، وسيكون ذلك سببا في زيادة العنف ونشاط حركات المقاومة الوطنية بشتى أشكالها وصورها.

وبالتأكيد فإن العالم كله يأمل أن تثمر جهود الدول المحبة للسلام بتوقيف آلة الحرب وتحويل نفقاتها المتوقعة (150 مليار دولار) إلى إنفاق تنموي لتحقيق التقدم والرفاهية لجميع شعوب العالم وللأجيال القادمة في مناخ عالمي يعمه السلام والعدل ويدفع عنه الجور والظلم

العدد 83 - الأربعاء 27 نوفمبر 2002م الموافق 22 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً